رام الله، الضفّة الغربيّة - قال وزير الطاقة الإسرائيليّ يوفال شتاينتز، في 16 كانون الثاني/يناير 2020 إنّ مباحثات تجري بين الحكومة الإسرائيليّة والسلطة الفلسطينيّة، لتزويدها بالغاز الطبيعيّ، مضيفاً خلال مشاركته في أعمال منتدى غاز شرق المتوسّط في مصر، وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركيّة، إنّ المحادثات مع الفلسطينيّين تشمل كذلك تطوير حقل الغاز البحري "غزّة مارين" قبالة سواحل غزّة على البحر المتوسّط.
وردّاً على تصريحات شتاينتز، قال رئيس الوفد الفلسطينيّ المشارك في المنتدى ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطينيّ محمّد مصطفى في بيان صحافيّ اصدره خلال مشاركته في المنتدى بتكليف من الرئيس عباس في 16 كانون الثاني/يناير 2020 إنّ "ما تردّد في شأن استيراد السلطة الغاز الإسرائيليّ غير دقيق"، من دون إعطاء توضيح، علما ان المنتدى افتتح في القاهرة في 16 كانون ثاني/يناير واستمر ليوم واحد فقط.
وقال مصطفى: "الحكومة الفلسطينيّة تبذل جهوداً لحلّ أزمة الكهرباء في غزّة، من خلال تحويل محطّة إنتاج الكهرباء في القطاع إلى العمل بالغاز الطبيعيّ بدلاً من السولار" في اشارة ضمنية الى الحصول على الغاز من اسرائيل، قائلاً إنّ هناك فرقاً بين الجهود التي تقودها الحكومة لحلّ أزمة الكهرباء في غزّة، وبين تطوير حقل غاز "غزّة مارين".
وحاول "المونيتور" الحصول على تعقيب من مصطفى، إلّا أنّه رفض، لكنّ مصدراً فلسطينيّاً رسميا، رفض الكشف عن هويّته، أكّد لـ"المونيتور" أنّ ملفّ "غزّة مارين" لم يطرأ عليه جديد، بينما هناك تقدّم في الجهود لمدّ خطّ أنابيب لنقل الغاز من إسرائيل لتشغيل محطّة توليد الكهرباء في غزّة، لافتاً إلى أنّ أزمة الكهرباء في غزّة، إحدى المشاكل التي تريد الحكومة حلّها.
وكانت صحيفة "كالكالست" الإسرائيليّة الاقتصاديّة كشفت في 13 كانون الثاني/يناير 2020 أنّ وزير الطاقة شتاينتز أصدر تعليماته لوضع اللمسات الأخيرة على خطط مشروع طويل الأمد لبناء خطّ أنابيب غاز إلى غزّة، مضيفة أنّ تمويل مرحلة التخطيط تقدّر بنحو 10 ملايين شيكل (2.8 ملايين دولار)، من هولّندا.
وستلعب قطر دوراً محوريّاً في تمويل مشروع مدّ أنابيب الغاز من إسرائيل إلى غزّة، خصوصاً بعد حصول قطر في نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 على موافقة الرئيس محمود عبّاس لمدّ خطّ الغاز، على أن تقدّم قطر الضمانات الماليّة إلى الجانب الإسرائيليّ في شأن دفع ثمن الغاز.
وحسب الصحيفة الإسرائيليّة، فإنّ خطّ الأنابيب سينقل مليار متر مكعّب من الغاز إلى غزّة سنويّاً، ممّا سيسمح بتشغيل محطّة توليد بقدرة 400 ميغاواط، وبالتالي توفير احتياجات القطاع من الكهرباء.
أمّا في شأن الضفّة الغربيّة، فتتكتّم السلطة الفلسطينيّة حول إن كانت تجري مفاوضات مع إسرائيل لشراء الغاز منها على غرار مصر والأردن أم لا، لتشغيل محطّة توليد الكهرباء في مدينة جنين في شمال الضفّة الغربيّة التي يجري بناؤها حاليا، والمصمّمة للعمل على الغاز بقدرة 450 ميغاواط، بتكلفة 620 مليون دولار.
وحسب الخطّة الموضوعة للمحطّة، فإنّ توليد الطاقة من محطة توليد الكهرباء في جنين سيبدأ في نهاية عام 2021، وستعتمد على الغاز المستخرج من حقل "غزّة مارين"، لكن مع اقتراب تشغيل المحطّة، لا توجد مؤشّرات إلى استخراج الغاز من الحقل لتزويدها به، ممّا قد يرجّح توجّه السلطة إلى شراء الغاز من إسرائيل لتشغيل المحطّة حتّى استخراج الغاز.
وكانت السلطة وقّعت في كانون الثاني/يناير 2014 صفقة مع إسرائيل بقيمة 1.2 مليار دولار، لمدّة 20 عاماً، بهدف توريد الغاز إلى محطّة التوليد في جنين، لكنّ الاتّفاقيّة لم تنفّذ بسبب الحرب على غزّة في العام نفسه.
ولطالما سعت السلطة إلى الاستفادة من حقل "غزّة مارين" الواقع على بعد 36 كيلومتراً غرب ساحل غزّة، منذ اكتشافه في عام 1999، لكنّ محاولاتها لتطوير الحقل لاستخراج الغاز اصطدمت بالرفض الإسرائيليّ.
ويقدّر احتياطي حقل الغاز "غزّة مارين" الذي اكتشفته شركة "بريتيش غاز" بـ32 مليار متر مكعّب، وتعوّل عليه السلطة كأحد أهمّ الموارد لحلّ أزمة الكهرباء في الضفّة الغربيّة وغزّة وتوفير الطاقة، ممّا قد يساعد الحكومة على تنفيذ خطّتها بالانفكاك عن إسرائيل في مجال الطاقة والكهرباء.
ولعلّ أهمّ مشروعين تربطهما السلطة بحقل الغاز هما توريد الغاز إلى محطّة توليد الكهرباء في غزّة التي تعمل حاليّاً بقدرة 140 ميغاواط، وتوريده إلى محطّة جنين التي يشرف صندوق الاستثمار الذي يعدّ الذراع الاستثماريّة للسلطة الفلسطينيّة على بنائها، علماً أنّ تكاليف تطوير "غزّة مارين" تقدّر بحوالى 1.2 مليار دولار، حسب ما نشره موقع شركة مصادر، وهي إحدى شركات صندوق الاستثمار المختصّة بالمشاريع الاستراتيجيّة الهادفة إلى تطوير المصادر الطبيعيّة والبنية التحتيّة في فلسطين.
ووقّعت السلطة الفلسطينيّة اتّفاقيّة لتطوير الحقل الذي يقع بكامله في المياه الإقليميّة الفلسطينيّة مع شركة "بريتش غاز" في عام 1999، ومنحتها بموجب الاتفاقيّة الحقّ الحصريّ في التنقيب عن أيّ مصادر طبيعيّة يتمّ كشفها من البترول والغاز في فلسطين وتطويرها، قبل أن تعاود الحكومة الفلسطينيّة في عام 2015 فتح المفاوضات حول الاتّفاقيّة مع "بريتش غاز"، التي تمّ خلالها إلغاء الحقّ الحصريّ لها، ورفع نسبة الاستثمار الفلسطينيّ من 10% في الاتّفاق القديم إلى 17,5%، لتستحوذ بعد ذلك شركة "شلّ" على "بريتش غاز" في 8 نيسان/أبريل 2016، ويعلن صندوق الاستثمار الفلسطينيّ في 4 نيسان/أبريل 2018 خروج "شلّ" من رخصة تطوير الحقل، ووجود تحالف جديد يضمّ الصندوق وشركة "CCC" فلسطين (شركة اتّحاد المقاولين) بنسبة 27,5 % لكلّ منهما، وتخصيص 45% لشركة عالميّة مطوّرة للحقل، حيث أكّد مصدر حكومي ، رفض الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور" أنّه لم يتمّ الاتّفاق مع أيّ شركة حتّى الآن بدلاً من شركة "شلّ".
وكانت إسرائيل ألغت العمل في تطوير الحقل مع اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، وهو الموقف الذي استمرّ مع فوز حماس في الانتخابات التشريعيّة في عام 2006، وسيطرتها على غزّة في عام 2007، وبالتالي المعيق الأوّل الذي يحول دون استفادة السلطة من حقل الغاز هو إسرائيل.
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربيّة-الأميركيّة نصر عبد الكريم لـ "المونيتور": "إسرائيل لن تسمح للفلسطينيّين بالاستفادة من حقل الغاز لأسباب اقتصاديّة وسياسيّة، وهناك حالة واحدة يمكن أن تسمح بذلك، وهي توظيفه ضمن مشروع كبير هدفه تطوير الاقتصاد في غزّة من أجل دفعه إلى الانفصال عن السلطة والضفّة الغربيّة".