علم "المونيتور" من أوساط فلسطينيّة رفيعة المستوى قريبة من الرئيس محمود عبّاس أنّه "يتحضّر في الأيّام القريبة لزيارة الإمارات العربيّة المتّحدة لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ سلطان بن زايد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر، شقيق حكّام الإمارات، وقد توسّطت السعوديّة لإتمام الزيارة الأولى منذ سنوات طويلة، إذ كانت الزيارة الأخيرة في عام 2011".
وأبلغ مسؤول فلسطينيّ، عضو سابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومتابع للعلاقات الإماراتية الفلسطينية، أخفى هويّته، "المونيتور" أنّ "الطابع الاجتماعيّ للزيارة لا ينفي وجود أجندة سياسيّة لها، أهمّها طيّ صفحة التوتّر بين رام الله وأبو ظبي بسبب إيوائها لمحمّد دحلان العدوّ اللدود لعبّاس منذ عام 2011، وازدادت عقب رفض عبّاس طلب الإمارات في عام 2012 بإيعاز أميركيّ عدم التقدّم بطلب عضويّة فلسطين في الأمم المتّحدة. وقد تشمل الزيارة طلباً فلسطينيّاً بدعم إماراتيّ للسلطة التي تعاني أزمة مالية حادّة".
يبدو مفاجئاً أن يتحضّر محمود عبّاس لزيارة الإمارات، ويجري الاستعداد لها بين رام الله وأبو ظبي، ويتوقع أن يتم الإعلان عنها في أي لحظة، إذ تحدّثت تقارير صحافيّة في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2014 عن قيادتها جهوداً عربيّة لتنصيب محمّد دحلان بدلاً من عبّاس لرئاسة السلطة، كما أكّد ذلك وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر.
لكنّ عبّاس سياسيّ براغماتيّ يغيّر مواقفه حسب المصلحة السياسيّة، ويبدو معنيّاً بزيارته للإمارات بالخروج من العزلة السياسيّة التي تحاول فرضها عليه الإدارة الأميركيّة بسبب رفض صفقة القرن.
وقال عضو المجلس الثوريّ لـ"فتح" ورئيس اللجنة السياسيّة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ عبد الله عبد الله لـ"المونيتور": "إنّ حكّام الإمارات يتوجّب عليهم تقدير زيارة عبّاس المقبلة لطيّ صفحة القطيعة، فهم من بدأوا التوتّر معنا. ورغم سنوات التوتّر معهم، لم نفتح نحوهم مشاكل جانبيّة ولم نهاجمهم، هم يأوون دحلان لديهم، باعتباره وكيلهم في المنطقة، وهذا يسيء إلى الفلسطينيّين. ولذلك، فإنّ مصالحة عبّاس معه مستبعدة".
تشهد علاقات السلطة والإمارات خلافات متصاعدة حول التطبيع الإماراتيّ المتنامي مع إسرائيل، ورعاية أبو ظبي لدحلان، وضغوط الإمارات والسعوديّة ومصر على السلطة لقبول صفقة القرن.
تمثّلت حلقات هذا الخلاف الأخيرة بهجوم رئيس اللجنة السياسيّة في المجلس الثوريّ لـ"فتح" أحمد صبح على الإمارات في 25 تشرين الثاني/نوفمبر على "فيسبوك"، لأنّها افتتحت لديها سفارة لغواتيمالا، التي نقلت سفارتها في إسرائيل إلى القدس خلال أيّار/مايو من عام 2018، وخالفت الإمارات قرارات الجامعة العربيّة الداعية إلى مقاطعتها.
وفي 8 نيسان/إبريل، أهان وزير الإعلام والناطق باسم الرئاسة الفلسطينيّة نبيل أبو ردينة وزير الدولة للشؤون الخارجيّة الإماراتيّ أنور قرقاش، لافتاً إلى أنّه "لم يسمع بالوزير الإماراتيّ من قبل"، إذ اعتبر في 28 آذار/مارس أنّ مقاطعة إسرائيل أمر خاطئ.
وفي 26 نيسان/إبريل، اتّهم مستشار الرئيس الفلسطينيّ للعلاقات الخارجيّة والدوليّة نبيل شعث الإمارات بمخالفة الموقف العربيّ الرسميّ الداعي إلى وقف التطبيع مع إسرائيل، عقب إعلان إسرائيل في 25 نيسان/إبريل مشاركتها في معرض "إكسبو الدوليّ 2020" بدبي.
وقال ديبلوماسيّ فلسطينيّ سابق مقيم في الإمارات، أخفى هويّته، لـ"المونيتور": "لا يجب التهويل في زيارة عبّاس للإمارات، فطابعها اجتماعيّ لأداء التعزية، من دون معرفة إن كانت ستشمل اجتماعات مع قادة الإمارات الذين شعروا بإهانة كبيرة منه حين توسّط محمّد بن زايد وليّ عهد الدولة في عام 2011 لمصالحته مع دحلان، وكان الاتفاق على أن يأتي عبّاس إلى أبو ظبي للمصالحة، لكنّه لم يأت، الأمر الذي أوقع الدولة في حرج كبير".
منذ مقاطعة السلطة الفلسطينية - الإمارات العربية المتحدة في عام 2011 ، أوقفت الإمارات المساعدات [للسلطة الفلسطينية؟ من الذي أرسل المساعدات إلى؟] بقيمة ملياري دولار في السنة ؛ لكنها صرفت 12.5 مليون دولار من أصل 50 مليون دولار تعهدت بها للأونروا في 21 نوفمبر (من هذا العام؟).
منذ عام 2011، أوقفت الإمارات مساعداتها للسلطة الفلسطينية التي بلغت ملياريّ دولاراً منذ تأسيس السلطة عام 1994، لكنّها صرفت في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 12,5 مليون دولار لـ"وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاّجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى – الأونروا" من إجماليّ 50 مليون دولار تعهّدت بها. كما تدعم الأراضي الفلسطينيّة عبر دحلان حصريّاً، عبر اللجنة الوطنيّة الإسلاميّة للتنمية والتكافل الاجتماعيّ في قطاع غزّة فقط، ولا تشمل أعمالها الضفة الغربية، التي تنفّذ المشاريع الخيريّة بملايين الدولارات، وتضمّ كلّ الفصائل الفلسطينيّة، باستثناء "فتح"، ومشاريع هيئة الأعمال الخيريّة الإماراتيّة التي تقدم خدماتها لجميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والهلال الأحمر الإماراتيّ، المنتسب إلى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتمويل الأعراس الجماعيّة في غزّة.
وقال عماد محسن، وهو المتحدّث الرسمي باسم "تيّار الإصلاح الديمقراطيّ" في "فتح" بقيادة دحلان، لـ"المونيتور": "إنّ الإمارات فتحت أبوابها لدحلان من دون شروط، وأيّ دعم ماليّ تقدّمه ينطلق من علاقة الأخوّة التي تجمعه بأبناء الشيخ زايد، بعيداً عن أجندات إقليميّة. دحلان ينتهز كلّ فرصة لدعم المصالحة الفتحاويّة مع عبّاس، لكنّ المحيطين بالأخير يمنعونه من توحيد فتح. ولذلك، ننظر بتشاؤم تجاه عدم إنجاز المصالحة معه".
بلغ توتّر علاقات رام الله مع الإمارات ذروته بالإعلان في 5 تشرين الثاني/نوفمبر عن رفضها منح تأشيرة دخول أراضيها إلى مفتي القدس الشيخ محمّد حسين التابع لعبّاس، لحضور مؤتمر الفقه الإسلامي الدولي في دبي بين يومي 4-6 نوفمبر، الأمر الذي لاقى استهجاناً فلسطينيّاً، لأنّه يضاف إلى شكاوى المسؤولين الفلسطينيّين، ومنهم وزراء، من المعاملة السيّئة خلال زيارتهم للإمارات للمشاركة في مؤتمرات دوليّة وعربيّة.
وقال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" بنابلس عبد الستّار قاسم لـ"المونيتور": "إنّ سبب الزيارة هو طلب المال، وواشنطن قد توعز إلى الإمارات بتقديم دعم جزئيّ إلى السلطة خشية انهيارها. سوف تسعى أبوظبي إلى مصالحة عبّاس ودحلان، تمهيداً للانتخابات التشريعيّة المقبلة لمواجهة حماس، لكنّ السؤال: هل وجود دحلان في قائمة فتح سيعزّزها أم يضرّها، بسبب سخط قواعد فتح التنظيميّة في الضفّة عليه، رغم شعبيّته بغزّة؟".
يتوقّع أن تتمّ زيارة عبّاس للإمارات في أيّ لحظة، بانتظار إتمام ترتيباتها النهائيّة والاتفاق على جدول أعمالها، حيث يعقد الرجل آمالاً عريضة في أن تنجح بفتح صفحة جديدة مع هذه الدولة ذات الإمكانيّات الماليّة الكبيرة الكفيلة بإنقاذ موازنة السلطة المتهالكة بفعل توقّف الدعم الأميركيّ وتراجع الدعم الأوروبيّ.
كما يأمل عبّاس من زيارته في ترميم علاقته مع أبوظبي، التي تشترك مع الرياض والقاهرة في محور إقليميّ متماسك، الأمر الذي قد يعزّز مكانة عبّاس السياسيّة، لكنّ الزيارة قد لا تنجح، على الأقلّ حاليّاً، بمصالحته مع دحلان ذي النفوذ الواضح في هذا المحور، ويشكّل مصدر إزعاج جديّاً لعبّاس.