مدينة غزّة، قطاع غزّة — عاد ملف تبادل الأسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل إلى الظهور مجدّداً، وذلك في ظلّ انطلاق سباق الدعاية الانتخابيّة البرلمانيّة الإسرائيليّة المقرر إجرائها في 9 أبريل المقبل، ونقلت صحيفة "العربيّ الجديد"القطريّة في 19 كانون الثاني/يناير الجاري، على لسان مصادر في حركة "حماس" أخفت هويّتها قولها: "تلقّينا اتصالات جديدة من طرف أوروبيّ، إضافة إلى القاهرة، بشأن تحريك مفاوضات ملف أسرى الاحتلال لدينا".
ويشهد ملف تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة "حماس" حالة من الجمود منذ نهاية عام 2014، رغم محاولة "حماس" تحريكه عبر موادّ مصوّرة بثّتها في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016، تحاكي الظروف المعيشية للأسرى الإسرائيليين لديها، ويعود السبب في ذلك إلى رفض إسرائيل الاستجابة لمطلب حركة "حماس" بالإفراج عن 52 فلسطينيّاً أعادت إسرائيل اعتقالهم في حزيران/يونيو من عام 2014، بعد أن أفرجت عنهم في صفقة شاليط خلال عام 2011.
وترافق الحديث الإعلاميّ عن اتصالات لتحريك ملف تبادل الأسرى مع بثّ القناة الـ 12 الإسرائيليّة في 17 كانون الثاني/يناير الجاري، تحقيقاً استقصائيّاً مصوّراً لحادثة أسر الجنديّ هدار جولدن في مدينة رفح بجنوب قطاع غزّة (إسرائيل قالت قتل، إلا أن حماس لم تكشف مصيره حتى اليوم)، والذي تضمّن مشاهد ومعلومات تكشف للمرّة الأولى منذ عمليّة الأسر في 1 آب/أغسطس من عام 2014.
وكشفت حركة "حماس"، في نيسان/إبريل من عام 2016، عن صور4 إسرائيليّين تحتجزهم: اثنان منهم جنديّان أسرتهما خلال الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة في عام 2014، من دون أن تكشف عن مصيرهما، واثنان آخران تمكّنت من أسرهما خلال عام 2015، بعد تسلّلهما إلى قطاع غزّة عبر الحدود، فيما قالت إسرائيل في أغسطس 2014: إنّ حماس تحتجز جثّتين لجنديّين إسرائيليّين، وكذلك مدنيّين إسرائيليّين أحياء.
وأكّد مسؤول ملف الأسرى في حركة "حماس" موسى دودين خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ ملف تبادل الأسرى بين حركته وإسرائيل يراوح مكانه، نافياً ما ذكره بعض وسائل الإعلام عن تلقّي حركته عرضاً إسرائيليّاً جديداً لتحريك الملف.
وعزا موسى دودين السبب في حالة الجمود إلى تعنّت الحكومة الإسرائيليّة في الاستجابة لشرط "حماس"، إضافة إلى استخدام ورقة الأسرى الإسرائيلييّن للمزايدة بين الأحزاب الإسرائيليّة، في ظلّ الدعاية الانتخابيّة الإسرائيليّة، مشدّداً على أنّ شرط "حماس" الوحيد للبدء في مفاوضات غير مباشرة يتمثّل في إفراج إسرائيل عن الأسرى الذين أعادت اعتقالهم خلال عام 2014، وقال: "إنّ جهود الوسيط المصريّ ما زالت قائمة، إلاّ أنّها لم تحرز أيّ تقدّم، رغم أنّ حماس كانت ستبدي مرونة في آليّات الإفراج عن أسرى صفقة شاليط، الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم".
ولفت إلى أنّ "حماس" لا يمكنها أن تعطي أيّ معلومة عن الأسرى الإسرائيليّين لديها من دون أن تقدّم إسرائيل ثمن كلّ معلومة.
وحاولت دول عدّة التوسّط بين "حماس" وإسرائيل للبدء في مفاوضات لإنجاز صفقة تبادل أسرى، وفي مقدّمة تلك الدول مصر وتركيا وقطر وألمانيا، إلاّ أنّ تلك الوساطات لم تفلح حتّى اللحظة في التقدّم بالملف، في ظلّ تعنّت كلّ طرف في شروطه، وتأكيد إسرائيل أنّها مستعدّة لبدء مفاوضات، ولكن من دون شروط، كالتي تضعها "حماس".
تواصل "المونيتور" مع أكثر من مسؤول مصريّ في القاهرة والسفارة المصريّة برام الله، إلاّ أنّهم رفضوا التعليق، وقالوا: "ملف تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل هو من اختصاص جهاز المخابرات المصريّ".
وصعّدت عائلات الإسرائيليّين الأسرى لدى "حماس" تحرّكاتها الاحتجاجيّة خلال العام الماضي، للضغط على الحكومة الإسرائيليّة للإفراج عن أبنائها، فيما يتوقّع أن تشهد تلك التحرّكات تصاعداً أكبر من جرّاء اتهام عائلات الأسرى لبنيامين نتنياهو بخيانتها من خلال إدخال الأموال القطريّة إلى "حماس" في غزّة من دون الضغط عليها للإفراج عن الأسرى الإسرائيليّين
وترافق الحديث الإعلاميّ عن عرض إسرائيليّ جديد للبدء بتحريك ملف تبادل الأسرى مع "حماس"، مع قيام قوّات إسرائيليّة، في 21 كانون الثاني/يناير الجاري، باقتحام أقسام الأسرى الفلسطينيّين في سجن "عوفر" الإسرائيليّ. ووصف الفلسطينيّون الاقتحام بأنّه الأكثر عنفاً منذ عام 2007، وأصيب خلاله عشرات الأسرى بجروح.
وعزا مدير مكتب إعلام الأسرى ناهد الفاخوري في حديث مع "المونيتور" الاعتداء الإسرائيليّ على الأسرى في سجن عوفر إلى القيام بعمليّة ضغط إسرائيليّة على حركة "حماس" للتخلّي عن شرطها لبدء مفاوضات تبادل الأسرى، إضافة إلى استخدام أسلوب التنكيل بالأسرى الفلسطينيّين كورقة للمزايدات الانتخابيّة الإسرائيليّة.
وأوضح أنّ الاعتداء الإسرائيليّ تمثل في اقتحام 15 قسماً للأسرى بسجن عوفر والانهيال بالضرب المبرح ورمي [N1] قنابل الغاز المسيّل للدموع على الأسرى، مضيفاً: الأمر الذي أسفر عن إصابة العشرات من الأسرى نقلوا على أثرها إلى المستشفيات الإسرائيليّة.
ولفت إلى أنّ الأسرى الفلسطينيّين ينتظرون بشغف البدء بمفاوضات جديّة لتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل لإبرام صفقة تبادل، فهم يعتبرون تلك الصفقة الطريقة الأسرع في الإفراج عنهم من السجون الإسرائيليّة.
ويقبع في السجون الإسرائيليّة أكثر من 5700 أسير فلسطينيّ، يقضي بعضهم أحكاماً بالسجن منذ عشرات السنوات، فيما يعاني 700 أسير من أمراض مختلفة، و30 منهم مصابون بمرض السرطان.
ورأى مدير مركز "أطلس للدراسات الإسرائيليّة" في غزّة عبد الرّحمن شهاب خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ التسريبات الإعلاميّة حول طلب إسرائيل تحريك ملف تبادل الأسرى تهدف إلى شراء صمت عائلات الإسرائيليّين الأسرى لدى "حماس"، وذلك في ظلّ اشتداد الدعاية الانتخابيّة في إسرائيل وإيهام تلك العائلات بأنّ نتنياهو يقوم بما في وسعه للإفراج عن أبنائها.
وبيّن عبد الرّحمن شهاب أنّ المرحلة التي تعيشها إسرائيل تحرّم على أيّ مسؤول إسرائيليّ البدء في مفاوضات صفقة تبادل مع "حماس"، لأنّ ذلك سينعكس سلباً على الأصوات التي يمكن أن ينالها ذلك المسؤول في الانتخابات البرلمانيّة الإسرائيليّة المقرّرة في نيسان/إبريل المقبل، متوقّعاً أن تكون صفقة التبادل بين "حماس" وإسرائيل ضمن صفقة أكبر تضمن بها إسرائيل هدنة طويلة الأمد مع الفصائل في غزّة، مقابل إنجاز صفقة تبادل أسرى ورفع الحصار المفروض على قطاع غزّة منذ عام 2007.
ويعدّ ملف تبادل الأسرى مع حركة "حماس" أحد أهمّ الملفّات التي ألقاها رئيس هيئة الأركان السابق غادي أيزنكوت على كاهل رئيس هيئة الأركان الجديد آفيف كوخافي، وقد عبّر غادي أيزنكوت في 15 كانون الثاني/يناير الجاري عن تألّمه لعدم قدرته على استعادة الإسرائيليّين الأسرى خلال فترة ولايته في هيئة الأركان.