أعلن رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمّد اشتيّة في اجتماع الحكومة في 9 كانون الأوّل/ديسمبر عن زيارة وفد وزاريّ مع ممثلين عن القطاع الخاصّ، في كانون الثاني/يناير، إلى سلطنة عمان، بهدف فتح آفاق جديدة للاقتصاد الفلسطينيّ، وتعزيز روح التعاون مع العرب، ضمن استراتيجيّة تعزيز العمق العربيّ، والانفكاك عن إسرائيل، بما فيها المجال الاقتصاديّ.
وقد ترأّس اشتيّة سابقا وفوداً فلسطينيّة زارت عدداً من الدول العربيّة، فوصل إلى الأردن والعراق في تمّوز/يوليو، وفي تشرين الأوّل/أكتوبر، زار وفد فلسطينيّ مصر، واتّفقت السلطة الفلسطينيّة مع السعوديّة على إنشاء لجنة اقتصاديّة ومجلس أعمال مشترك، وأعلنت الحكومة الفلسطينيّة أنّها ستزور ألمانيا والكويت والسويد العام القادم.
يؤكّد توجّه الفلسطينيّين إلى عمان رغبتهم في تعزيز طموحاتهم الاقتصاديّة لتطوير العلاقات معها، ويطرح أسئلة مهمّة عمّا لديها من موارد وعلاقات تجاريّة، وماذا سيستفيدون من انفتاحهم عليها، خصوصاً وأنّ اقتصادهم يواجه تحدّيات خطيرة.
قال رئيس تحرير صحيفة الاقتصاديّة الصادرة في غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور" إنّ "عمان تمتلك قدرة اقتصاديّة وإنتاجيّة ونفطيّة كبيرة، وهي بلد خصب، يحقّق للفلسطينيّين مصدراً مهمّاً على صعيد تشغيل العمّال والاستثمار المشترك وتطوير القطاع الزراعيّ، خصوصاً وأنّ مناخ البلدين متشابه، وفيهما وفرة كبيرة للمساحات الزراعيّة غير المستغلّة، وعمان دولة شاطئيّة، ممّا يتيح تبادل الخبرات لتطوير الثروة السمكيّة".
بالتزامن مع التوجّه الاقتصاديّ الفلسطينيّ إلى عمان، أعلنت الأخيرة في 26 حزيران/يونيو فتح سفارة لها في رام الله، كالدولة الخليجيّة الأولى التي تقوم بذلك، وهي خطوة لاقت مواقف فلسطينيّة متباينة، بين تأييد رسميّ يرى في السفارة فرصة لتقوية علاقات البلدين، ومعارضة تعتبر السفارة محاولة عمانيّة لعدم إثارة غضب الفلسطينيّين أمام تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة السلطان قابوس في مسقط هاني البسوس لـ"المونيتور" إنّ "سوق الأعمال التجاريّ العمانيّ ضعيف، والسلطنة تعاني صعوبات اقتصاديّة لتراجع أسعار النفط العالميّة، الانفتاح الاقتصاديّ الفلسطينيّ على السلطنة شكليّ، فالسلطة الفلسطينيّة ليس لديها ما تقدّمه إلى السلطنة إلّا بتصدير منتجات غذائيّة بسيطة، كالزيت والزيتون، أمّا الصناعات الغذائيّة الخفيفة فتعتمد السلطنة على منتجاتها المحلّيّة، ومنتجات عربيّة وتركيّة جودتها عالية وأسعارها مناسبة. تعتمد السلطنة على العمالة الآسيويّة لانخفاض أجورها التي لا تتجاوز الـ300 دولار شهرياً، وفي الوظائف ذات المرتبات العالية تعتمد على الأجانب".
لعلّ ما يعزّز التطلّع الفلسطينيّ إلى تقوية العلاقات الاقتصاديّة مع عمان، أنّ علاقاتهما السياسيّة تشهد تطوّراً متنامياً، فقد شهد تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، سلسلة زيارات متبادلة فلسطينيّة-إسرائيليّة-عمانيّة، فاستقبل الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في رام الله، في لقاءين منفصلين، وزير الخارجيّة العمانيّ يوسف بن علوي بن عبد الله في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، ومبعوث السلطان قابوس سالم بن حبيب العميري في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، وبحث معهما عمليّة السلام في المنطقة، وسلّماه رسالة من قابوس لتعزيز علاقاتهما، وزار عبّاس عمان في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، والتقى قابوس، وبحثا التعاون في مختلف المجالات.
كما زار رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو عمان يوم 26 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 لبحث عمليّة السلام، والتقى قابوس، وتبعت ذلك زيارة إعلاميّين إسرائيليّين إلى مسقط، وقد دفعت هذه الزيارات المكثّفة للأطراف الثلاثة في شهر واحد إلى الحديث عن وجود وساطة عمانيّة بين السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل لاستئناف مفاوضاتهما المتوقّفة منذ أواسط عام 2014.
وفي 1 تمّوز/يوليو 2019، أعلن رئيس الموساد الإسرائيليّ يوسي كوهين أنّ تلّ أبيب فتحت مكتباً تمثيليّاً في مسقط، بعد أيّام من مشاركة الأخيرة في مؤتمر البحرين الاقتصاديّ الخاصّ بصفقة القرن في أواخر حزيران/يونيو، وقاطعته السلطة الفلسطينيّة.
قال المحرّر الاقتصاديّ في وكالة الأنباء الفلسطينيّة الرسميّة-وفا جعفر صدقة لـ"المونيتور" إنّ "السلطة الفلسطينيّة تضع الأسواق الخليجيّة، ومنها العمانيّة، ضمن دائرة الاستهداف، وتوجيه رجال الأعمال الفلسطينيين إليها، فهي أسواق واسعة وكبيرة، وأفضليّتها أنّها تستورد ولا تصدّر، واستثماراتها تتركّز في الحجر والرخام، ونحن معنيّون بفتح أبواب للعمالة الفلسطينيّة في عمان، كالمدرّسين والمهندسين والأيدي العاملة، للتخفيف من حجم البطالة المتزايد في صفوف الفلسطينيين، وتصدير منتجاتنا الزراعيّة إلى السلطنة".
وقال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يوم 30 نيسان /أبريل، إن معدل البطالة بفلسطين لعام 2018 وصل 31 بالمائة، بما نسبته 18 بالمائة بالضفة الغربية، و52 بالمائة بقطاع غزة.
لا تتوافر أرقام دقيقة عن الدعم الماليّ العمانيّ للفلسطينيّين، لكنّ السنوات الأخيرة شهدت توقيع اتّفاقيّات ثنائيّة في مجالات الثقافة والإعلام والاقتصاد والزراعة والثروة السمكيّة، وتشكيل لجان للتشاور السياسيّ والتعاون الاقتصاديّ والثقافي، والشئون الدينية والتعليم، والتطوير الإداري في الجهاز الحكومي لدى البلدين.
وفي تمّوز/يوليو، أعلنت وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى "الأونروا" عن تبرّع سلطنة عمان بقرابة 334 ألف دولار إلى برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعيّة في قطاع غزّة، استفادت منها حوالى ألفي أسرة فقيرة، وفي شباط/فبراير، تبرّعت الهيئة العمانيّة للأعمال الخيريّة، بمساعدات إنسانيّة لمدينة الخليل في الضفّة الغربيّة، وهي شاحنتان من الكراسي المتحرّكة لذوي الاحتياجات الخاصّة.
قال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنيّة في نابلس نائل موسى لـ"المونيتور": "إنّ المساعي الفلسطينيّة اليوم في اتّجاه عمان جيّدة ومقدّرة، لكنّها تجعلنا نسأل: لماذا انتظرت السلطة 25 عاماً منذ تأسيسها من دون انفتاح على الدول العربيّة، ورهنت الاقتصاد الفلسطينيّ كلّه بإسرائيل؟ مشكلة عمان أنّها بعيدة جغرافيّاً عن فلسطين، كما أن الانفتاح الاقتصاديّ الفلسطينيّ على عمان سيمهّد الطريق لتطبيع عمانيّ مع إسرائيل".
على الرغم من جهود حكومة اشتيّة بالانفتاح على الاقتصادات العربيّة، وآخرها عمان، من خلال تعزيز العلاقات التجاريّة، وإبرام الاتّفاقيّات الاستثماريّة الثنائيّة معها، إلّا أنّ الفلسطينيّين لم يشعروا بعد بآثارها على أرض الواقع.
قال رئيس جمعيّة الصحافيّين العمانيّين السابق عوض بن سعيد باقوير لـ"المونيتور" إنّ "هناك مشاريع عمانيّة مهمّة في فلسطين، ثقافيّة، وطبّيّة، ورياضيّة، وجامعات، ولعلّ افتتاح سفارة عمانيّة في رام الله يعزّز الجانب التجاريّ والاقتصاديّ". وأضاف: "الزيارة الفلسطينيّة المرتقبة إلى السلطنة ستفتح آفاقاً مهمّة جدّاً، وستتيح الفرص لرجال الأعمال العمانيّين للاستثمار في فلسطين، وتفسح المجال لشركات فلسطينيّة للعمل لدينا، فالفلسطينيّون لديهم كفاءات اقتصاديّة ستجد لها مجالاً عندنا".
من التحدّيات التي قد تواجه تحقيق التطلّعات الاقتصاديّة الفلسطينيّة تجاه عمان، مدى موافقة إسرائيل على هذه المساعي الفلسطينيّة أو معارضتها لها، فهي تسيطر على المعابر والموانئ التجاريّة، وتتحكّم في تصدير المنتجات الفلسطينيّة إلى عمان، وهناك شكوك بأن توافق على أن يستورد الفلسطينيّون النفط والغاز من السلطنة.