تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حدّد ملامح الفنّ العالميّ... ونقل فلسطين بواقعها إلى العالم

صنّفت مجلة "أرت نت نيوز" عمل الفنّان الفلسطينيّ خالد الحوراني ضمن مئة عمل حول العالم حدّدت ملامح الفنّ المعاصر خلال العقد الأخير. وقد وصف صاحب "بيكاسو في فلسطين" عمله بأنّه "إنجاز المهمّة المستحيلة".
GettyImages-117050410.jpg

رام الله: "عندما شاهدت لوحة بيكاسو تعبر حاجز قلنديا وتتسلّمها الشرطة الفلسطينيّة، شعرت بيد إلهيّة تدخّلت"، بهذه الكلمات وصف الفنّان الفلسطينيّ خالد الحوراني صعوبة إنجاز عمله الفنّيّ "بيكاسو في فسلطين" الذي صنّفته مجلّة "آرت نت نيوز" ضمن مئة عمل حدّدت ملامح الفنّ في العقد الأخير، في 30 كانون الأوّل/ديسمبر الفائت، وتابع: "كانت فكرة مستحيلة، ولكنّها تحققت".

أنجز الحوراني هذا العمل في عام 2011 بعد عامين كاملين من التحضير له، حيث عمل مديراً للأكاديميّة الدوليّة للفنون المعاصرة في رام الله، ونقل لوحة أصليّة للفنّان العالميّ بابلو بيكاسو رسمها في عام 1943، من هولّندا إلى فلسطين، على الرغم من الاحتلال والأوضاع غير المستقرّة، وهو ما اعتبرته المجلّة سبباً لهذا الاختيار بالقول: "صمّم المشروع بالكامل بوعي كنوع من الإيماءات النقديّة، وطريقة لاستخدام قيمة الفنّ وصعوبة نقله كوسيلة لتخفيف عبثيّات الحياة في ظلّ الاحتلال".

وحصل الحوراني على الترتيب رقم 52 ضمن القائمة التي رتّبت تنازليّاً، وكان عمله أحد 3 أعمال عربيّة فقط، وهو ما اعتبره إنجازاً له، وخصوصاً أنّه يأتي من أهمّ المجلّات المتابعة للفنّ في العالم.

وقال الحوراني لـ"المونيتور" إنّ التصنيف لم يكن متوقّعاً ولكنّه لم يكن مفاجئاً، فالعمل لاقى صدى واسعاً في كلّ العالم، ولم يتوقّف عرضه خلال هذه الفترة.

وخطرت فكرة العمل على رأس الحوراني خلال تواجده في متحف فان آبي في مدينة آيندهوفين في هولّندا في منتصف عام 2009، حينها رأى لوحات مسندة على الحائط وسأل عنها، وقيل له إنّها معدّة للتبادل مع متاحف دول العالم من دون ذكر اسم فلسطين، ففكّر لماذا لا تكون في فلسطين أيضاً، وقال: "شعرت أنّ اللوحات قريبة ويمكن إمساكها ونقلها إلى فلسطين".

الفكرة لم تقنع الكثيرين من الفنّانين ومن كان يجب أن يكونوا أطرافاً فيها، مثل المتحف الهولّنديّ الذي أبدى موافقة مشروطة، بحسب الحوراني الذي قال: "بعد إنجاز العمل، علمت من القائمين على المتحف أنّه لم يأخذ الفكرة في البداية على محمل الجدّ، ولم يكن يتوقّع أنّني أستطيع تحقيق الشروط".

هذه الشروط هي وجود مكان مناسب للعرض وتأمين نقل اللوحة إلى فلسطين وعودتها منها.

تمكّن الحوراني من تذليل كلّ العقبات بعد عمل استمرّ عامين متتالين، حيث استطاع إقناع إحدى شركات تأمين السمك في مالطا بالقيام بهذه المخاطرة، بعد رفض شركة التأمين التي يتعامل معها المتحف عادة، بسبب ما وصفته بالمخاطرة بنقل اللوحة إلى منطقة غير مستقرّة أمنيّاً، وقال: "لم يكن في فلسطين متحف يلائم عرض اللوحات، أسّسنا متحفاً داخل الأكاديميّة عبارة عن غرفة 4x4 وجهّزت من حيث الإضاءة والرطوبة والحرارة المناسبة".

ولكنّ المهمّة الكبرى كانت توفير التمويل، والذي تجاوز الربع مليون دولار، ولم يتوافر منها بداية سوى 150 دولار لطباعة بوستر الإعلان عن العمل، وقد توافر المبلغ في الكامل بعدما ظهرت ملامح المشروع وبدأ المموّلون بعرض التمويل طواعية.

عرضت اللوحة في فلسطين لمدّة شهر، ولاقى العرض إقبالاً منقطع النظير كما يقول الحوراني، وقد وصل عدد زوّارها في الغرفة التي لم تكن تتّسع إلّا لـ4 أشخاص، إلى 7 آلاف زائر، وبعد عودتها إلى المتحف الهولّنديّ، بقيت لوحة تعريف إلى جانبها "بيكاسو في فلسطين".

لم تنته رحلة "بيكاسو في فلسطين" بعد ذلك، فلا يزال الحوراني يعرضها في كلّ المعارض التي يشارك فيها، من خلال الفيلم الذي أعدّ عن رحلة نقلها، واللوحة التي اشتهرت لاثنين من الشرطة الفلسطينيّة يقومان بحراستها.

يعترف الحوراني بأنّ الظرف الفلسطينيّ في حينه هو من أكسب العمل الزخم والاهتمام العالميّ به، فالفنّ استطاع ملامسة حياة الناس اليوميّة تحت الاحتلال، وتحوّل الحاجز الذي صمّم لعرقلة حياة الفلسطينيّين العاديّة إلى بوّابة يدخل منها عمل فنّيّ.

يعتقد الحوراني أيضاً أنّ عمله كان له تأثير كبير على الحركة الفنّيّة في فلسطين، وأنّه أستطاع تحريك مياهها الراكدة والتركيز على قضايا "الممكن وغير الممكن في الفنّ".

خلال الأعوام العشرة الفائتة، قال الحوراني بعشرات الأعمال الفنّيّة كان آخرها "البحث عن جبل المحامل"، وهو كتاب وثّق خلاله رحلة بحثه لعامين عن لوحة الفنّان الفلسطينيّ سليمان منصور "جبل المحامل" التي فقدت في ليبيا، إلى جانب تحضيره لعمل فنّيّ ضخم في نيسان/أبريل المقبل يتوقّع له نجاحاً ضخماً، ولكنّه لا يتوقّع أن يكون له صدى "بيكاسو في فلسطين" نفسه، فهو عمل أصبح ملاصقاً لاسمه.

وبمقدار أهمّيّة هذا العمل في مسيرة الحوراني المهنيّة، كانت أهمّيّته على المشهد الفنّيّ الفلسطينيّ أيضاً، كما يقول الفنّان نبيل عناني لـ"المونيتور": "كان مشروعاً ذكيّاً، والأهمّ هي الطريقة التي نفّذ بها وتوثيق كلّ تفاصيله، وهو ما خلق تفاعلاً فنّيّاً في فلسطين والعالم".

وتابع العناني أنّ الحوراني بهذه الفكرة استطاع تقديم عمل إبداعيّ تمسّك به على الرغم من كلّ العراقيل، ممّا جعله عملاً مستمرّاً حاكت فلسطين به كلّ العالم، وهو ما انعكس على الحركة الفنّيّة في فلسطين عموماً، وقدّمت نموذجاً للفنّان الجريء الذي يخرج عن المألوف وينافس عالميّاً.

كان العناني من الفنّانين الذين لم يصدّقوا إمكان تنفيذ فكرة الحوراني في البدء، واستبعد أن يرى يوماً لوحة أصليّة لفنّان مثل بيكاسو تعرض في فلسطين.

على الرغم من موافقته على أهمّيّة العمل، إلّا أنّ الفنّان سليمان منصور خلال حديثه إلى "المونيتور"، يرى أنّ هذا العمل الذي حدّد ملامح الفنّ العالميّ لم يستطع تحديد ملامح الفنّ الفلسطينيّ، الذي لا يزال إلى اليوم أقرب إلى الفنّ التقليديّ منه إلى المعاصر.

وتابع منصور، وهو صاحب لوحة "جبل المحامل" التي كانت محور عمل الحوراني الأخير: "لا يزال الفنّ الفلسطينيّ تنقصه المعاصرة، وهو ما تميّز به عمل الحوراني، والذي شكّل حافزاً لكثيرين من الفنّانين الشباب للانتقال إلى هذا النوع من الفنّ".

كان عمل "بيكاسو في فلسطين" فرصة تاريخيّة للفنّانين الشباب وطلبة الأكاديميّة لرؤية عمل أصليّ في بلادهم، إلى جانب الاستفادة من الندوات الفنّيّة التي أقيمت على هامش العرض وشارك فيها فنّانون، نقّاد، وكتّاب من كلّ العالم.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in