رام الله – الضفّة الغربيّة: بات حلم إنشاء مكتبة فلسطين الوطنيّة حقيقة على أرض الواقع بعد 25 عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينيّة، إثر إصدار الرئيس محمود عبّاس في 25 أيّار/مايو مرسوماً بتعيين وزير الثقافة السابق إيهاب بسيسو رئيساً للمكتبة، استناداً إلى مرسوم سابق أصدره محمود عبّاس في 6 أيّار/مايو بإنشاء المكتبة الوطنيّة.
وجاءت هذه المراسيم استكمالاً لقرار عبّاس في 27 آب/أغسطس من عام 2017 بتحويل مبنى قصر الضيافة الذي شُيّد في بلدة سردا - شمال مدينة رام الله، وسط الضفّة الغربيّة، بمساحة 40 دونماً، وكان مخصّصاً لإقامة الرئيس واستقبال الوفود الأجنبيّة الرسميّة، إلى مكتبة وطنيّة.
ومنذ ذلك الوقت حتّى اللحظة، يعمل إيهاب بسيسو على استكمال الإجراءات كافّة من أجل إنجاز هذا العمل، الذي اعتبره من أهمّ الإنجازات الثقافيّة طيلة فترة السلطة الفلسطينيّة.
دخل بسيسو (41 عاما) السياسة بعد مسيرته في مجال الإعلام والاتصالات. في عام 2012 ، عمل في قسم الإعلام في جامعة بيرزيت قبل التحاقه بالمركز الإعلامي الحكومي. أصبح في البداية الناطق الرسمي باسم الحكومة ، ثم شغل منصب وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية بين نيسان (أبريل) 2014 وأبريل 2019.
وقال بسيسو لـ"المونيتور": إنّ المكتبة ستكون صرحاً ثقافيّاً وطنيّاً مسؤولاً عن طلب وحفظ وإيداع المطبوعات والوثائق المهمّة كافّة التي تنشر في الدولة، والتي تشمل: الكتب والأوراق والملفّات والصور الفوتوغرافيّة والتسجيلات الصوتيّة والمرئيّة، وإصدار رقم إيداع وطنيّ لها بما يصون حقوق الملكيّة الفكريّة، إضافة إلى العمل على إنتاج الببلوغرافيا الوطنيّة ونشرها، وحفظ مجموعات الإنتاج الفكريّ الأجنبيّ وتحديثها بما يشمل ما كُتب عن فلسطين، وتنظيم الفعاليّات الثقافيّة.
وتتمتّع المكتبة بصفة اعتباريّة وماليّة وإداريّة مستقلّة، يشرف على عملها مجلس إدارة، يرأسه بسيسو، إلى جانب 12 عضواً من قطاعات مختلفة (وكلاء وزارات الثقافة، والسياحة، والتربية والتعليم العالي، و3 رؤساء جامعات فلسطينيّة، و3 مدراء مؤسّسات ثقافيّة وبحثيّة فلسطينيّة، و3 شخصيّات اعتباريّة في مجالات الإدارة والتنمية وتطوير العمل المؤسساتيّ)، مدّة عضويّتهم 3 سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة، وسيعمل بسيسو خلال الفترة المقبلة على اختيارهم وتقديمهم إلى عبّاس للمصادقة عليهم، ضمن خطّته في بناء هيئات المكتبة.
وسيعمل مجلس الإدارة على تشكيل هيئة استشاريّة تضمّ أعضاء من المثقّفين والكتّاب والأدباء والمؤرّخين الذين لديهم إسهامات ثقافيّة مهمّة، والقادرين على تقديم الرؤى والأفكار الخلاّقة، يتبع ذلك تشكيل الطاقم الإداريّ من ذوي الاختصاصات في المجالات المختلفة للعمل بالمكتبة.
وسيكون التحدّي الأهمّ البدء ببناء مرافق المكتبة، حيث سيتمّ إنشاء مبناها الرئيسيّ ومناطق خضراء وفضاءات المعارض ومجموعة من المختبرات لتعقيم المقتنيات وتغليفها، حسب بسيسو، الذي قال أيضاً: "نحن نسابق الزمن في هذا المجال".
ولن تقتصر عمليّة إيداع المقتنيات على الطريقة التقليديّة، بل سيرافقها إنشاء المكتبة الرقميّة، بهدف خلق التفاعل المعرفيّ والثقافيّ مع المكتبات العربيّة والدوليّة. كما أنّ عمليّة الإيداع في المكتبة ستشمل إنتاجات الفلسطينيّين في مختلف دول العالم قبل نكبة عام 1948 وبعدها، والذين كانت لهم مساهمات ثقافيّة وإبداعيّة.
وستشكّل المكتبة مرجعيّة للمئات من المؤسّسات الثقافيّة والمكتبات المحليّة، التي تتنوّع ما بين مكتبات عامّة ومكتبات متخصّصة ومكتبات للجامعات والمدارس، إذ قال بسيسو: "المكتبة لن تكون بديلاً لأحد، بل تطمح إلى التعاون والتنسيق مع تلك المكتبات والمؤسّسات من أجل إعداد أنظمة أرشفة وفهرسة موحّدة لتنمية البحث العلميّ وتوفير المراجع التي يحتاج إليها الباحثون".
وتستند المكتبة في عملها إلى مصادر متنوّعة من التمويل، أبرزها، حسب بسيسو، مساهمة الحكومة في دعم موازنتها، والهبات والتبرّعات من المؤسّسات أو الأفراد، والفعاليّات والأنشطة التي يمكن أن توفّر إيرادات ماليّة لها، وريع بعض الوقفيّات، لافتاً إلى أنّ جزءاً من موازنة المكتبة سيخصّص لشراء بعض المقتنيات سواء أكانت مخطوطات أم وثائق أم كتباً.
وجاء إنشاء المكتبة تتويجاً لمحاولات سابقة قامت بها مؤسّسات فلسطينيّة حاولت القيام بعمل المكتبة الوطنيّة، مثل: مركز الأبحاث الفلسطينيّ في بيروت، مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، والجمعيّة العربيّة للدراسات في القدس، لكنّ جهد تلك المؤسّسات بقي مشتّتاً، لافتاً إلى "أنّ السلطة سعت في بداية تأسيسها إلى إنشاء دار الكتب في غزّة، وتمّ وضع حجر الأساس لها والبدء بتشييد مبناها، لكنّه لم يكتمل وتعرّض للقصف من إسرائيل وفشل المشروع، بسبب الظروف السياسيّة واندلاع الانتفاضة خلال عام 2000".
وقال بسيسو: إنّ الفلسطينيّين تأخّروا في إنشاء المكتبة الوطنيّة، إذ كان يجب إيلاء هذه المهمّة الأولويّة رغم كلّ التحدّيات السياسيّة المحيطة بنا، من أجل إيصال صوتنا إلى عمقنا العربيّ والإنسانيّ والدوليّ، وخلق أهمّ صرح ثقافيّ فلسطينيّ يحفظ التراث والرواية والموروث الفلسطينيّ.
وتضع المكتبة الوطنيّة على رأس أولويّاتها استعادة ما تمّ نهبه من كتب وأرشيف ومخطوطات من قبل إسرائيل، إذ قال بسيسو: "إنّ إسرائيل أغلقت مؤسّسة بيت الشرق في القدس منذ عام 2001، والجمعيّة العربيّة للدراسات في المدينة منذ عام 1988، وتحتجز في داخلهما أكثر من 80 ألف مخطوطة وكتاب تمنع الوصول إليها. كما أنّ إسرائيل صادرت 25 ألف كتاب من مكتبة مركز الأبحاث التابع لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، وأرشيف المركز في بيروت في عام 1982".
أضاف: "انضمام فلسطين إلى الأمم المتّحدة في عام 2012 سمح لنا بالانضمام إلى مؤسّسات دوليّة. وبالتّالي، سنعمل من خلال كلّ الأطر الدوليّة والقانونيّة على استرداد كلّ ما نهب قبل إنشاء المكتبة الوطنيّة، لأنّ هذا حقّ الشعب الفلسطينيّ، وهذه الموادّ يجب أن تكون ضمن مقتنيات المكتبة الوطنيّة".
وأكّد بسيسو أنّ من ضمن عمل المكتبة التنسيق والتعاون مع دول العالم المختلفة من أجل الحصول على الإرث الفلسطينيّ واقتنائه، وبشكل أكبر مع الدول التي ارتبطت في فترة من الفترات مع فلسطين، أبرزها تركيا التي تمّ نقل الكثير من المخطوطات والوثائق عن فلسطين إليها إبان حكم الدولة العثمانيّة لفلسطين، وكذلك بريطانيا بحكم أنّها كانت دولة انتداب على فلسطين بعد الحرب العالميّة الأولى.