بالتزامن مع إعلان صفقة القرن، في 28 كانون الثاني/يناير بالبيت الأبيض، صدرت مواقف فلسطينيّة رافضة لها، شملت كلّ القوى السياسية الفلسطينيّة، وعلى رأسها "فتح" و"حماس" اللتان تعيشان انقساماً منذ 13 عاماً، لكنّهما أجمعتا على ضرورة التصدّي لصفقة القرن وإفشالها.
يترقّب الفلسطينيّون تأثيرات صفقة القرن الداخليّة والخارجيّة وقدرتها على طيّ صفحة الانقسام، خصوصاً أنّ مواقفهما متقاربة جدّاً برفض الصفقة، الأمر الذي يستدعي الحديث عن مدى اقتناعهما بضرورة تحقيق المصالحة لرفض الصفقة بلسان فلسطينيّ واحد، والسؤال عمّا تبقّى من نقاط خلاف بينهما وإمكانيّة أن نشهد لقاء قريباً بين قادتهما، سواء أكان داخل غزّة أم خارجها، وعن مطالبهما من بعضهما البعض لتحقيق المصالحة.
في خطوة نادرة، وفي لحظة إعلان الصفقة بـ28 كانون الثاني/يناير، وجّه الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس دعوة إلى قيادات الفصائل الفلسطينيّة بمعظمها للقائها في مقرّ الرئاسة بمدينة رام الله، ومنها قيادات "حماس" في الضفّة الغربيّة التي لبّت الدعوة وحضرت اللقاء، ومنها عدد من الوزراء السابقين ونوّاب "حماس" في المجلس التشريعيّ، وهم: ناصر الدين الشاعر، سمير أبو عيشة، أيمن دراغمة، عمر عبد الرازق، وأحمد عطون.
وفي اليوم ذاته، هاتف زعيم "حماس" إسماعيل هنيّة، محمود عبّاس، وأكّد رفض الصفقة وأهميّة الوحدة الوطنيّة وجاهزيّة الحركة للعمل المشترك مع "فتح" سياسيّاً وميدانيّاً لقطع الطريق على التوجّهات الأميركيّة-الإسرائيليّة، لتقويض الصفقة.
وقال عضو مكتب العلاقات الوطنيّة في "حماس" محمود مرداوي لـ"المونيتور": "إنّ إعلان الصفقة ومواقف العديد من الدول العربيّة مخيّبان للآمال الفلسطينيّة، وتدفعان باتّجاه تنقية الأجواء الفلسطينيّة الداخليّة وإحياء فرص العمل المشترك بين فتح وحماس وتعزيز تعاونهما لإفشال الصفقة، لكنّ القرار الاستراتيجيّ بيدّ عبّاس لأنّه مطالب بقرارات جديّة نحو المصالحة، بعيداً عن القرارات الإنشائيّة التقليديّة، من دون أن تكون اللقاءات الثنائيّة لفتح وحماس جزءاً من حملة علاقات عامّة بعد إعلان الصفقة، ثمّ تنتهي، وإلاّ سنكون ارتكبنا خطأ استراتيجيّاً بحقّ القضيّة الفلسطينيّة لأجيال مقبلة".
استمرت ردود الفعل الصادرة عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ففي 3 فبراير، أعلنت منظمة التعاون الإسلامي في نهاية اجتماعها بمدينة جدة السعودية، رفضها لصفقة القرن، ودعت كافة دولها لعدم التعاطي معها، أو التعاون مع الإدارة الأمريكية بتنفيذها.
وفي 1 فبراير، قرر وزراء الخارجية العرب بالإجماع في ختام اجتماعهم بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، رفض الصفقة، لأنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام.
ورغم البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب الرافض للصفقة، لكن مواقفهم تباينت خلال كلماتهم بذات الاجتماع يوم 1 فبراير، ففيما حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي من تبعات أي خطة إسرائيلية أحادية، تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض، فقد أكد نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، أن الحل العسكري للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي لم يحقق السلام والأمن، وقال نظيرهما الكويتي أحمد ناصر الصباح، إن الكويت تقدر مساعي الولايات المتحدة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، ودعا نظيرهم البحريني خالد آل خليفة، لدراسة الصفقة، وبدء مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن إسرائيل تتجه نحو السلام، أما نظيرهم الإماراتي أنور قرقاش فأشار لدعم الجهود الرامية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، بالحوار المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ضرورة التوصل لتسوية شاملة في المنطقة لحرمان قوى الإرهاب والتطرف من اختطاف القضية الفلسطينية.
أبدت حماس رغبة واضحة بتحصيل المواقف العربية والإسلامية الرافضة للصفقة، فأجرى زعيمها إسماعيل هنية يوم 4 فبراير، اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، لبحث المخاطر المترتبة على الصفقة، وفي اليوم ذاته 4 فبراير، اتصل هنية برئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، للتشديد على تعزيز الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة بمواقف عربية وإسلامية، وفي 1 فبراير، التقى هنية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمدينة إسطنبول، لبحث نتائج ومخاطر الصفقة.
رغم الحراك السياسي النشط لحماس ضد صفقة القرن، لكن لا يبدو أنها استطاعت أن تكسب إلى صفها الدول العربية الكبيرة مثل السعودية ومصر والأردن، التي ما زالت مواقفها تجاه الصفقة إما مؤيدة لها، أو صامتة تجاهها، ولم تصدر أي منها موقفا رافضا لها بعكس ما تسعى إليه حماس.
وفي 29 كانون الثاني/يناير، أعلن عضو اللجنة المركزيّة لـ"فتح" عزّام الأحمد بتصريح صحافيّ، توجّه وفد من الفصائل الفلسطينيّة إلى غزّة، من دون تحديد موعد دقيق، تمهيداً لتوجّه عبّاس إلى هناك، بعد دعوة وجّهها له إسماعيل هنيّة، وأنّ زيارة الوفد لغزّة ستكون بداية لقاءات لإنهاء الانقسام ومواجهة الصفقة، فيما رحب هنيّة بالزيارة، واعتبرها تؤسّس لمرحلة جديدة من الحوار الوطنيّ لإنهاء حالة الانقسام.
وقال نائب أمين سرّ المجلس الثوريّ لـ"فتح" فايز أبو عيطة خلال حديث لـ"المونيتور": "إنّ المخاطر المحدقة بالقضيّة الفلسطينيّة عقب إعلان الصفقة، تستوجب من فتح وحماس وضع خطّة جادّة متوافق عليها لبناء خطواتنا للمرحلة المقبلة، وأن تهدف لقاءاتهما المقبلة إلى تحقيق هذه الخطّة لمواجهة الصفقة، الأمر الذي يتطلّب الإسراع في إنهاء الانقسام. دعوة عبّاس لتوجّه وفد من فتح والفصائل لزيارة غزّة ولقاء حماس تؤسّس لمرحلة جديدة، فحماس مطالبة بالتقاط دعوته لتعزيز الثقة المتبادلة تمهيداً لتحقيق المصالحة، كي نكون كفلسطينيّين جميعاً موحّدين للتصدّي للصفقة".
واعتبر عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات خلال حديث لـ"الجزيرة"، في 29 كانون الثاني/يناير، أنّ الردود الفلسطينيّة الأولى على الصفقة هي معالجة نقاط الضعف الفلسطينيّة، وعلى رأسها الانقسام، مؤكّداً أنّ المصالحة ستتمّ والفصل بين الضفّة وغزّة سينتهي.
وشدّد المتحدّث باسم "حماس" حازم قاسم، في 29 كانون الثاني/يناير، لموقع "عربي21"، على أهميّة وحدة الموقف الفلسطينيّ لمواجهة الصفقة، وعقد اجتماع يقرّر استراتيجيّة وطنيّة ضدّها.
من جهته، قال رئيس بيت الحكمة للاستشارات وحلّ النزاعات بغزّة أحمد يوسف لـ"المونيتور": "إنّ بقاء موقف السلطة رافضاً للصفقة سيزيد فرص المصالحة مع حماس، من دون خضوعه للضغوط الأميركيّة والعربيّة للقبول بها. غزّة مكان مناسب لعقد لقاءات المصالحة بين فتح وحماس لأنّها شبه محرّرة من الاحتلال الإسرائيليّ. ولعلّ حماس تكون أكثر انسجاماً مع موقف السلطة برفض الصفقة بالأدوات السلميّة والعمل الديبلوماسيّ، من دون الهجمات المسلّحة، خصوصاً بعد أن هاجمها ترامب خلال إعلان الصفقة، الأمر الذي سيجعلها حذرة باستخدام سلاحها".
لم تتوقّف جهود المصالحة على "فتح" و"حماس" برعاية مصرية منذ بدء الانقسام بينهما في 2007، بل إنّ دعوات صدرت من قيادات فتحاوية في يناير 2020 قبل إعلان صفقة القرن، لتوحيد موقف "فتح" الداخليّ، التي تعيش تجاذبات تنظيميّة، إذ وجّه القياديّ المفصول منها محمّد دحلان، في 28 كانون الثاني/يناير على "فيسبوك"، رسالة مفتوحة لعبّاس، خصمه اللدود، طالبه فيها باتّخاذ مواقف مصيريّة لتوحيد الموقف الفلسطينيّ لمواجهة الصفقة.
وقال عماد محسن، وهو المتحدّث باسم "التيّار الإصلاحيّ الديمقراطيّ" بقيادة محمّد دحلان، لـ"المونيتور": "إنّ إعلان الصفقة يدفع بالقوى الفلسطينيّة إلى إنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام واستعادة البرنامج الكفاحيّ الفلسطينيّ بعد إضعافه واستنزاف مقدّراته بصراعات داخليّة، وإفساح المجال أمام كلّ القوى لاستعادة زمام المبادرة لرفض الصفقة، التي لم تبق مكاناً للتمسّك بحلّ الدولتين أو التحرير الكامل، بل إنّ المطلوب هو الإسراع في عقد اللقاء الوطنيّ الجامع وإنهاء اتفاقيّة أوسلو".
بدوره، قال الكاتب الصحافيّ الفلسطينيّ عزّ الدين إبراهيم، الذي يكتب مقالات في عدة مواقع إخبارية عربية، كالجزيرة وعربي21، لـ"المونيتور": "إنّ ما يزيد من صعوبة التحرّك الفلسطينيّ لمواجهة الصفقة، الواقع الكارثيّ الذي وصلت إليه القضيّة الفلسطينيّة مع استمرار الانقسام. السلطة بقيادة فتح عاجزة عن الفعل الحقيقيّ للتعامل مع الصفقة، ويكتفي عبّاس بإطلاق التهديدات من دون ترجمتها واقعاً، وحماس موقفها لا تحسد عليه، فهي محاصرة بغزّة، ومقيّدة في الضفّة، وأيّ دعوات إلى انتفاضة جديدة من دون استراتيجيّة واضحة متوافق عليها، ستكون هبّة موقّتة، وتدخل أجيالاً فلسطينيّة كاملة بدورة إحباط جديدة".
رغم الأجواء الإيجابيّة بين "فتح" و"حماس"، لكنّها لم توقف اعتقالات أجهزة الأمن التابعة للسلطة لعناصر "حماس" في الضفّة، وآخرها يوم 27 يناير، قبل يوم واحد من إعلان صفقة القرن، الأمر الذي يثير شكوكاً بمدى جديّة السلطة بمصالحة "حماس"، ويجعل تقاربها معها خطوة تكتيكيّة، وليس قراراً استراتيجيّاً، بل إنّ بعض أوساط "حماس" في الضفّة، رأى أنّه كان بإمكان عبّاس حين دعا قادة "حماس" إلى الاجتماع بهم، أن يطالب أجهزته الأمنيّة بالإفراج عن العشرات من معتقلي الحركة لديها، لتأكيد نواياه الحسنة، وإلاّ ستبقى الدعوات إلى المصالحة شعارات دعائيّة في الهواء أكثر من كونها توجّهاً جديّاً يشعر به الفلسطينيّون على الأرض.