حصلت القائمة المشتركة على 13 مقعداً في الانتخابات الإسرائيليّة بـ17 أيلول/سبتمبر، وهي تحالف من أحزاب عربيّة عدّة في إسرائيل، هي: "الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة، الحركة الإسلاميّة– الجناح الجنوبيّ، الحركة العربيّة للتغيير، والتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ"، وظهرت القوّة الثالثة في الكنيست المكوّن من 120 عضواً.
وأعلنت القائمة، في 22 أيلول/سبتمبر، توصيتها إلى الرئيس الإسرائيليّ رؤوفين ريفلين بتكليف زعيم حزب أزرق-أبيض بيني غانتس بتشكيل الحكومة، بعد تبادل آراء بين مكوّناتها، فجاء قرارها سابقة في السلوك السياسيّ العربيّ داخل إسرائيل، وتردّدت أصداؤه بين فلسطينيّي الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وليس فقط داخل إسرائيل.
وقال عضو الكنيست عن القائمة أسامة السعدي لـ"المونيتور": "إنّ هدف توصيتنا بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة هو إسقاط نتنياهو، لمنعه من الاستمرار في تنفيذ برنامجه بضمّ غور الأردن ومستوطنات الضفّة الغربيّة، مع أنّنا لا نرى غانتس حمامة سلام، لكنّنا نفاضل بين مرشّح سيّىء وأقلّ سوءاً. القرار اتّخذ داخل القائمة عقب نقاش مستفيض، ووجد معارضة له من داخلها نحترمها".
وعلّقت "حماس" على القرار على لسان المتحدّث باسمها حازم قاسم، في 23 أيلول/سبتمبر، الذي لفت إلى أنّه "يستغرب أن تراهن جهة فلسطينيّة على حزب صهيونيّ متطرّف، فبرنامج أزرق-أبيض يتنكّر لحقوقنا، ويحرّض على العدوان على غزّة، وقياداته ارتكبت جرائم ضدّنا، فبيني غانتس قاد جيشه بعدوان غزّة خلال عام 2014".
وكتب عضو المكتب السياسيّ لـ"حماس" محمّد نزّال على "تويتر"، في 22 أيلول/سبتمبر: "مؤسف أن يسوّق بعض بني جلدتنا لضرورة إسقاط نتنياهو مفسحين الطريق أمام غانتس، الذي يتمّ تقديمه حمامة سلام قياساً بنتنياهو! حتى نعرف عن أيّ حمامة سلام يتحدّثون، أذكّر أنّ غانتس كان قائد الجيش الإرهابيّ الذي شنّ العدوان على غزّة عام 2014، مفتخراً بعدها بأنّه أعادها إلى العصر الحجريّ!".
بعكس مواقف "حماس"، أعلن الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، في 19 أيلول/سبتمبر، خلال زيارته للنرويج رفضه لأيّ حكومة إسرائيليّة برئاسة بنيامين نتنياهو، لأنّ موقفنا ضدّه.
أمّا عمر الغول، وهو المستشار السابق لرئيس الوزراء الفلسطينيّ سلام فيّاض، فكتب في صحيفة "الحياة الجديدة" التابعة للسلطة الفلسطينيّة، في 19 أيلول/سبتمبر، أنّ "أهمّ نتيجة في الانتخابات الإسرائيليّة هو نجاح الجماهير الفلسطينيّة بمنح القائمة المشتركة ثقلاً أضعف حظوظ نتنياهو بتشكيل الحكومة".
من جهته، قال المحلّل السياسيّ الفلسطينيّ داخل إسرائيل إبراهيم أبو جابر لـ"المونيتور": "لا أستبعد تدخّل أطراف فلسطينيّة في التأثير على القائمة لترشيح غانتس لتشكيل الحكومة، مع وجود أطماع لدى بعض النوّاب العرب بالحصول على مقاعد وزاريّة، أو ترؤس لجان برلمانيّة في الكنيست".
تزداد التقديرات الفلسطينيّة بأنّ توصية القائمة بغانتس لتشكيل الحكومة قد تسرّع في حصول انشقاق فيها، فهي مكوّنة من خليط فكريّ إيديولوجيّ وسياسيّ غير متجانس، وتضمّ قوى قوميّة وشيوعيّة وإسلاميّة لديها مواقف متباينة من كثير من القضايا.
بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة واصل أبو يوسف لـ"المونيتور": "إنّنا لا نتدخّل في الانتخابات الإسرائيليّة، ونعتقد أنّ النوّاب العرب في الكنيست لديهم اعتباراتهم بترشيح من يرونه مناسباً لتشكيل الحكومة الإسرائيليّة، لكنّ موقفنا ضدّ أيّ حكومة تتنكّر لحقوقنا وتواصل تنفيذ المشروع الاستيطانيّ وتطبيق صفقة القرن".
تباينت المواقف الفلسطينيّة من التوصية لغانتس بتشكيل الحكومة، بين من رآها خطأ، مثل الكاتبان السياسيان الفلسطينيان عماد أبو عواد ومحمد وتد، لأنّ غانتس لا يختلف عن نتنياهو في عداء الفلسطينيّين، والقائمة ستكون شريكة في أيّ عدوان إسرائيليّ على غزّة، رغم أنّ السلطة الفلسطينيّة ضغطت عليها للتوصية بغانتس، كي يفتح الباب أمام مفاوضات سياسيّة جديدة.
وهناك حسن عصفور الوزير الفلسطيني السابق لشئون المنظمات الأهلية في السلطة الفلسطينية الذي اعتبر التوصية تجسيداً لعودة القائمة المشاركة إلى مكانتها الفعليّة، فباتت تلعب دوراً مركزيّاً في رسم المشهد الإسرائيليّ.
وقال رئيس التحرير السابق لصحيفة "فلسطين" في غزّة مصطفى الصوّاف لـ"المونيتور": إنّ التوصية لغانتس خاطئة، وتفسح المجال لحدوث تفسّخ وتشظّ في الحالة السياسيّة العربيّة داخل إسرائيل، بعد توحّدها داخل قائمة مشتركة. القرار جاء بعد صدور إشارات من السلطة الفلسطينيّة ببحثها عن أيّ بديل عن نتنياهو، مهما كان سيّئاً. رفض حماس التوصية بغانتس منسجم مع توجّهات الشعب الفلسطينيّ بغالبيّته، والذي يراه جنرالاً قاتلاً يهدّد غزّة بعدوان جديد".
بجانب مواقف "حماس" والسلطة الفلسطينيّة، خرجت مواقف أخرى تمثّلت بدعوة الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، في 24 أيلول/سبتمبر، القائمة المشتركة إلى "تصويب موقفها من التوصية بغانتس، لأنّ الرهان على حدوث تغييرات في السياسة والإيديولوجيا الإسرائيليّة عبر دعمه بدل نتنياهو محض أوهام".
وقالت حركة "الجهاد الإسلاميّ" على لسان أحد قياديّيها خضر حبيب، في 20 أيلول/سبتمبر: "لا فرق لدينا بين نتنياهو وغانتس، فكلاهما قاتل وسارق لأرضنا، ومقاومتنا لا ترتبط بوجود مجرم إسرائيليّ أو آخر".
وعلم "المونيتور" من أوساط عربيّة داخل إسرائيل، أنّ "التجمّع الوطنيّ عارض مبدئيّاً التوصية، لكنّ عضو القائمة أحمد الطيبي القريب من محمود عبّاس، وصلته اتصالات من السلطة الفلسطينيّة في 21 و22 أيلول/سبتمبر تطلب منه ممارسة نفوذه وتأثيره على أعضاء القائمة للتوصية بغانتس، وهذا ما تمّ".
لا أحد يعلم كيف ستكون مآلات توصية القائمة المشتركة بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيليّة، فهل سينجح في تشكيل حكومته الجديدة مدعومة بغطاء العرب داخل الكنيست، أم يشكّل حكومة وحدة وطنيّة مع الليكود والأحزاب اليهوديّة، التي ترفض وجود دعم عربيّ للحكومة، الأمر الذي سيظهر القائمة في وضع لا تحسد عليه البتّة.