رام الله – الضفّة الغربيّة: احتشد عشرات آلاف الفلسطينيّين في مدينة رام الله، وسط الضفّة الغربيّة، بفعاليّة مركزيّة نظّمتها الفصائل الفلسطينيّة في 11 شباط/فبراير، مندّدة بخطّة السلام الأميركيّة المعروفة بصفقة القرن، ودعماً لموقف الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس الرافض لها.
وجاءت الفعاليّة الجماهيريّة، بالتزامن مع خطاب ألقاه محمود عبّاس أمام مجلس الأمن في 11 شباط/فبراير، قدّم خلاله توضيحاً للموقف الفلسطينيّ الرافض لصفقة القرن، وطارحاً رؤية فلسطينيّة لتكون بديلاً للصفقة.
وتتلخّص الرؤية الفلسطينيّة لعمليّة السلام بعقد مؤتمر دوليّ للسلام، برعاية اللجنة الرباعيّة الدوليّة المكوّنة من الولايات المتّحدة وروسيا والاتّحاد الأوروبيّ والأمم المتّحدة وأعضاء مجلس الأمن أصحاب العضويّة الكاملة، بحضور فلسطين وإسرائيل.
ويهدف المؤتمر، الذي دعا إليه عبّاس، إلى "تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وتحديداً القرار 2334 لعام 2016، ورؤية حلّ الدولتين ومبادرة السلام العربيّة، من خلال إنشاء آليّة دوليّة تقوم برعاية المفاوضات بين الجانبين، رافضاً في الوقت ذاته أيّ رعاية أميركيّة أحاديّة لعمليّة المفاوضات.
وكان مجلس الأمن أصدر في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016 قراراً حظي بتأييد 14 عضواً وامتناع الولايات المتّحدة عن التصويت، كرّر خلاله مطالبة إسرائيل بوقف كامل لكلّ الأنشطة الاستيطانيّة في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، بما فيها القدس الشرقيّة.
وأبدى عبّاس خلال خطابه استعداده لبدء مفاوضات مع الجانب الإسرائيليّ في أيّ وقت، على أن تكون تحت رعاية الرباعيّة الدوليّة، مقدّماً إلى مجلس الأمن وثيقة أعدّتها منظّمة التحرير الفلسطينيّة، على 311 مخالفة للقانون الدوليّ.
وشدّد عبّاس في رؤيته على ركيزتين أساسيّتين يعوّل عليهما في محاولة لكسب الرضا والتأييد الدوليّ، الأولى استمراره في التوجّه إلى الإسرائيليّين ومخاطبتهم بأنّه ما زال يمدّ يده للسلام، في محاولة لكسب الرأي العام الإسرائيليّ، والتزامه الشديد بعدم لجوئه إلى "العنف" مهما كان حجم الاعتداءات عليه.
ومن المقرّر أن يقدّم الفلسطينيّون مشروع قرار إلى مجلس الأمن ضدّ الخطّة الأميركيّة، عقب انتهاء المشاورات بشأنه بين الدول الأطراف، لكن لم يحدّد بعد موعد تقديم المشروع، وسط أنباء وتقارير أشارت إلى سحب المشروع، الأمر الذي نفاه عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات في 10 شباط/فبراير، مؤكّداً أنّ مشروع القرار "يتضمّن إدانة خطّة ترامب".
وأشار رئيس الإدارة العامّة للأمم المتّحدة ومنظّماتها في وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة عمر عوض الله لـ"المونيتور" إلى أنّ خطاب الرئيس في مجلس الأمن يحمل دلالة مهمّة، مفادها أنّ الجهة المسؤولة عن حفط الأمن والسلام الدوليّين عليها تحمّل مسؤوليّاتها أمام ما تتعرّض له حقوق الشعب الفلسطينيّ من تدمير، وقال: إنّ الرئيس عبّاس أكّد أنّ حلّ القضيّة الفلسطينيّة يجب أن يكون على مستوى دوليّ، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن والأمم المتّحدة، مع التمسّك الفلسطينيّ بالسلام، من خلال المبادرة التي طرحها الرئيس عبّاس بالدعوة إلى عقد مؤتمر دوليّ للسلام وتشكيل حراك دوليّ متعدّد الأطراف لإيجاد آليّة تكون الرباعيّة الدوليّة الوسيط بيننا وبين الإسرائيليّين للوصول إلى سلام.
مبادرة عبّاس، التي طرحها أمام مجلس الأمن، تعدّ مبادرة مكرّرة لما طرحه أمام المجلس في شباط/فبراير من عام 2018، حين دعا إلى عقد مؤتمر دوليّ للسلام في منتصف عام 2018 سبقه اعتراف دوليّ بدولة فلسطين، إذ قال عمر عوض الله: "ما طرحه الرئيس هو تأكيد لما طرحه سابقاً، الأمر الذي يؤكّد جاهزيّة فلسطين للانخراط في عمليّة سياسيّة وفق جدول زمنيّ محدّد وواضح".
وكان اتفاق أوسلو، الذي أبرم بين إسرائيل ومنظّمة التحرير في أيلول/سبتمبر من عام 1993، استبعد القضايا الأساسيّة التي سمّيت بقضايا الحلّ النهائيّ كالقدس، الحدود، الدولة، اللاّجئين، والمستوطنات، إلى ما بعد انتهاء المرحلة الانتقاليّة من الاتفاق المحدّدة بـ5 سنوات، والتي مع انتهائها وفشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية.
بدوره، قال أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة "فتح" ماجد الفتياني لـ"المونيتور": إنّ رؤية الرئيس عبّاس تنسجم مع ما طرحه الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في كلمته أمام مجلس الأمن الدوليّ، على أنّ حلّ القضيّة الفلسطينيّة يجب أن يكون وفق مبدأ حلّ الدولتين، وكذلك مع بيان الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ بمجلس الأمن الدوليّ الذي أعلنه وزير خارجيّة ودفاع بلجيكا فيليب غوفان، الذي أكّد أنّ مبادرة أميركا تبتعد عن المعايير المتّفق عليها دوليّاً.
ولفت ماجد الفتياني إلى أنّ الفلسطينيّين سينتظرون ما سيرشح عن مجلس الأمن بعد مشروع القرار الفلسطينيّ للتصويت، وقال: في حال استخدام الولايات المتّحدة الأميركيّة حقّ الفيتو، سيتمّ التوجّه بالمشروع إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة.
من جهته، أشار عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير واصل أبو يوسف خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ منظّمة التحرير تسعى إلى عقد مؤتمر دوليّ لعمليّة السلام هدفه الأساسيّ كسر تفرّد واشنطن بعمليّة السلام، لافتاً إلى انفتاح الفلسطينيّين وقبولهم بكلّ أشكال الرعاية على أن تكون دوليّة ومتعدّدة الأطراف.
ورغم أنّ الفلسطينيّين طالبوا في أكثر من مناسبة بعقد مؤتمر دوليّ للسلام، إلاّ أنّهم يدركون صعوبة تحقيق ذلك، إذ قال أستاذ الإعلام والعلوم السياسيّة في جامعة "القدس" أحمد رفيق عوض لـ"المونيتور": "إنّ السلطة الفلسطينيّة غير قادرة على عقد مؤتمر دوليّ، لأنّ ذلك يحتاج إلى دولة كبيرة قادرة على إحضار الدول للمشاركة فيه".
أضاف: إنّ طرح السلطة المتكرّر لهذه المبادرة هو رغبتها في أن يتمّ "التقاط هذه الفكرة وحمايتها ودعمها من دول إقليميّة ودوليّة".
وتابع: "هناك دول كثيرة يمكن أن تلتقط هذه الفكرة وتدعمها مثل الاتّحاد الأوروبيّ أو روسيا، لكنّ نجاح ذلك يتطّلب موافقة الولايات المتّحدة عليها، وحضور إسرائيل".
ولفت إلى أنّ موافقة الإدارة الأميركيّة على عقد المؤتمر الدوليّ، لا يمكن أن تتمّ إلاّ بتغيّر موازين القوى في العالم، أو تغيير الإدارة الأميركيّة الحاليّة، وقال: إنّ الفلسطينيّين يمكنهم إسقاط صفقة القرن على أرض الواقع من خلال التصدّي لها وإفشالها عبر الضغط على إسرائيل، التي يجب أن تعلم أنّ تطبيق الخطّة سيعرّض أمنها ومستقبلها للخطر، ولن يجلب لها السلام والأمن والتطبيع.