طالب تحالف سائرون الذي يقوده زعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر، في 9 كانون الأوّل/ديسمبر، بإبعاد مؤسّسة الحشد الشعبيّ عن الصراعات السياسيّة، وشدّد النائب عن التحالف علي غاوي على ضرورة "عزل الهيئة عن الأمراض النفسيّة والصراعات الحزبيّة واسقلاليّتها وإعادة النظر بكفاءة بعض قياداتها ووطنيّتها والقضاء على كلّ أشكال الفساد فيها".
وفي 8 من الشهر ذاته، نشر الموقع الرسميّ لهيئة الحشد الشعبيّ بياناً صحافيّاً أشار فيه إلى اشتباك الحشد يوم الجمعة في 6 كانون الأوّل/ديسمبر في مواجهات مع القبّعات الزرق التابعة إلى مقتدى الصدر، وبرّر ذلك بمحاولته إنقاذ متظاهرين مختطفين، لكن بعد ساعات، نفى الحشد البيان وقال إنّ "موقعه الإلكترونيّ تعرّض إلى الاختراق"، لكنّ الغريب أنّ بقيّة مواقع التواصل الاجتماعيّ التابعة إلى الحشد نشرت البيان الأوّل أيضاً.
أظهرت حادثة جسر السنك التي شهدتها بغداد في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الحاليّ عندما هاجم مسلّحون المحتجّين في ساحة منطقة جسر السنك القريبة من ساحة التحرير في وسط بغداد، حجم الخلافات داخل الهيئة التي تنقسم إلى فريقين، الأوّل تابع إلى رئيس الهيئة فالح الفيّاض، والآخر وهو المسيطر على الحشد، تابع إلى نائب رئيس الهيئة جمال جعفر الإبراهيميّ المعروف باسم "أبو مهدي المهندس".
ينقسم الحشد إلى قسمين، الأوّل يطلق عليه اسم "حشد الدولة" وهو الذي يلتزم بأوامر الفيّاض، والآخر "حشد الفصائل" وهو المنسجم مع الثورة الإيرانيّة ويرتبط في شكل مباشر بالمهندس، ووفقاً لحديث قياديّ في الحشد الشعبيّ خلال مقابلة مع "المونيتور"، فإنّ "الفيّاض غير قادر على مواجهة المهندس، فهو أضعف وأقلّ سيطرة".
وتحدّث القياديّ في الحشد الذي رفض ذكر اسمه، عن وجود "صراعات مستمرّة بين الفيّاض والمهندس وتنتقل بين فترة وأخرى إلى خلافات بين الفصائل التابعة إليهما"، وقال أيضاً إنّ "تدخّلات إيرانيّة تمنع في اللحظات الأخيرة احتدام أيّ صراع بين الطرفين قبل أن يشتعل، وفي حزيران/يونيو الماضي أيضاً، تدخّلت إيران لمنع حدوث اصطدام بينهما".
وأشار إلى أنّ "الخلاف تعزّز عندما تمّ توطين رواتب الحشد الشعبيّ، ممّا أضعف الفصائل وأبعدها عن المهندس الذي عاد من جديد ليسيطر على تلك الفصائل ويمنع أيّ قطع للراتب، الآن، المهندس هو الأقوى، فالحشد مع الاحتجاجات عاد إلى قوّته الميدانيّة، ولا تأثير للفيّاض الآن مقابل المهندس".
يحاول الفيّاض، وهو مستشار الأمن الوطنيّ العراقيّ أيضاً، أن يتصرّف ببراغماتيّة تؤهّله للحصول على منصب رئيس الحكومة، ويبادر في بعض الأحيان إلى الإيحاء بأنّه مع القانون ومع الدولة بعيداً عن إيران، على عكس صديقه وخصمه المهندس الذي يتعامل بعقائديّة تامّة في كلّ خطواته ولم يتردّد في الإفصاح عن ذلك في يوم ما.
ومع أنّ الفيّاض رئيس لهيئة الحشد الشعبيّ، إلّا أنّ أغلب فصائل الحشد الشعبيّ تنصاع لأوامر المهندس أكثر من الفيّاض، خصوصاً تلك التي تتبع ولاية الفقيه والمتّهمة بالولاء لإيران، وبالتالي نتج الصراع داخل المؤسّسة التي تشكّلت قبل 5 سنوات، بناء على فتوى المرجع الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى علي السيستاني في 13 حزيران/يونيو 2014.
قال الكاتب والصحافيّ العراقيّ سرمد الطائي خلال مقابلة مع "المونيتور": "إنّ الفوارق بين الرجلين تتحكّم بإدارة الخلاف بينهما، فالمهندس مقاتل عقائديّ من طراز القرون الوسطى، مستعدّ للتنقّل في جبهات واسعة في الشرق الأوسط ولديه خيارات نصر وهزيمة أكثر ممّا لدى سواه".
وأضاف: "بينما الفيّاض بيروقراطيّ حصل على منصبه بصعوبة وهو يتلقّى الخسارة تلو الأخرى بسبب استغلال إيران له بإفراط منذ انتخابات 2018، والأوهام التي لهث خلفها كمرشّح خائب إلى رئاسة الحكومة ثمّ إلى وزارة الداخليّة، وها هو ينهي مشواره بتحدٍّ كبير لحركة الاحتجاج أظهره كعاجز يفتقد الفروسيّة ومجرّد غطاء للقمع الميليشياويّ وسط تقدّم الثورة العراقيّة".
الصراع داخل الحشد الشعبيّ ليس بجديد، ففي 7 آب/أغسطس الماضي، تكرّرت الحادثة ذاتها تقريباً، فعندما اتّهم المهندس إسرائيل بالوقوف وراء عمليّات استهداف الحشد الشعبيّ، خرج الفيّاض بعد ساعات ونفى أن تكون تصريحات المهندس تمثّل الحشد الشعبيّ، لكنّ الموقع الإلكترونيّ للحشد نشر بيان المهندس ولم ينشر بيان الفيّاض، وهو ما يشير إلى أنّ النفوذ الحقيقيّ في هيئة الحشد يعود إلى فريق المهندس.
قال مستشار المركز العراقيّ للدراسات الاستراتيجيّة يحيى الكبيسي لـ"المونيتور": "منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحشد الشعبيّ بقرار من المالكي في عام 2014، وقبل ظهور فتوى الجهاد الكفائيّ، كان واضحاً أنّنا أمام قيادة شكليّة يمثّلها الفيّاض، وقيادة حقيقيّة يمثّلها المهندس. لم يكن ممكناً تعيين الأخير رئيساً للحشد الشعبيّ، بسبب وضعه القانونيّ المعقّد (حكم بالإعدام في الكويت بتهمة تفجير السفارتين الأميركيّة والفرنسيّة)، واستمرّ هذا الحال حتّى بعد تشريع قانون هيئة الحشد الشعبيّ".
وأضاف: "ليس ثمّة صراع على قيادة الحشد الشعبيّ، بل ثمّة صراع على من يمثّل الخطاب الرسميّ للحشد الشعبيّ، الذي يراد له أن يكون أقلّ عقائديّة، وأقلّ عداء للولايات المتّحدة الأميركيّة، أمّا بالنسبة إلى الجرائم التي ارتكبت في حقّ المحتجّين، فأنا بداية أتّهم جميع القوى العسكريّة والأمنيّة بذلك، من ضمنها الحشد الشعبيّ. وأعتقد أنّ هناك حالات عدّة بدا فيها واضحاً أنّ فصائل الحشد الشعبيّ كانت طرفاً في الإعدامات الميدانيّة للمحتجّين، ولكنّ جريمة السنك والخلاني بدت الأكثر وضوحاً".
في المحصّلة، فإنّ الصراع المخفيّ خلال السنوات الماضية بين المهندس والفيّاض، سيظهر إلى العلن في شكل أكبر، كلّما تعمّقت أزمة العراق، فهذا صراع المنتصرين الذي لا بدّ وأن يكون، لكنّ أدوات الفيّاض مقابل المهندس ضعيفة جدّاً، فالثاني يتمتّع بدعم خارجيّ وداخليّ من أكبر الفصائل وأقواها، أمّا الأوّل، فهو على المستويات السياسيّة والشعبيّة، ضعيف جدّاً.