مدينة غزّة، قطاع غزّة: أعلن القياديّ في حركة حماس خليل الحيّة في بيان له في 6 آب/أغسطس أنّ الحركة أطلقت حملة تبرّعات أخيراً في قطاع غزّة، لدعم اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، حيث تمكّنت من جمع 100 ألف دولار من أهالي غزّة، مشيرأ إلى أنّه سيتمّ إرسال المبلغ قريباً، مشيداً بأهل غزّة الذين جادوا بأموالهم، وأكّدوا أصالتهم، على الرغم من الظروف العصيبة والحصار، كما كشف عن حملة جديدة ستطلقها حماس في الأسبوع المقبل، لدعم أهالي وادي الحمص في القدس الشرقيّة بعد هدم إسرائيل مئة شقّة في منتصف شهر تمّوز/يوليو الماضي.
ولقي إعلان الحركة حملة التبرّعات ردود فعل متباينة من قبل الغزّيّين، إذ أشاد البعض بهذه الحملة، فيما أثارت استياء الآخرين الذين تساءلوا عنها، في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها القطاع، كونه الأولى بإطلاق حملات مساندة ودعم، وعلى الحركة الالتفاف لمعاناة المواطنين بداية.
من موقعه، أكّد المتحدّث باسم حركة حماس حازم قاسم لـ"المونيتور" أنّ رسالة حماس الأساسيّة من وراء هذه الحملة هي تجسيد وحدة الشعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن تواجده في الداخل والشتات، والاستمرار في تفعيل قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، خصوصاً في لبنان، بعد الإجراءات الأخيرة في حقّ العمّال الأجانب.
وكان وزير العمل في الحكومة اللبنانيّة كميل أبو سليمان قد أطلق في مطلع شهر تمّوز/يوليو الماضي خطّة لـ"مكافحة العمالة الأجنبيّة" غير الشرعيّة، بهدف حماية اليد العاملة اللبنانيّة وتطبيق القوانين وتعزيز الأمن الاجتماعيّ، وطالت هذه الخطّة العمّال من اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، ممّا أثار سخطاً واسعاً وموجة احتجاجات من قبل الفلسطينيّين في لبنان، واتّهموا الخطّة بأنّها تتساوق مع أهداف الخطّة الأميركيّة للسلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم "صفقة القرن"، وطالبت الفصائل الفلسطينيّة بعدم ملاحقة العمّال الفلسطينيّين واعتبارهم استثناء، كونهم لم يأتوا إلى لبنان بمحض إرادتهم ولا يمكنهم العودة إلى بلادهم.
وكان أبو سليمان قد دعا مؤخراً بطلب من رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى عقد اجتماع مع الاطراف الفلسطينية في لبنان للحوار فيما يتعلق بالخطة، ولكن رفضت الأخيرة الحضور ذلك بحجة أنها لم تأخذ وعود مسبقة منه بعدم تطبيق الخطة على العمالة الفلسطينية، وكان مجلس الوزراء قد قرر في جلسته المنعقدة في 10 آب/أغسطس وقف خطة تنظيم إجازات العمل للاجئين الفلسطينيين، وناقش سبل كفّ يد وزارة العمل عن متابعة إجراءاتها، ما أثار استياء أبو سليمان الذي كان غائباً عن الجلسة.
وبيّن قاسم أنّ جمع تبرّعات لوادي الحمص يأتي في السياق ذاته، إذ تريد الحركة أن تظلّ هذه القضيّة حاضرة في الوجدان والرأي العامّ لإبقاء حالة التضامن مع هذه القضيّة الوطنيّة، لافتاً إلى أنّ المبالغ التي تمّ جمعها تعبّر عن أصالة الشعب وتضامنه مع بعضه، خصوصاً وأنّها تأتي في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الصعبة وحالة الركود الضخمة التي يعيشها أهالي قطاع غزّة بفعل الحصار الإسرائيليّ.
وعن كيفيّة تمكّن حماس من جمع هذا المبلغ في أيّام قليلة، بيّن أنّ لدى الحركة لجان عمل إغاثيّ أشرفت على الأمر وستتكفّل بإرساله من دون أن يذكر الطريقة التي ستتّبعها.
وقال: "هذا المبلغ تكمن أهمّيّته في بعده الرمزيّ، وليس في قيمته".
من جانبه، بيّن المحلّل السياسيّ المقرّب من حركة حماس ابراهيم المدهون لـ"المونيتور" أنّ الحملة جاءت تعبيراً عن تضامن حركة حماس والشعب الفلسطينيّ في غزّة مع اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وتحمل مضامين ورسائل سياسيّة عدّة تتمثّل في أنّ القضيّة الفلسطينيّة قضيّة واحدة، وأنّ التهديد الذي يتعرّض إليه الفلسطينيّون سواء في الأراضي الفلسطينيّة أم في الشتات هو تهديد واحد ومشترك للقضيّة الفلسطينيّة، وأنّ على الشعب الفلسطينيّ أن يكون يداً واحدة في مواجهة أيّ خطر تتعرّض إليه القضيّة، كما أنّها رسالة واضحة تؤكّد أنّ غزّة سند ومعين للحراك الذي يقوم به اللاجئون الفلسطينيّون ضدّ وزارة العمل اللبنانيّة، لافتاً إلى أنّ هذه الخطوة من شأنها تشجيعهم على الثبات في المطالبة بحقوقهم وعدم التنازل عنها.
وتابع: "الحملة تحمل رسالة تحدّي إلى الحكومة الإسرائيليّة التي تحارب القطاع وتفرض عليه حصاراً خانقاً، إذ على الرغم من التضييق، إلّا أنّ الغزّيّين قادرون على دعم أيّ فلسطينيّ ومساندته، إذا ما تعرّض إلى التهديد".
وعن الاستجابة الشعبيّة السريعة للحملة، أكّد أنّها استجابة رمزيّة تدلّل على تأييد سكّان غزّة لحركة حماس أوّلاً، ولخطّها النضاليّ والكفاحيّ لمواجهة التهديدات التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطينيّ.
وأوضح أنّ القطاع كونه منطقة استهداف ويحمل عبء المواجهة المباشرة مع إسرائيل، يريد أن يؤكّد أنّ لديه استعداداً كبيراً وواسعاً لتحمّل الفلسطينيّين في الشتات والقدس ومساندتهم، إذ يعتبر نفسه بؤرة مركزيّة للقضيّة الفلسطينيّة، مبيّناً أنّ الحملة تحمل رسائل سياسيّة أكثر من كونها اقتصاديّة، معتقداً أنّه كان من الأولى أن تطلق الحركة حملة مشابهة لدعم صمود المواطنين الفقراء في غزّة.
وأكّد أنّ المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان تلقّت هذه الحملة بترحاب كبير، وكانت لها أثار إيجابيّة على الحالة النفسيّة للّاجئين، ممّا يدلّل على أنّ الحملة أتت ثمارها.
من ناحيته، قال المحلّل السياسيّ هاني حبيب لـ"المونيتور" : "الحملة تدلّل على التوافق الوطنيّ الفلسطينيّ حول مواجهة ما يتعرّض إليه اللاجىء الفلسطينيّ في لبنان، إذ كان يجب أن يتجاوز الشعور بالمسؤوليّة الخطاب السياسيّ والمطلبيّ إلى الدعم الماديّ في مواجهة المؤامرة التي تحاك ضدّه".
وبيّن أنّ القيمة المادّيّة التي استطاع سكّان غزّة تجميعها تحمل دلالة معنويّة أكثر من كونها مادّيّة، إذ يعلم الجميع الوضع الاقتصاديّ الصعب الذي يعاني منه القطاع.
ورجّح أنّ حركة حماس أرادت إرسال رسالة سياسيّة من خلال جمعها الملبغ من القطاع، كونها تسيطر سيطرة تامّة عليه، قائلاً: "أرادت أن تثبت أنّها قادرة على أن تتّخذ القرارات حتّى التي تتعلّق بالطبيعة المادّيّة، على الرغم من الحديث المتكرّر عن الحصار والحالة المأسويّة التي يرثى لها".
وشرح أنّه إذا كانت الحركة تملك توجّهاً لدعم صمود الفلسطينيّين في المخيّمات اللبنانيّة واهتماماً بذلك، فعليها أيضا أن تدعم صمود الغزّيّين في القطاع، من خلال رفعها جملة الضرائب والجمارك الإضافيّة التي تفرضها على المواطنين في غزّة، كونها تزيد من المعاناة الاقتصاديّة للقطاع.
وقال: "ليس على حماس القيام بحملة تبرّعات مشابهة لغزّة من سكّانها".
وبيّن أنّ هذه الحملة لا تعفي المجتمع العربيّ والدوليّ من قيامه بحملات تبرّعات لإغاثة سكّان غزّة، ولا تدلّل على أنّ المجمتع الغزّيّ منتعش اقتصاديّاً بقدر أنّها تدلّل على أنّه مساند معنويّاً ومادّيّاً للّاجئين في المخيّمات اللبنانيّة.