غادر الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، السعوديّة، بعد زيارة استمرّت يومين، التقى فيها العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ عهده الأمير محمّد بن سلمان لتعزيز التعاون المشترك وتنسيق المواقف السياسيّة، وأطلعهما على تطوّرات القضيّة الفلسطينيّة، وجدّد الوقوف بجانب المملكة أمام الهجمات الأخيرة ضدّها.
وفي 16 تشرين الأوّل/أكتوبر، التقى محمود عبّاس الملك سلمان، وأكّد له وقوف الشعب الفلسطينيّ بجانب المملكة في تصدّيها للإرهاب الذي تتعرّض له. وفي 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، التقى بوليّ عهده.
ورافق عبّاس في زيارته أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات، وزير الشؤون المدنيّة حسين الشيخ، رئيس جهاز المخابرات العامّة ماجد فرج، ومستشاره للشؤون الديبلوماسيّة مجدي الخالدي، وسط غياب لافت لرئيس الحكومة محمّد اشتيّه ووزير الخارجيّة رياض المالكي.
وكشف مجدي الخالدي لوكالة "سما"، في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، أنّ أجندة القمّة تبحث في عقد المؤتمر الدوليّ للسلام وإيجاد بدائل للانسداد السياسيّ القائم، وإطلاع السعوديّة على الانتخابات الفلسطينيّة.
وأبلغ مسؤول فلسطينيّ قريب من عبّاس، أخفى هويّته، "المونيتور" أنّ "المباحثات الفلسطينيّة - السعوديّة تناولت الشقّ السياسيّ وتنسيق المواقف المشتركة مع تطوّرات المنطقة، والتحضيرات الفلسطينيّة لإجراء الانتخابات، بجانب الشقّ الماليّ المرتبط بزيادة الدعم السعوديّ للسلطة، التي تمرّ في أزمة ماليّة، ونجحت الزيارة بالاتفاق على إنشاء لجنة اقتصاديّة مشتركة ومجلس أعمال سعوديّ - فلسطينيّ".
وتزامن عقد القمّة الفلسطينيّة - السعوديّة مع تنامي توتّر المنطقة، عقب الهجمات الإيرانيّة على المنشآت النفطيّة السعوديّة في 14 أيلول/سبتمبر، التي دانها عبّاس، وانطلاق العمليّة العسكريّة التركيّة ضدّ الأكراد في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر وتأييد السلطة موقف الجامعة العربيّة ضدّ تركيا.
وقال رئيس تحرير صحيفة "الرسالة" السابق في غزّة وسام عفيفة لـ"المونيتور": "إنّ زيارة عبّاس للرياض تأتي بعد قطيعة طويلة، إذ كانت زيارته الأخيرة في شباط/فبراير، بسبب اختلاف مواقفهما من صفقة القرن وضغوط وليّ العهد السعوديّ عليه، وعدم تحمّس المملكة لتوفير شبكة أمان ماليّة للسلطة لمواجهة أزمتها، ولا أتوقّع زيادة وشيكة للدعم الماليّ من المملكة للسلطة. جهاز المخابرات العامّة الفلسطينيّة نقل معلومات أمنيّة إلى السعوديّة حول نشاطات حماس في المملكة، ساهمت في حملة الاعتقالات السعوديّة ضدّ كوادر الحركة".
من اللاّفت أن تستعيد علاقات السلطة الفلسطينيّة عافيتها التدريجيّة مع السعوديّة، مع توتّر متصاعد في علاقات الأخيرة بـ"حماس"، بعد اعتقال العشرات من كوادرها في المملكة منذ نيسان/إبريل وعدم تدخّل السلطة للإفراج عنها، وتحميل أهالي المعتقلين السفارة الفلسطينيّة في الرياض مسؤوليّة ما يتعرّضون له في المملكة.
ولعلّ ذلك ما دفع بالسفير الفلسطينيّ في المملكة بسّام الأغا إلى التأكيد، في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، أنّ زيارة عبّاس للرياض تعتبر رسالة ضدّ من يحاول تشويه صورة العلاقات الفلسطينيّة - السعوديّة.
وقال عضو المجلس الثوريّ لحركة "فتح" ورئيس اللجنة السياسيّة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ عبد الله عبد الله لـ"المونيتور": "إنّ القمّة الفلسطينيّة - السعوديّة تأكيد على إيجابيّة العلاقة الثنائيّة، ونأمل تعميمها مع بقيّة الدول العربيّة. الدعم العربيّ الثابت لموازنة السلطة مصدره السعوديّة والجزائر، لكنّي لا أملك معلومات عن تعهّدات سعوديّة بزيادة دعمها لنا. لم تشمل مباحثات الرئيس في المملكة نقاشاً حول صفقة القرن بسبب تراجع الحديث الأميركيّ عنها. موقفنا الداعم للسعوديّة ضدّ الهجمات الإيرانيّة ثابت بحماية الأراضي العربيّة من أيّ عدوان خارجيّة".
عاش الفلسطينيّون والسعوديّون، منذ شباط/فبراير الماضي، أزمة واضحة بسبب خلافهما حول صفقة القرن، حتّى أنّ صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليّة كشفت في 4 آب/أغسطس أنّ السلطة فكّرت بإرسال وفد كبير إلى الرياض لإجراء محادثات عاجلة معها لتفادي المزيد من التدهور، لكنّ السعوديّة لم تستجب لطلب السلطة لغضبها منها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول فلسطينيّ بارز أنّ لقاء جمع عبّاس وبن سلمان في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، وهدّده الأخير بإقالته من السلطة إن لم يقبل بصفقة القرن.
أمّا صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة فكشفت، في 30 نيسان/إبريل، أنّ بن سلمان عرض على عبّاس في لقاء تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ذاته 10 مليارات دولار لقبول صفقة القرن، لكنّ عبّاس رفض العرض.
وفي 2 آب/أغسطس، حاورت قناة "العربيّة" السعوديّة فادي السلامين، وهو الناشط الفلسطينيّ في واشنطن والخصم اللدود لعبّاس، فتحدّث باستفاضة عن فساد السلطة، الأمر الذي دفع بحركة "فتح" إلى إدانة المقابلة، وطالبت القناة بالاعتذار عنها.
وقال وزير الصحّة السابق وعضو مكتب العلاقات الدوليّة في "حماس" باسم نعيم لـ"المونيتور": "إنّ السعوديّة دولة وازنة ومقرّرة في المنطقة، ولا يمكن تجاوزها بسبب ثقلها الدينيّ والاقتصاديّ والماليّ، لكنّنا نخشى أنّها في إطار خلافاتها الإقليميّة، خصوصاً مع إيران، تتقارب مع إسرائيل على حساب الفلسطينيّين. لا يعقل أن تكون السعوديّة طرفاً في الانقسام الفلسطينيّ، باعتقالها العشرات من كوادر حماس الذين لم يهدّدوا أمنها، فالحملة الأمنيّة ضدّ حماس لا تليق بالمملكة، لأنّنا نتمنّى لها كلّ استقرار، وعلاقتنا بإيران لن تكون على حسابها".
ربّما ساهمت زيارة عبّاس للرياض في وقف تدهور علاقتهما بصورة متسارعة، لكنّها لن تنجح بالضرورة في إعادة ترميم علاقتهما كليّاً، على الأقلّ في المدى المنظور، لأنّ السلطة قد لا تنصهر كليّاً في المحور السعوديّ، وهو أمر لن تتنازل عنه المملكة، الأمر الذي قد يجعل القمّة الحاليّة استدارة اضطراريّة لهما معاً، من باب إعادة التموضع في شبكة التحالفات القائمة في المنطقة، التي تشهد سيولة متسارعة في الأحداث السياسيّة والأمنيّة.