مع الإعلان الأميركيّ في 3 كانون الثاني/يناير عن اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ قاسم سليماني في العراق، خرجت ردود أفعال الفصائل الفلسطينيّة في اليوم ذاته، فأدانت حماس الاغتيال، واصفة سليماني بأنّه "ذو دور بارز في دعم المقاومة الفلسطينيّة في مختلف المجالات."
ونعته حركة الجهاد الإسلاميّ، وأكّدت الاستمرار في مواجهة العدوان الأميركيّ-الإسرائيليّ، لأنّ محور المقاومة لن يتردّد في مسيرته نحو تحرير فلسطين، واعتبرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين الاغتيال نقلة نوعيّة في العدوان الأميركيّ ضدّ الفصائل المسلحة، ويستدعي ردّاً منسّقاً وشاملاً يطال الوجود والمصالح الأميركيّة والصهيونيّة في المنطقة.
في الوقت الذي أدانت غالبيّة الفصائل الفلسطينيّة اغتيال سليماني، صمتت حركة فتح التي يقودها الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس نهائيّاً، بسبب علاقتها غير الجيّدة مع إيران.
طبيعيّ أن تعزّي الفصائل الفلسطينيّة باغتيال سليماني، وتتضامن مع إيران، فقد ارتبط الفلسطينيّون بعلاقات وثيقة معه، حيث عمل ضابط الاتّصال بينهم وبين القيادة الإيرانيّة، وكان يتواصل مع قياداتهم السياسيّة والعسكريّة على مدار الساعة، لكنّ السؤال يكمن في اقتصار الردود الفلسطينيّة على البيانات فقط، أو الانتقال إلى ردود عسكريّة ضدّ إسرائيل.
قال عضو مكتب العلاقات الوطنيّة في حماس محمود مرداوي لـ"المونيتور": "اغتيال سليماني حدث كبير جدّاً، وستكون له تداعيات كبيرة في المشهد الإقليميّ، ولن يبقى الفلسطينيّون بمنأى عن تبعاته. صحيح أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة قتلت سليماني، لكنّ إسرائيل مستفيدة من الاغتيال، لأنّه يخدمها استراتيجيّاً في المنطقة. عزاؤنا في سليماني وفاء له ولايران التي ساعدتنا عسكريّاً وماليّاً، وليس ناجماً عن ضغط سياسيّ منها لإظهار التضامن معها. صحيح أنّ الفلسطينيّين سيتأثّرون بالاغتيال، لكن لا أعتقد بوجود تنسيق تفصيليّ بين الفصائل الفلسطينيّة للتعامل مع تبعاته، مع وجود رؤية موحّدة تجاه التطوّرات الصعبة المقبلة في المنطقة".
يرى الفلسطينيّون الاغتيال الأميركيّ لسليماني قفزة كبيرة، نظراً إلى مكانته الكبيرة في الدولة الإيرانيّة، ممّا يشكّل تجاوزاً لخطوط حمراء كبيرة، وقد يشجّع إسرائيل على تنفيذ اغتيالات مشابهة ضدّ القيادات الفلسطينيّة، ويرفع وتيرة المواجهة الإسرائيليّة-الفلسطينيّة، ممّا سيرفع مستوى استعداداتهم الأمنيّة والعسكريّة لمواجهة هذا السيناريو، بعدما استهدف آخر اغتيال إسرائيليّ في غزّة في 12 تشرين الثاني/نوفمبر القائد العسكريّ لحركة الجهاد الإسلاميّ بهاء أبو العطا.
قال الناطق باسم لجان المقاومة الشعبيّة محمّد البريم لـ"المونيتور": "إنّنا نتوقّع أن يفتح اغتيال سليماني شهيّة الإسرائيليّين لتنفيذ اغتيالات ضدّ قيادات المقاومة الفلسطينيّة، لكنّنا لن نقف مكتوفي الأيدي، بل سنردّ عليها بقوّة. اغتيال سليماني خسارة للمقاومة الفلسطينيّة، لأنّه مدّها بأشكال الدعم العسكريّ والإسناد اللوجستيّ اللازم، وساهم في تحشيدها لرفض صفقة القرن الأميركيّة، ولذلك فالانتقام لمقتله واجب على أطراف محور المقاومة في كلّ أماكنها، وأيّ ردّ من المقاومة الفلسطينيّة خاضع إلى ترتيباتها الداخليّة، ومشاوراتها العسكريّة، مع أنّ إيران لم تطلب منّا ذلك".
أكّد قائد المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ هآرتسي هاليفي في 6 كانون الثاني/يناير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ هناك تنظيمات فلسطينيّة عدّة في غزّة عملت مع سليماني، وأنّهم مستعدّون للتعامل بقوّة على أيّ ردّ يأتي منها.
فيما نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنيّة عن مصادر فلسطينيّة في غزّة في 5 كانون الثاني/يناير أنّ حماس غير معنيّة بأيّ تصعيد على خلفيّة اغتيال سليماني، واتفقت مع مصر على إبقاء الهدوء الحالي، والمضي قدماً بتفاهمات التهدئة مع إسرائيل، لأن حماس لن تحول غزة ساحة لصراعات خارجية، فغزة لا تحتمل أي حرب بهذا الوقت.
لكنّ موقع "ويللا" الإسرائيليّ كشف في 3 كانون الثاني/يناير أنّ إسرائيل حذّرت الفصائل الفلسطينيّة عبر مصر من الردّ على اغتيال سليماني انطلاقاً من غزّة التي تشهد هدوءاً أمنيّاً، مع الأحاديث الإسرائيليّة حول تسوية مع حماس.
قال الخبير العسكريّ الفلسطينيّ وقائد المدفعيّة السابق في منظّمة التحرير الفلسطينيّة واصف عريقات لـ"المونيتور" إنّ "مبادرة المقاومة الفلسطينيّة للردّ على اغتيال سليماني مستبعدة، على الأقلّ حاليّاً، لكن إن اندلعت معركة شاملة في المنطقة، فقد تتدحرج الأمور، وتجد المقاومة نفسها منخرطة فيها، وطالما أنّ إسرائيل تنأى بنفسها عن الاغتيال، فالفلسطينيّون مطالبون بالأمر ذاته، أمّا إن هاجمت إسرائيل قوى المقاومة، فالردّ عليها منطقيّ ومشروع، لكنّ الأساس ألّا يبادر الفلسطينيّون إلى الرد الانفراديّ على الاغتيال، مع أنّه سيضع الفلسطينيّين أمام اختبار صدق وفائهم لإيران، ومدى شكرها على ما قدّمته لهم من دعم وإسناد".
وصلت ذروة الانخراط الفلسطينيّ في اغتيال سليماني إلى مشاركة قيادة حماس برئاسة اسماعيل هنيّة والجهاد الإسلاميّ برئاسة زياد النخالة، ووفودهما المرافقة، بمراسم تشييعه في طهران في 6 كانون الثاني/يناير، وأقامت فصائل فلسطينيّة في 4 كانون الثاني/يناير بيت عزاء لسليماني في وسط مدينة غزّة، تضمّن رفع صور له وأعلام فلسطينيّة وإيرانيّة.
قال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين كايد الغول لـ"المونيتور" إنّ "اغتيال سليماني خسارة فادحة للمقاومة الفلسطينيّة، لأنّه شكّل خطورة على إسرائيل بسبب تنقّله بين ساحات عدّة شكّلت تحدّياً استراتيجيّاً لها في لبنان وسوريا والعراق، ودعمه للمقاومة من النواحي العسكريّة التفصيليّة، وإسنادها بما تحتاجه من أدوات تسلّحيّة ومعدّات قتاليّة". وأضاف: "غياب سليماني لن يؤثّر سلباً على تراجع الدعم الإيرانيّ لنا، لأنّه قرار مركزيّ من المؤسّسات السياديّة الإيرانيّة، والانتقام لاغتياله يتطلّب من المقاومة الفلسطينيّة الدخول في حوار استراتيجيّ مع قوى المنطقة، لأنّ ردّ الفعل الآنيّ سيكون موقّتاً، وليس بعيد المدى".
صحيح أنّ الفصائل الفلسطينيّة ليست قلقة من تراجع الدعم الإيرانيّ بعد غياب سليماني، لأنّ دعمها يعتبر قراراً استراتيجيّاً مركزيّاً للدولة الإيرانيّة، لكنّ سليماني امتلك شبكة علاقات وثيقة مع قياداتها، لم تتوافر لسواه من القادة الإيرانيّين، ولذلك فهم يتأمّلون من خليفته الجديد اسماعيل قاآني أن يواصل طريق سليماني بدعمهم عسكريّاً وماليّاً.