مدينة غزّة - قطاع غزّة: أعلنت غرفة التجارة والصناعة في محافظة رفح جنوب - قطاع غزّة، بـ9 كانون الثاني/يناير، عن إنشاء مجلس لرياديّات الأعمال، وهو الأوّل من نوعه على مستوى المحافظة، كحاضنة أولى للنساء اللواتي لديهنّ القدرات المهنيّة المختلفة، في منطقة تفتقر لهذه الحاضنات، وتُهمش فيها النساء، في خطوة من شأنها تحفيز ودعم الرياديات في تلك المنطقة وتحقيق الاستدامة لمشاريع القائمة، من خلال ما سيوفره المجلس من توفير التمويل المادي والتسويقي لهن وربطهن بالمؤسسات ذات الاختصاص، والأسواق ذات العلاقة، إذ تعتبر المجالس الاقتصاديّة النسويّة خطوة مهمّة جدّاً من أجل الارتقاء بالعمل النسويّ، وحشد الطاقات المعطّلة لدى النساء في المناطق المهشمة تحديداً، خاصة وأنها لن تقتصر فقط على المجالات التقليديّة كالمشغولات والمطرّزات، التي اعتادت النساء في القطاع العمل بها.
وذلك خلال فعاليّات معرض التسوّق التجاريّ الأوّل، الذي تمّ إطلاقه في 7 كانون الثاني/يناير واستمرّ 3 أيّام، وكان بمثابة باكورة نشاطات المجلس، وشاركت فيه عشرات الفلسطينيّات الرياديّات، اللواتي تمكنّ من عرض منتجاتهنّ وخدماتهنّ المنوّعة، والتي شملت المشغولات اليدويّة، والمطرّزات و تصميم الملابس بطريقة تواكب الحداثة وأحدث صيحات الموضة، والمنتجات الغذائيّة، ومستحضرات التجميل، وموادّ التنظيف، والرسوم وأعمال النحت، وصيانة الجوالات والحواسيب.
ووفق الإحصاءات الرسميّة تجاوزت نسبة البطالة في قطاع غزّة الـ50 في المئة، ووصل معدّل الفقر إلى 53 في المئة، والأمر أسوأ بالنسبة للنساء، حيث بلغ معدل البطالة 74.5 في المئة في عام 2018، بزيادة خمسة في المئة عن العام السابق.
وفي هذا السياق، قالت صاحبة مشروع "الوفا للمشغولات اليدويّة" الرياديّة عبير أبو عرمانة لـ"المونيتور": "إنّ مشروعي يضمّ مشغولات التطريز الفلاّحي الذي توارثناه عن أجدادنا بأسلوب عصريّ ومتجدّد، إذ أصنع فيه فيونكات الشعر أو كرافاتات الرجال، فضلاً عن دمجه في العديد من الأكسسوارات النسائيّة".
أضافت: "لديّ قسم آخر للمشغولات الخشبيّة ومشغولات الخرز، والأقمشة".
وأشارت إلى أنّها المرّة الأولى التي تشارك في معرض تسوقيّ، وكانت تجربة ممتعة تتمنّى تكرارها من قبل الجهات المعنيّة، إذ توفّر هذه المعارض فرصة لسيّدات صاحبات الأعمال تسويق منتجاتهنّ وأعمالهنّ. كما تشجعهنّ وتحفزهنّ على الإبداع، لافتة إلى أنّها بدأت بالعمل في مشروعها خلال عام 2018.
وعن سبب توجّهها لإقامة مشروع خاص بها، أكّدت أنّها تهوى المشغولات اليدويّة منذ صغرها، فضلاً عن حاجتها إلى المساهمة في إعالة أسرتها ماديّاً، موضحة أنّها لم تتلقّ أيّ تدريب مسبق وكلّ ما تنتجه تعلّمته عبر الإنترنت، شارحة أنّها تواجه صعوبة في إدارة مشروعها ماديّاً وتسويقيّاً.
وأملت عبير أبو عرمانة في أن يكون المجلس حاضناً للرياديّات وداعماً لهنّ، من خلال طرح تدريبات وبرامج نوعيّة تسهم في تطويرهنّ والتسويق لهنّ.
أمّا صاحبة مشروع "أفكارArt" الرياديّة عبير الهمص فأكّدت لـ"المونيتور" أنّ فكرة مشروعها تقوم على صنع كتب تفاعليّة وتعليميّة للأطفال تحت سنّ الـ4 أعوام، إذ تقوم بإعداد الكتاب وتصميمه وتنفيذه حسب حاجة كلّ طفل، بحيث تتواصل الأم أو المربية معها وتشرح لها حالة طفلها لتصمّم لها ما يناسبه، وقالت: "ما شجّعني على إقامة مشروعي حبّي للأشغال اليدويّة والأطفال. لقد صمّمت كتابي الأوّل لابني، إلاّ أنّ أختي التي يعاني ابنها من مرض التوحّد طلبت منّي تصميم كتاب خاص به يساعده على التعلّم. وبعدما تلقّيت الإعجاب ممّن حولي، قرّرت العمل بهذه الفكرة كمشروع خاص بي خلال عام 2017".
وأوضحت أنّ هذا هو المعرض الثاني الذي تشارك فيه، لافتة إلى السعادة الغامرة التي انتابتها حين علمت بأنّ معرضاً سيقام في رفح للرياديّات، إذ لم يسبق أن حدث هذا، وتقتصر المعارض دائماً على مدينة غزّة، مطالبة أصحاب القرار بزيادة الاهتمام وتقديم الدعم الماديّ والإرشاد والتسويقيّ إليهنّ.
وعن المعوقات التي تواجهها، قالت: "إنّ سعر القماش الذي أستخدمه مرتفع. وبالتّالي، لا تستطيع الأسر ذات الدخل المحدود شراءه، إذ يتراوح متوسّط سعر الكتاب 20 دولاراً، وهو سعر مرتفع على أهالي القطاع".
في السياق ذاته، أكّدت رئيسة مجلس رياديّات الأعمال ومديرة البرامج النسائيّة في غرفة التجارة والصناعة برفح نجاح عيّاش لـ"المونيتور" أنّ محافظة رفح كانت تحتاج إلى حاضنة تعمل على تمكين النساء وتدريبهنّ لخلق فرص عمل لهنّ من أجل تحسين وضعهنّ الاقتصاديّ، في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعاني منها القطاع، مشيرة إلى أنّ غرفة التجارة أبدت اهتمامها وارتأت تشكيل المجلس وإطلاقه، والذي كانت باكورة أعماله المعرض التسويقيّ الأوّل في رفح، الذي ضمّ مجموعة من رياديّات الأعمال اللواتي تميّزن بمنتجاتهنّ وخدماتهنّ.
ولفتت إلى أنّ المعرض كان نوعيّاً، وضمّ مجالات متنوّعة، منها: صيانة الحواسيب والهواتف المحمولة، تصنيع مستحضرات التجميل، الأكسسوارات، المشغولات اليدويّة، والأغذية، وشاركت فيه ما يقارب الـ30 رياديّة، موضحة أنّ المعرض فتح آفاقاً وأسواقاً للسيّدات المشاركات، إذ تمّ استقطاب بعض السيّدات للعمل في مطعم لصناعة البيتزا، وأخريات للعمل في محلاّت لبيع المطرّزات التراثيّة، من الرياديات اللوتي كن يعرضن منتجاتهن، من قبل أصحاب تلك المحلات، الأمر الذي بدوره سيساهم في زيادة دخلهن وتوسيع سوق بيعهن، وسيحقق لعملهن الاستدامة.
وقالت: "إنّ المعرض هدف إلى إبراز المهارات المهنيّة للنساء وإتاحة المجال لتسويق منتجاتهنّ وتحسين الدخل وتشجيع التجّار والمسؤولين لتبنّي أعمالهنّ وتمويلها وتطويرها، ولن يكون المعرض الأخير".
وأكّدت أنّ المجلس يهدف إلى إفساح المجال أمام الرياديّات في رفح لتطوير أنفسهنّ تحت مظلّة واحدة، وتقديم الدعم والتطوير والإسناد لهنّ، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة. كما سيعمل على البحث عن منافذ التمويل المتاحة للرياديّات، شارحة أنّه سيعمل على تنسيب الرياديّات المتميّزات له، وقالت: "إنّ النشاط النسويّ للرياديّات يسهم في تطوير الاقتصاد الوطنيّ وتحسين الوضع الاقتصاديّ".
وعن أهمّ الصعوبات التي تواجهها السيّدات في مجال ريادة الأعمال، أكّدت أنّ هناك مشكلة في الإيمان والثقة بقدرات النساء من قبل المجتمع، فضلاً عن صعوبة حصولهنّ على التمويل اللاّزم للانطلاق بمشاريعهنّ. كما قد تقف العادات والتقاليد عائقاً أمام طموح المرأة الفلسطينيّة.
من جهته، أكّد أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزّة معين رجب لـ"المونيتور" أنّ إقامة مثل هذه المجالس والتجمّعات الاقتصاديّة النسويّة النوعيّة مهمّة جدّاً من أجل الارتقاء بالعمل النسويّ، إذ أنّ العمل الجماعيّ يعطي فرصة للاستفادة من الكفاءات والطاقة المنوّعة ويسمح بالتوصّل إلى قرارات وتوجّهات إبداعيّة قد يعجز عنها الفرد بمفرده.
وأشار إلى أنّ هذه الخطوة مهمّة لحشد الطاقات المعطّلة لدى النساء، خصوصاً أنّ الكثيرات منهنّ لديهنّ إمكانات عالية للقيام بأعمال متميّزة. كما قد تحفّز الأخريات على الحذو حذوهنّ وتعطي الفرصة لتعاون الجهات ذات الصلة معهنّ، وتقديم المشورة والدعم والتسهيلات الممكنة.
وأكّد أنّ المشاريع الرياديّة ذات تأثير قويّ على الاقتصاد الوطنيّ، إذ تدخل في حساب الناتج القوميّ وتحقّق إفادة للمجتمع، موضحاً أنّ القطاع في أمس الحاجة إلى أيّ طاقة إنتاجيّة تضاف إلى الناتج القوميّ، ويكون انعكاسها نافعاً للمجتمع، وقال: على المجلس أن يطرح كلّ التحدّيات التي تواجه الرياديّات، وعلى الجهات المعنيّة العمل على إزالتها وحلّها وخلق بيئة محفّزة ومشجّعة لهنّ.
وشرح أهميّة توسيع نوعيّة المشاريع المقدّمة إلى النساء، وألاّ تقتصر فقط على التقليديّة كالمشغولات والمطرّزات، والتوجّه نحو الصناعات التكنولوجيّة والهندسيّة والطبيّة والزراعيّة، داعياً إلى تشجيع مشاركة المرأة في القطاعات الاقتصاديّة المختلفة وتعزيز دورها في المشاركة بالأنشطة الاستثماريّة، وإيجاد فرص للتعاون مع الهيئات المحليّة والدوليّة والإقليميّة.