رام الله، الضفة الغربية — أثار اغتيال المسؤول العسكري حركة "فتح" في مخيّم الميّة ومية في صيدا اللبنانيّة فتحي زيدان، الملقب بزورو" قرب مخيّم عين الحلوة، في 12 نيسان/إبريل، وقبلها اندلاع اشتباكات مسلّحة بالبنادق والقذائف الصاروخيّة بين حركة "فتح" و"جماعة جند الشام" (جماعة إسلاميّة) في 1و2 نيسان/إبريل مخاوف الفلسطينيّين من تفجّر الأوضاع الأمنيّة في المخيّمات الفلسطينيّة داخل لبنان.
وشهد مخيّم عين الحلوة (أكبر مخيّمات الفلسطينيّين في لبنان) أحداثاً خطيرة في 28 آذار/مارس، كمقتل أحد عناصر حركة "فتح" من قبل أحد أعضاء جماعة فتح الاسلام (جماعة إسلاميّة)، اندلعت على أثرها اشتباكات مسلّحة.
هذه التوتّرات الأمنيّة تضع مخيّم عين الحلوة على فوهة بركان، بانتظار المعركة الّتي يتّجه إليها، وتحاول "جماعات متطرّفة جرّه إليها مع الفصائل الفلسطينيّة الّتي تسعى إلى ضبط الأوضاع الميدانيّة"، بحسب مصدر فصائليّ في مخيّم عين الحلوة رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور".
وبحسب المصدر، لقد تحوّل مخيّم عين الحلوة خصوصاً، إلى ساحة لبعض الجهات الإقليميّة من خلال أدواتها (جماعات إسلاميّة متأثّرة بفكر داعش والقاعدة)، أو من خلال ضخّ الأموال لبعض الجهات تحت عناوين طائفيّة كدعم الجماعات السنيّة لمواجهة نفوذ "حزب الله"، وكذلك التنافس بين مؤيّدي الرئيس محمود عبّاس وأنصار القياديّ المفصول من الحركة محمّد دحلان.
وإنّ منظّمة التحرير المسؤولة عن المخيّمات تشعر بالقلق حيال الأوضاع الّتي تعيشها هذه المخيّمات، إذ قال عضو اللّجنة التنفيذيّة للمنظّمة وأمين سرّها السابق ياسر عبد ربه لـ"المونيتور": "الخطر من تفجّر المخيّمات في لبنان قائم باستمرار، في ظلّ وجود قوى وأطراف خارج إطار التنظيمات الوطنيّة والإسلاميّة الفلسطينيّة تسعى دائماً إلى جرّ المخيّمات لمعارك لا تنسجم مع المصلحة الفلسطينيّة واللبنانيّة".
أضاف: "رغم محاولات القوّة المتطرّفة لتفجير المخيّمات، إلاّ أنّ الفصائل الفلسطينيّة تتمتّع بنفوذ وسيطرة في الميدان، ولن تسمح بذلك، في ظلّ توافقها مع السلطات اللبنانيّة على عدم السماح لهذه القوى "المتطرّفة" بتنفيذ أهدافها في المخيّمات".
من جهته، اعتبر عضو اللّجنة المركزيّة في حركة "فتح" وأمين سرّ فصائل منظّمة التحرير السابق في لبنان سلطان أبو العينين في حديث مع "المونيتور" أنّ اغتيال القياديّ في فتح فتحي زيدان قرب مخيم عين الحلوة والاشتباكات الّتي تحدث في مخيّم عين الحلوة هما "استهداف أمنيّ وسياسيّ للمخيّمات الفلسطينيّة هدفه تصفية قضيّة اللاّجئين، واستكمال لما بدأ في سوريا من تصفية مخيّم اليرموك. والآن، تنتقل المحاولات إلى مخيّمات لبنان في محاولة لتفجيرها".
أضاف: "ما يعدّ للمخيّمات هدفه استهداف قضيّة اللاّجئين، في ظلّ وجود الكثير من الجهات المأجورة الّتي توظّفها إسرائيل وبعض الأطراف في الإقليم والعالم تحت أسماء حركيّة وهميّة إسلاميّة وغير إسلاميّة، يتمّ الدفع بها إلى ضرب استقرار المخيّمات".
إنّ الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان باتوا أكثر خشية من تكرار مأساة مخيّم نهر البارد بشمال لبنان، الّذي شهد اشتباكات مسلّحة بين أيّار/مايو وأيلول/سبتمبر من عام 2007، بين الجيش اللبنانيّ ومسلّحين من حركة "فتح الإسلام" أدّت إلى تدميره وتهجير قاطنيه، ووقوع مخيّم اليرموك في سوريا في قبضة "داعش".
وإزاء التوتّر الأمنيّ والخشية من تفجّر الأوضاع، قال سلطان أبو العينين: "على حركة فتح والفصائل الفلسطينيّة ومنظّمة التّحرير أن تتحمّل مسؤوليّتها في المخيّمات وأن تكشف من يقوم بعمليّات الإغتيال ويسعى من خلالها إلى تفجير المخيّمات، وتفويت فرصة إشعال صراع يودي بالمخيّمات الفلسطينيّة".
ويبدو أنّ استهداف المخيّمات بما تحمله من رمزيّة لقضية اللاّجئين هو الخطر الأبرز الّذي تتّفق عليه الفصائل كافّة، إذ قال ممثّل حركة الجهاد الإسلاميّ في لبنان أبو عماد الرفاعي لـ"المونيتور": هناك مخطّط لاستهداف اللاّجئين في لبنان من خلال توتير الأجواء الآمنة في المخيّمات وتصعيدها وتحويلها إلى بؤرة توتّر".
أضاف: "منع انزلاق مخيّم عين الحلوة في المواجهة يحتاج إلى إرادة فلسطينيّة على المستوى السياسيّ وإدارة الملف الأمنيّ، لأنّ ترك المخّيم على ما هو عليه يعني إبقاءه على فوهة البركان الّذي لا نعلم في أيّ لحظة يمكن أن ينفجر".
وعن دور منظّمة التحرير، قال أبو عماد الرفاعي: "منظّمة التّحرير عاجزة عن إدارة المخيّمات، لأنّ لا يوجد لديها قرار سياسيّ ورؤية واضحة في التعامل مع واقع المخيّمات في لبنان، إضافة إلى الصراعات الداخليّة وحال الضعف التنظيميّ داخل حركة فتح، الّتي تؤثّر على الجميع. مصلحة المخيّم واللاّجئين أن تبقى فتح قويّة ومتماسكة".
ومن جهته، رأى الكاتب والمحلّل السياسيّ خليل شاهين في حديث مع "المونيتور" أنّ هناك أطرافاً متأثّرة بفكر "داعش" تتلقّى أوامرها من خارج لبنان تخطّط لجرّ الساحة اللبنانيّة، انطلاقاً من المخيّمات، إلى فوضى عارمة واقتتال على غرار ما تشهده الكثير من الدول العربيّة، خصوصاً سوريا.
وأوضح أنّ "هناك تقصيراً في دور المنظّمة تجاه اللاّجئين. ولذلك، على الفصائل الفلسطينيّة أن تعمل في شكل مشترك، وأن تعزّز القيادة السياسيّة العليا، وكذلك القوّة الأمنيّة المشتركة المسؤولة عن أمن المخيّمات، من أجل السيطرة على معظم أنحاء مخيّم عين الحلوة، وتعميم هذه التجربة على بقيّة المخيّمات".
بدوره، قال المدير العام لدائرة شؤون اللاّجئين في منظّمة التحرير أحمد حنون لـ"المونيتور": إنّ منظّمة التحرير لم تعد قادرة على حلّ كلّ إشكاليّات المخيّمات في ظلّ حال العبث والفوضى في الإقليم. ولذلك، يجب أن يحدث توافق بين دول الإقليم على تحييد المخيّمات عن الصراعات وإبقائها على الحياد، وضبط الأمن والنّظام في ما يتعلّق بالأمن في لبنان، خصوصاً في ظلّ تأثّره بما يجري في سوريا.
أضاف: "المنظّمة تبذل جهوداً سياسيّة لمنع تفجير المخيّمات وجرّها إلى حرب مفتوحة، مستفيدة من التنسيق السياسيّ والأمنيّ مع الدولة اللبنانيّة، وفي ظلّ حال الوعي لدى الفصائل الوطنيّة وإدراكها لنتائج اندلاع اقتتال في ضوء تجربة مخيّمي نهر البارد واليرموك".
وفي المحصّلة، يبدو أنّ الفلسطينيّين في المخيّمات لا يملكون حلولاً سحريّة لحمايتها من الانجرار إلى الإقتتال، لكنّهم يعوّلون على الوحدة ما بين الفصائل الفلسطينيّة ورفع مستوى التنسيق بينها من جهة، وبين السلطات السياسيّة والأمنيّة من جهة أخرى.