رام الله، الضفّة الغربيّة — تمكّنت الحكومة الفلسطينيّة في 4 تمّوز/يوليو من صرف 60% من رواتب الموظّفين العموميّين، مع استمرار الأزمة الماليّة التي تعصف بها جرّاء اعلانها (السلطة) على لسان الرئيس عباس في 19 شباط/فبراير رفض استلام أموال المقاصة منقوصة من إسرائيل بعد اقتطاعها 42 مليون شيكل شهريّاً (11.7 ملايين دولار) وهي قيمة ما تدفعه السلطة إلى عائلات الشهداء الفلسطينيين الذين قلتهم الجيش الاسرائيلي وجميع الاسرى في السجون الاسرائيلية.
ودخلت أزمة السلطة الماليّة شهرها الخامس على التوالي، ممّا دفع السلطة إلى اللجوء إلى الاقتراض من البنوك المحلّيّة، وطلب تفعيل شبكة الأمان العربيّة من جامعة الدول العربيّة، وطلب القروض من الدول العربيّة، والاعتماد على الإيرادات المحلّيّة من أجل تأمين صرف جزء من رواتب الموظّفين.
وفي هذه السياق، ينتهي العمر الزمني لخطة موازنة الطوارئ التي أعلنها وزير الماليّة شكري بشارة في 10 آذار/مارس لمواجهة أزمة المقاصة مع نهاية شهر تمّوز/يوليو الجاري، وتشمل خطّة الطوارئ صرفاً جزئيّاً لرواتب موظّفي القطاع العامّ، وإجراءات لتخفيض النفقات العامّة، والاقتراض الدوريّ من البنوك المحلّيّة، حيث من المتوقّع أن يعقد الرئيس محمود عبّاس اجتماعات في نهاية الشهر الجاري مع عدد من المسؤولين لوضع تصوّرات للمرحلة المقبلة.
وتبدو المرحلة المقبلة أكثر قتامة على الصعيد الماليّ، نظراً إلى محدوديّة الموارد الماليّة المتوافرة للسلطة، والتي قد تنقذها مبادرة رجال الأعمال الفلسطينيّين لإقراض الحكومة بين 150 و200 مليون دولار على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة، والتي كشف عنها رجل الأعمال منيب المصري في 18 حزيران/يونيو، بهدف مساعدة الحكومة على القيام بواجباتها، في ظلّ استمرار أزمة المقاصة.
وقال المصري القائم على المبادرة لـ"المونيتور" إنّ العمل على إنجاح المبادرة مستمرّ، لافتاً إلى أنّه خلال الأيّام المقبلة سيتمّ عقد اجتماعات مع الأطراف كافّة من رجال أعمال والحكومة من أجل إنهاء الإجراءات كافّة المنوطة بالقرض، والاتّفاق على الطريقة التي سيتمّ بها دفع القرض، وآليّات السداد.
وأكّد المصري أنّ الوضع الماليّ للسلطة صعب للغاية، ولذلك نسعى من خلال القرض إلى تأمين الأمور الحياتيّة للموظّفين، واستمرار حركة الاقتصاد ومحاولة عدم تأثّره سلباً من خلال الوقوف إلى جانب الحكومة والسلطة، في ظلّ ما تتعرّض إليه من ضغوط للتأثير على قرارها السياسيّ.
ولفت المصري إلى أنّ الدفعة الأولى من القرض من المتوقّع أن يتمّ تسليمها إلى الحكومة في نهاية الشهر الجاري، أو بداية الشهر المقبل، لافتاً إلى أنّ القرض سيكون "قرض حسن" أي من دون فوائد، وأنّ المبلغ يتراوح بين 150 و200 مليون دولار، على أن يتمّ تسديده مع وصول الدفعات الماليّة الأولى للسلطة.
ورفض المصري الكشف عن هويّة رجال الأعمال الذي سيساهمون في القرض، قائلاً: "تمّ التواصل مع نحو 50 رجل أعمال معظمهم من الضفّة الغربيّة، وعلى الرغم من أنّهم أبدوا ترحيبهم، إلّا أنّنا ننتظر ردوداً نهائيّة منهم حول موافقتهم ومدى قدرتهم على المساهمة"، وبعدما تصبح الأمور واضحة ومتّفقاً عليها ويمكن الكشف عنهم".
من جانبه، قال أمين عامّ مجلس الوزراء أمجد غانم لـ"المونيتور" إنّ الحكومة لم تستلم إلى الآن أيّ أموال من رجال الأعمال، لافتاً إلى أنّ المبادرة لا تزال لديهم، وهي مبادرة شخصيّة تعبّر عن حرصهم ومسؤوليّتهم الوطنيّة، مضيفاً أنّ الحكومة والسلطة لم تطلبا منهم شيئاً أو تجبرهم على شيء، بل قاموا بذلك بمبادرة منهم.
وقال غانم إنّ رجال الأعمال لا يزالون في إطار التشاور الداخليّ حول أفضل الطرق التي يرونها لتقديم القرض بالاتّفاق مع وزارة الماليّة، لافتاً إلى أنّه حتّى الآن لم يتمّ اتّخاذ أيّ خطوات عمليّة أو ضخّ أموال، والموضوع لا يزال في نطاق البحث والدراسة.
ولفت غانم إلى أنّ الأزمة الماليّة تزداد، وعلى الرغم من ذلك، استطاعت الحكومة تأمين 60% من رواتب الموظّفين لشهر حزيران/يونيو من الإيرادات المحلّيّة، والقرض القطريّ للسلطة الفلسطنيّة، واقتراض بسيط من البنوك.
وأعلنت قطر في 7 أيّار/مايو عن تبرّعها بـ480 مليون دولار، 180 مليون دولار منها للدعم الإغاثيّ والإنسانيّ العاجل في قطاع غزّة، و300 مليون دولار لصالح السلطة الفلسطينيّة.
هذا ومن المرجّح أن يجتمع خلال الأيّام المقبلة رجل الأعمال المصريّ مع الرئيس عبّاس ورئيس الحكومة محمّد اشتيّة من أجل وضعهما في صورة المبلغ الذي تمّ جمعه، حسب ما قال رئيس جمعيّة اتّحاد رجال الأعمال الفلسطينيّين أسامة عمرو لـ"المونيتور"، مضيفاً: "بقيت بعض الموافقات والإجراءات مع وزارة الماليّة، ويتمّ العمل على إنهائها خلال الأيّام المقبلة"، مؤكّدا أنّ مساهمة رجال الأعمال هي خطوة هدفها مساعدة الحكومة على إدارة الأزمة.
وعلى الرغم من ترحيب الحكومة بمبادرة رجال الأعمال فور الإعلان عنها على لسان المتحدّث باسمها ابراهيم ملحم في تصريح إلى وكالة "شينخوا" الصينيّة في 18 حزيران/يونيو، والتي قال إنّها ستمكّن الحكومة من الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها في تسديد نسبة 50% من رواتب الموظّفين العموميّين، إلّا أنّ تلك الحماسة تراجعت في الآونة الأخيرة.
وقال مصدر في الحكومة، رفض الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور": "المبادرة لا تزال فكرة ونحن لا نريد الحديث عنها، لأنّه لم يتمّ القيام بأيّ خطوات عمليّة لإنجاحها، وحين تنضج الفكرة ويتوجّهون إلى الرئيس، يمكن الحديث عنها".
بدوره، قال أستاذ العلوم الماليّة والاقتصاديّة في الجامعة العربيّة-الأميركيّة نصر عبد الكريم لـ"المونيتور": "يبدو أنّ مبادرة رجال الأعمال اصطدمت بعراقيل عدّة، حالت دون اتّفاق الجهات ذات الصلة بها"، خصوصاً أنّ المبادرة أثارت تساؤلات عدّة ليست عليها إجابات حتّى الآن، أهمّها: هل سيتمّ الحصول على الأموال من البنوك المحلّيّة في صورة مكرّرة لإقراض البنوك للحكومة، أم ستكون أموال من الخارج ويتمّ وضعها في صندوق مستقلّ مخصّص للإقراض؟، لافتاً إلى عدم وجود العدد الكافي من رجال الأعمال والقطاع الخاصّ لتأمين القرض، نظراً إلى حاجته إلى السيولة النقديّة، مضيفاً: "الأمور المتعلّقة بالمبادرة متعثّرة حتّى الآن".
ومع اشتداد أزمة السلطة الفلسطينيّة الماليّة، تبدو مبادرة رجال الأعمال التي لم تزل حبراً على ورق، مهمّة في مساعدة الحكومة على الاستمرار في التزاماتها الماليّة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في ظلّ البحث عن حلول جذريّة لأزمة المقاصة مع إسرائيل.