رام الله – الضفّة الغربيّة: أثار لقاء الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس بوفد من الحزب الديمقراطيّ الصهيونيّ مكوّن من حفيدة رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق اسحاق رابين نوا روثمان وعضو حزب "ميرتس" اليساريّ عيساوي فريج، في مقرّ الرئاسة الفلسطينيّة برام الله - وسط الضفة الغربيّة، في 12 آب/أغسطس، التكهّنات حول مغزى اللقاء وأهدافه، خصوصاً أنّه يأتي قبيل إجراء الانتخابات الإسرائيليّة في 17 أيلول/سبتمبر.
اللقاء السريّ، الذي كشفت عنه القناة "13" الإسرائيليّة ولم تتطرّق له الوكالة الفلسطينيّة الرسميّة "وفا"، أثار غضب الفصائل الفلسطينيّة التي أدانته، إذ قال المتحدّث باسم حركة "حماس" عبد اللطيف القانوع في تصريح صحافيّ بـ14 آب/أغسطس: "هذه الاجتماعات المشبوهة التي تبحث عن وهم السلام والتعايش مع الاحتلال وتعزيز العلاقات مع أحزابه الصهيونيّة هي شكل من أشكال التطبيع، وخنجر مسموم في ظهر قضيّتنا الفلسطينيّة".
من جهتها، دانت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين (حزب يسارّي في منظّمة التحرير) في بيان صحافيّ، بـ14 آب/أغسطس، اللقاء ووصفته بـ"التطبيعيّ"، قائلة: "إنّ فتح مقرّ المقاطعة برام الله للقاءات الصهاينة يضرب مصداقيّة التوجّهات التي أعلنها الرئيس محمود عبّاس حول وقف التعامل مع الاتفاقيّات الموقّعة مع الكيان الصهيونيّ. كما تكشف زيف المواقف الرسميّة المعلنة بكونها ليست سوى فقّاعات في الهواء".
وكان محمود عبّاس أعلن، في 25 تمّوز/يوليو، وقف العمل بالاتفاقات الموقّعة مع الجانب الإسرائيليّ وتشكيل لجنة لتنفيذ القرار، لكن لم يزل القرار حبراً على ورق.
ونظراً إلى قرب الانتخابات الإسرائيليّة المزمع اجراؤها في 17 ايلول/سبتمبر، فاللقاء قد يمثّل دعماً فلسطينيّاً للمعسكر الصهيونيّ، هدفه محاولة جذب تصويت الناخبين الإسرائيليّين المؤيّدين لحلّ الدولتين في الانتخابات المقبلة، لتقليل فرص فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات أو تقليل فرصه بتشكيل الحكومة.
وجاء اللقاء بدعم من رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، بهدف إعادة قضيّة الصراع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ إلى جدول أعمال الانتخابات، وفق قول نوا روثمان وعيساوي فريج عقب لقاء عبّاس، حسب ما نشرته القناة "13" الإسرائيليّة، بينما أعرب عبّاس عن أمله في عودة الحكومة الإسرائيليّة التي ستتشكّل بعد الانتخابات إلى المفاوضات، كاشفاً رفض نتنياهو لقاءه في مناسبات عدّة سابقاً، بينما وصفت روثمان عبّاس بأنّه "شريك للسلام، لكنّه يشعر باليأس بسبب قلّة الحوار والمفاوضات".
وعقب اللقاء، نشر نتنياهو في حسابه على "تويتر"، بـ13 آب/أغسطس، صورة لتقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" وفوقها عبارة جاءت في التقرير مفادها أنّ عبّاس أعرب عن أمنيته بخسارة نتنياهو للانتخابات، في محاولة لدفع الإسرائيليّين إلى التصويت إليه، بينما نفت روثمان ان يكون عباس قد قال ذلك خلال اللقاء معها وفق ما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست.
وأشار نائب رئيس لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيليّ التابعة لمنظّمة التحرير الياس زنانيري في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ اللقاءات الفلسطينيّة مع الإسرائيليّين هدفها تأكيد "وجود شريك فلسطينيّ حقيقيّ للسلام بين الشعبين على أساس حلّ الدولتين"، وهذا العمل مستمرّ قبل الانتخابات الإسرائيليّة وبعدها.
وعن تأثير السلطة في الانتخابات الإسرائيليّة، قال الياس زنانيري: "إنّ السلطة ومنظّمة التحرير تقومان بدورهما بالتوضيح للجمهور الإسرائيليّ حقيقة موقفهما، وعدم صحّة ادّعاء اليمين بعدم وجود شريك فلسطينيّ حقيقيّ في عمليّة السلام"، خصوصاً أنّ "نتنياهو، منذ تولّيه سدّة الحكومة في إسرائيل، لم يبد أيّ رغبة في التوصّل إلى اتّفاق مع الفلسطينيّين وجمّد العمل بالاتفاقيّات، وواصل تنفيذ تطبيق سياسات أحاديّة الجانب لتغيير واقع الأراضي المحتلّة".
بدوره، قال الصحفي والمحلّل المتخصّص في الشؤون الإسرائيليّة فايز عبّاس والذي يعمل في هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية لـ"المونيتور": إنّ لقاء عبّاس مع روثمان هو جزء من لقاءات يجريها الرئيس مع شخصيّات إسرائيليّة بين حين وآخر، على أمل أن يحدث التغيير في إسرائيل، في اشارة الى كسر هيمنة اليمين الاسرائيلي على الحكومة الاسرائيلية.
أضاف: "من شأن اللقاء إعطاء دفعة إلى اليسار الإسرائيليّ من خلال دفع مناصري اليسار إلى المشاركة والتصويت في الانتخابات المقبلة، نظراً لتدنّي مشاركتهم في الانتخابات السابقة".
وعن تدخّل السلطة من عدمه في الانتخابات الإسرائيليّة، قال عبّاس: "هذا اللقاء لا يعدّ تدخّلاً، وأعتقد أنّ الوقت حان لتتدخّل السلطة بشكل مباشر في الانتخابات الإسرائيليّة".
أضاف: "التدخّل في الانتخابات سيعزّز قوّة اليسار الإسرائيليّ وسيشجّع مؤيّديه على التصويت بنسبة عالية، وهذا لن يعجب اليمين".
وتابع عبّاس: "يجب أن يتحدّث المسؤولون الفلسطينيّون عن الانتخابات الإسرائيليّة بشكل مباشر من أجل إيصال موقف السلطة من عمليّة السلام إلى كلّ بيت إسرائيليّ وإعادة إحيائها، خصوصاً أنّ القضيّة الفلسطينيّة وعمليّة السلام غير موجودتين على أجندة الأحزاب الإسرائيليّة، التي تتسابق لكسب أصوات الناخبين من خلال تشجيع تهجير الفلسطينيّين، وزيادة الاستيطان وضمّ الضفّة إلى إسرائيل".
ويسعى الحزب الديمقراطيّ الصهيونيّ إلى كسب الأصوات المؤيّدة لحلّ الدولتين في إسرائيل، وكذلك أصوات الوسط العربيّ، مستفيداً من لقاءاته مع السلطة، وعلاقات عبّاس الجيّدة مع حزب "ميرتس"، الذي زار أعضاؤه المقاطعة والتقوا عبّاس في أكثر من مناسبة.
ولفت عبّاس إلى "أنّ السلطة كان لها دور من وراء الكواليس في الانتخابات الاسرائيلية عام 2015 بتشكيل القائمة المشتركة وتقريب وجهات النظر بين الأحزاب العربيّة، لكن حين تمّ حلّها في الانتخابات الأخيرة في نيسان/إبريل من عام 2019 أثّر ذلك سلباً على العلاقة بين السلطة والأحزاب العربيّة. ورغم عودة القائمة المشتركة بين الأحزاب العربيّة، إلاّ أنّ علاقتها مع السلطة لم تعد كما كانت في عام 2015"، وذلك في اشارة الى غضب السلطة غير المعلن من الاحزاب العربية لعدم قدرتها على التوحد في قائمة مشتركة في الانتخابات الاسرائيلية التي جرت في نيسان/ابريل 2019.
وعن إمكانيّة لعب السلطة دور الوسيط في إحداث تعاون بين الحزب الديمقراطيّ والقائمة المشتركة بعد الانتخابات، قال عبّاس: "سيكون هناك تعاون بين الحزب الديمقراطيّ والمشتركة التي لن توصي في أيّ حال من الأحوال نتنياهو بتشكيل الحكومة".
ولفت إلى أنّ "المشتركة قد تدعم مثلاً حزب أزرق - أبيض بعد الانتخابات، من دون أن تدخل معه بائتلاف تحت شروط ومطالب كبيرة".
إن سعي عبّاس إلى إعادة الحياة في عمليّة السلام ينبع من تعويله على الحزب الديمقراطيّ الصهيونيّ والقائمة المشتركة في عرقلة وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، نظراً إلى الأصوات التي سيحصدانها، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الاسرئيلية حصول القائمة المشتركة في الانتخابات المقبلة على 11 مقعدا، بينما سيحصل الحزب الديمقراطي ما بين 6 – 7 اصوات، في حين يبدو الفارق بين نتنياهو (حزب الليكود) وغانتس (حزب ابيض – ازرق) ضئيل جدا، ما يعني انهم بحاجة الى اصوات القوائم الاخرى لحسم تشكيل الحكومة، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه موقع "واللا" الإسرائيليّ، في 21 آب/أغسطس، أنّ معسكر أحزاب اليمين سيحصل على 57 مقعداً، من دون حزب أفيغدور ليبرمان، مقابل 43 مقعداً لمعسكر (الوسط – يسار)، من دون القائمة المشتركة التي يتوقّع أن تحصد 11 مقعداً.