مدينة غزّة - قطاع غزّة: عادت حالة التوتّر على جانبيّ الحدود بين قطاع غزّة وإسرائيل في أعقاب تفعيل "حماس" الأدوات الخشنة والمتمثّلة في إطلاق البالونات الحارقة والمتفجّرة على جنوب إسرائيل منذ 15 كانون الثاني/يناير الجاري، وتفعيل عمل وحدات "الإرباك الليليّ" في 19 كانون الثاني/يناير الجاري، وذلك في محاولة منها للضغط على إسرائيل للتقدّم في تفاهمات التهدئة، التي تمّ التوصّل إليها بوساطة مصريّة وقطريّة وأمميّة في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018.
والبالونات الحارقة والمتفجّرة هي عبارة عن بالونات يتمّ ربطها بموادّ قابلة للاشتعال لتحدث حرائق في الحقول الزراعيّة الإسرائيليّة القريبة من قطاع غزّة، أو يتمّ ربطها بشحنات ناسفة صغيرة لتحدث أصوات انفجارات صاخبة تزعج الجيش الإسرائيليّ على طول الحدود مع قطاع غزّة.
أمّا الإرباك الليليّ فهو عبارة عن نشاط يقوم به عشرات الشبان الذين يفجّرون قنابل صوتيّة كبيرة الحجم قرب مواقع الجيش الإسرائيليّ - شرق قطاع غزّة ليلاً بهدف إزعاجه.
"حماس" تتّهم إسرائيل بالتلكّؤ في تنفيذ تلك التفاهمات، وتحديداً في إنشاء المنطقة الصناعيّة - شرق مدينة غزّة، وكذلك البدء بتجهيز خطّ الغاز الذي سيغذّي محطّة الكهرباء الوحيدة في القطاع، والسماح بحريّة الحركة وإدخال البضائع عبر المعابر بين إسرائيل وقطاع غزّة، وحريّة إدخال الأموال إلى القطاع.
ويأتي تفعيل الأدوات الخشنة، بعد أن شعرت الفصائل الفلسطينيّة بأنّ إسرائيل غير جادّة في التقدّم بملف التفاهمات، وذلك رغم وقف الفصائل الفلسطينيّة مسيرات العودة وكسر الحصار في 26 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، لمدّة 3 أشهر، أملاً في أن تتقدّم إسرائيل بخطوات كبيرة ومقنعة في ملف التفاهمات، إلاّ أنّ ذلك لم يحدث، وقدّمت إسرائيل بعض التسهيلات التي لم تقنع "حماس" كتوسيع مساحة الصيد وإدخال معدّات لوجستيّة لبناء المستشفى الميدانيّ الأميركيّ - شمال قطاع غزّة، والسماح بتصدير بعض المنتوجات الفلسطينيّة إلى دول الخليج.
حاولت إسرائيل كبح جماح المجموعات الفلسطينيّة التي تطلق البالونات الحارقة والمتفجّرة، عبر قصف طائرات إسرائيليّة في 16 كانون الثاني/يناير الجاري لموقع تستخدمه تلك المجموعات لإطلاق البالونات، إلاّ أنّها لم تفلح في ذلك، وصعّدت المجموعات الفلسطينيّة إطلاق البالونات، الأمر الذي دفع بإسرائيل في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، إلى تهديد حركة "حماس" بعمل عسكريّ، إذا لم توقف إطلاق البالونات.
وقال عمر، وهو أحد الشبّان الفلسطينيّين الذين يقودون مجموعة تطلق البالونات الحارقة والمتفجّرة، وكذلك الإرباك الليليّ، والذي طلب عدم نشر اسمه بالكامل لدواعٍ أمنيّة، لـ"المونيتور": "طالما لم تلتزم إسرائيل بالجدول الزمنيّ لتطبيق التفاهمات، فلن نوقف إطلاق البالونات الحارقة والمتفجّرة، وكذلك الإرباك الليليّ".
أضاف: "أعطينا إسرائيل وقتاً أكثر من اللاّزم لكسر الحصار، لكنّها لم تفعل. وبالتّالي، لن نتوقّف حتّى نلمس كسر الحصار بشكل فعليّ".
وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة نقلت عن مصادر في حركة "حماس" لم تسمها، في 18 كانون الثاني/يناير الجاري، قولها: إنّ "حماس" لن تعطي المزيد من الوقت للوسطاء للضغط على إسرائيل كي تنفّذ التفاهمات، لا سيّما أنّ الفترة الماضية شهدت تكثيفاً للاتصالات بين الحركة والوسطاء لإجبار إسرائيل على التقدّم في ملف التفاهمات، إلاّ أنّها لم تنجح.
وقال رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ والقياديّ في حركة "حماس" يحيى موسى لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل لا تفهم إلاّ لغة القوّة، فمنذ أكثر من عام، وهي تماطل في تنفيذ تفاهمات التهدئة، والتي هي أبسط حقوق الفلسطينيّين المحاصرين في قطاع غزّة".
وأشار يحيى موسى إلى أنّ القانون الدوليّ يعطيهم الحقّ في استخدام أيّ أداة من الأدوات للدفاع عن أنفسهم وانتزاع حقوقهم، التي حرموا منها بسبب الحصار الإسرائيليّ على قطاع غزّة المتواصل منذ 13 عاماً، لافتاً إلى أنّ تصعيد الأدوات الخشنة أو وقفها مجدّداً يعتمدان على السلوك الإسرائيليّ في التقدّم أو التلكّؤ بملف التفاهمات.
من جهته، اعتبر عضو اللجنة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار طلال أبو ظريفة في حديث لـ"المونيتور" أنّ إسرائيل تريد ترسيخ معادلة الهدوء مقابل الهدوء فقط، وليس الهدوء مقابل كسر الحصار عن قطاع غزّة، لافتاً إلى أنّ تلك المعادلة لا يمكن للفصائل الفلسطينيّة أن تقبل بها.
وحذّر من أنّ كلّ الخيارات متاحة أمام الفصائل الفلسطينيّة لتصعيد عملها الميدانيّ باتّجاه إسرائيل، لافتاً إلى أنّ جهود الوسطاء لم تنجح في الضغط على إسرائيل لتنفيذ ما تمّ التوافق عليه سابقاً من تفاهمات.
حالة التوتر المتصاعدة على جانبيّ الحدود أسفرت، في 21 كانون الثاني/يناير الجاري، عن استشهاد 3 شبّان فلسطينيّين برصاص الجيش الإسرائيليّ شرق المحافظة الوسطى لقطاع غزّة، وقال الجيش الإسرائيليّ: إنّ الثلاثة تسلّلوا عبر الحدود باتّجاه إسرائيل لتنفيذ هجوم ضدّ قوّاته.
ورأى المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل خلال حديث مع "المونيتور" أنّ تفعيل "حماس" الأدوات الخشنة، وفي مقدّمتها البالونات الحارقة والإرباك الليليّ، جاء بعد أن وصلت المباحثات بين الجانبين عبر الوسطاء إلى طريق مسدودة، مشيراً إلى أنّ الفصائل قبلت نهاية كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، بوقف مسيرات العودة وكسر الحصار مقابل وعود قدّمتها مصر بأن تضغط على إسرائيل للتقدّم في تفاهمات التهدئة، وقال: إنّ الفصائل الفلسطينيّة رأت أنّ وقف مسيرات العودة والأدوات الخشنة بشكل كامل خلال الأسابيع الأخيرة شجّع إسرائيل على المماطلة في تنفيذ التفاهمات.
وتوقّع أن تشهد الأيّام المقبلة جولات تصعيد عسكريّة بين الجانبين، إذا استمرّت حالة التوتر على جانبيّ الحدود.
وتوافق المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة فلسطين المحليّة إياد القرا خلال حديث مع "المونيتور" مع سابقه في أنّ الظروف الحاليّة بين "حماس" وإسرائيل مهيّأة للتصعيد بشكل أكبر خلال الأيّام المقبلة، ما لم يتدارك الوسطاء الأمور بسرعة بين الجانبين.
واستبعد إياد القرا أن تعود حالة الهدوء بين الجانبين ما لم تقدّم إسرائيل خطوات حقيقيّة ومقنعة إلى حركة "حماس"، لا سيّما أنّ الفلسطينيّين في قطاع غزّة يعانون بسبب عدم توافر جزء كبير من أبسط مقوّمات الحياة، والتي كان آخرها شحّ غاز الطهي.
ينتظر الطرفان الإسرائيليّ والفلسطينيّ ما ستحمله الساعات المقبلة، فقد كشفت مصادر مقرّبة من حركة حماس لـ"المونيتور" أنّ مصر تجري جهوداً مكثّفة لتطويق التوتّر بين الجانبين، فيما سمحت إسرائيل في 22 كانون الثاني/يناير الجاري، بإدخال ملايين الدولارات إلى قطاع غزّة لتوزّع على الأسر الفقيرة.