رام الله،الضفّة الغربيّة — تسعى الحكومة الفلسطينيّة إلى رفع مستوى التعاون في مجال الطاقة ومشتقّاتها مع روسيا، في محاولة للاستفادة من إمكانيّاتها وخبراتها في هذا القطاع، ضمن خطّتها الاستراتيجيّة للانفكاك الاقتصاديّ عن إسرائيل، والتي أعلنت عنها في أيّار/مايو الماضي.
ووقّعت الحكومة الفلسطينيّة ممثّلة بوزير الاقتصاد خالد العسيلي ونظيرتها الروسيّة ممثّلة بوزير العمل والحماية الاجتماعيّة في روسيا مكسيم توبيلين، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، محضر الاجتماع الرابع للّجنة الحكوميّة الفلسطينيّة - الروسيّة المشتركة للتعاون التجاريّ والاقتصاديّ.
وخلال مباحثات اللجنة، أبدت الشركات الروسيّة العاملة في مجال النفط والطاقة والتنقيب عن البترول اهتمامها بالعمل في فلسطين، حيث كشف رئيس سلطة الطاقة الفلسطينيّة ظافر ملحم لـ"المونيتور"، أنّ سلطة الطاقة ستوقّع في غضون أسابيع (لم يحدّد الموعد) مع الجانب الروسيّ مذكّرة تفاهم لوضع آليّات تنفيذ كلّ التفاهمات السابقة.
وكانت سلطة الطاقة الفلسطينيّة وقّعت مع وزارة الطاقة الروسيّة مذكّرة تفاهم حول التعاون بمجال الطاقة، في 7 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018، بهدف تحفيز القطاع الخاص (الشركات) في روسيا للاستثمار في فلسطين بمجالات الطاقة، وإقامة مشاريع استثماريّة.
وأوضح ظافر ملحم أنّ مذكّرة التفاهم، التي تمّ التوقيع عليها في عام 2018، تضمّنت بنداً يشير إلى قيام الشركات الروسيّة بمساعدة فلسطين في التنقيب عن البترول والهيدروكربونات والمشتقّات النفطيّة، وقال: "نحن ننتظر تنفيذ ما جاء في المذكّرة والقيام بخطوات عمليّة".
أضاف: "نأمل من الشركات الروسيّة، بما لديها من إمكانيّات وخبراء، مساعدتنا في إجراء دراسات جيولوجيّة ضروريّة سواء عبر الأقمار الصناعيّة أو غيرها من التقنيّات، لتحديد ما لدينا من حقول نفطيّة وما تحتويه من كميّات، إلى جانب تدريب الطواقم الفلسطينيّة في مجالات الطاقة العاديّة والمتجدّدة، وتبادل البيانات الإحصائيّة في مجالات الطاقة".
ودعا الجانب الفلسطينيّ، خلال مباحثات اللجنة المشتركة، الشركات الروسيّة إلى المشاركة في كلّ المناقصات الاستثماريّة في بناء منشآت توليد الطاقة وحماية البيئة واستكشاف النفط والغاز، والعمل في الطاقة المتجدّدة.
ونشرت وزارة الاقتصاد الفلسطينيّ في بيان، بـ22 تشرين الثاني/نوفمبر، تفاصيل مباحثات اللجنة، حيث أكّدت أنّ شركة "زاروبيج نفط" الروسيّة للنفط والغاز التي تملكها الحكومة الروسيّة أبدت رغبتها في إقامة علاقة شراكة في قطاع النفط والغاز مع الشركات الفلسطينيّة. كما أبدت شركة "روس نفط" استعدادها للتعاون والتقدّم للعطاءات في مجالات توريد وتركيب خطوط الكهرباء والمحطّات الفرعيّة، وتوريد تجهيزات وأنابيب للنفط.
وأكّدت الوزارة أنّ شركة "روس جيولوجيا" أبدت استعدادها للتعاون مع سلطة الطاقة الفلسطينيّة والدوائر الحكوميّة والشركات في مجال الاستكشاف الجيولوجيّ الهيدروكربونيّ للمعادن الصلبة والمياه الجوفيّة، وتقييم واستكشاف إمكانات الطاقة الحراريّة الأرضيّة ومساعدة الجانب الفلسطينيّ في المجالات المتّفق عليها عن طريق العطاءات.
وفي مجال الكهرباء، أبدت شركة "إنتر راو" الروسيّة اهتمامها بدراسة التعاون في صناعة الطاقة الكهربائيّة، كالمشاركة في مشاريع لبناء منشآت جديدة وإعادة بناء وتحديث المنشآت القائمة في قطاع الكهرباء، في حين أعربت شركة "تخنوبروم إكسبرت" استعدادها للتعاون مع فلسطين في إنشاء منشآت جديدة وتحديث الطاقة الكهربائيّة الحاليّة (محطّات توليد الطاقة الحراريّة والمحطّات الفرعية والشبكات) عن طريق العطاءات.
ويطمح الفلسطينيّون إلى الحصول على مساعدة روسيا ودعمها في بناء محطّة لتحويل الكهرباء شمال الضفّة، إذ سلّم الجانب الفلسطينيّ نظيره الروسيّ معلومات وخطّة مقترحة لإنشاء المحطّة وتقديم كلّ التسهيلات إلى الجانب الروسيّ لتنفيذ المشروع.
وأشار خالد العسيلي خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الحكومة الفلسطينيّة تهدف إلى تنمية الاقتصاد بكلّ الوسائل، وهي تسعى إلى تطوير وتنمية العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة مع روسيا في المجالات كافّة، من بينها الطاقة، وقال: "نسعى إلى رفع مستوى التعاون التجاريّ والاقتصاديّ مع روسيا وفتح أسواق البلدين أمام المنتجات وتوفير الدعم لتصدير البضائع والمنتجات الفلسطينيّة إلى روسيا، والاستيراد بشكل مباشر من روسيا من دون وسطاء، وتشجيع روسيا على الاستثمار والمساعدة في بناء المدن الصناعيّة والمساعدة في تدريب كوادرنا".
ويدعم الرئيس محمود عبّاس ورئيس الحكومة محمّد اشتيّة التقارب مع روسيا، ليس لحصد مكاسب اقتصاديّة وتجاريّة، وإنّما لتطوير موقف روسيا السياسيّ إزاء القضيّة الفلسطينيّة، في ظلّ تدهور علاقة السلطة الفلسطينيّة بالولايات المتّحدة وانسداد آفاق عمليّة السلام، حسب ما أكّده لـ"المونيتور" السفير الفلسطينيّ في روسيا والوكيل السابق لوزارة الاقتصاد في الحكومة الفلسطينيّة عبد الحفيظ نوفل، الذي قال أيضاً: "إنّ روسيا دولة صديقة وداعمة لنا، ونحن نحتفل بمرور 45 عاماً على افتتاح ممثليّة منظّمة التحرير الفلسطينيّة في روسيا، و31 عاماً على اعتراف روسيا بدولة فلسطين وتبنّيها طيلة السنوات الماضية مواقف مؤيّدة لحقوقنا في إقامة دولة فلسطينيّة على حدود 1967".
أضاف عبد الحفيظ نوفل: إنّ التقارب الفلسطينيّ السياسيّ والاقتصاديّ مع روسيا يأتي، في ظلّ إغلاق الولايات المتّحدة كلّ الطرق معنا، بعد 25 عاماً من المفاوضات.
وأكّد أنّ محمود عبّاس على تواصل دائم مع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، في محاولة لإيجاد صيغة دوليّة لرعاية عمليّة السلام، بدلاً من الرعاية الأميركيّة الأحاديّة الجانب.
وعن زيارة فلاديمير بوتين لفلسطين خلال العام المقبل، قال نوفل: "هناك حديث في الأوساط السياسيّة الروسيّة عن زيارة محتملة للرئيس بوتين لمنطقة الشرق الأوسط. وبالتّالي، إذا جرت هذه الزيارة، فمن المؤكّد أنّه سيزور فلسطين".
أضاف: إنّ التعاون مع روسيا يصب في خطّة الحكومة للانفكاك التدريجيّ عن إسرائيل، حيث تمّ خلال اجتماعات اللجنة المشتركة البحث ومناقشة العديد من المسائل في ملف الطاقة والوقود، ضمن سعي الحكومة إلى إيجاد بدائل وخيارات عن الطاقة التي يتمّ استيرادها من إسرائيل.
وتأمل السلطة الفلسطينيّة أن يسفر هذا التقارب مع روسيا عن تطوير مختلف أوجه التعاون والعلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة معها، خصوصاً في مجال الطاقة والنفط، علما بأنّ الحكومة الفلسطينيّة السابقة وقّعت في آذار/مارس من عام 2014، على قرار قضى بموافقتها على طرح عطاء دوليّ للتنقيب عن النفط في الضفّة الغربيّة، على مساحة 432 كيلومتراً، لكنّها لم تنجح في استقطاب أيّ من الشركات.