ترغب روسيا في ضم الإمارات العربية المتحدة إلى قائمة زبائنها الذين تعرض عليهم شراء منظومتها العالمية للملاحة بالأقمار الصناعية (غلوناس)، كمقدّمة ربما لإبرام مزيد من الصفقات مع الإمارات. لقد ناقش وزير الصناعة والتجارة الروسي دنيس مانتوروف هذه الإمكانية خلال المحادثات التي أجراها في 26 تشرين الثاني/نوفمبر مع ولي عهد أبو ظبي، الأمير محمد بن زايد آل نهيان، في إطار نهج اليد الممدودة الذي تعتمده موسكو على نطاق أوسع مع الإمارات على المستويَين العسكري-التقني والاقتصادي.
في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، كان الوفد الروسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ديمتري روغوزين والرئيس التنفيذي في شركة "روزتيك" المملوكة من الدولة الروسية، سرغي شيميزوف، من أكبر الوفود في معرض دبي للطيران، وهو معرض الطيران الأكبر في آسيا. تتطلع موسكو إلى تعاون عسكري-تقني أوسع مع أبو ظبي، وتحرص على تجاوز الركود الذي لوحِظ في هذا القطاع بعد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت روسيا من الجهات الأساسية التي تزوّد الجيش الإماراتي بالأسلحة والمعدّات.
خلال تلك المرحلة، اشترت الإمارات مجموعات عدة من الآليات القتالية الخاصة بسلاح المشاة "بي إم بي-3"، والتي لا تزال، وفقاً لمصادر روسية، الآلية القتالية الأساسية في الألوية المؤلَّلة. اشترت الإمارات أيضاً صواريخ "9كيه38 إيغلا" التي تُطلَق عن الكتف، وقاذفات الصواريخ الثقيلة المتعددة "بي إم-30 سميرك". في العام 2000، وافقت روسيا على تصنيع صاروخ أرض-جو "بانتسير-إس 1" والمنظومة المدفعية المضادة للطائرات (إس أيه-22 غريهاوند) حصرياً للجيش الإماراتي. لكنها كانت العملية الواسعة النطاق الأخيرة التي تشتري من خلالها الإمارات عتاداً عسكرياً من روسيا، فقد كانت الإمارات قد انتهت في شكل أساسي من إنجاز التحسينات، بعد إقدامها أيضاً على شراء دبابات وطائرات من فرنسا، ومقاتلات "إف-16" ومروحيات "أباتشي" من الولايات المتحدة، ومدافع هاوتزر "جيه-6" ذاتية الدفع من جنوب أفريقيا.
في تلك المرحلة، بدأت الإمارات العربية المتحدة بناء صناعة عسكرية وطنية لإنتاج الأسلحة والمعدّات على أراضيها. لقد شارك اختصاصيون روس أيضاً في هذه العملية، فساهموا في تصنيع أنواع عدّة من الآليات القتالية المدرّعة. لاحقاً، أصبح التعاون بين القطاعَين العسكريين الروسي والإماراتي محدوداً، واقتصر في شكل أساسي على تصليح الأسلحة الروسية المستخدَمة في الأصل، وصيانتها. في العام 2013، وافقت روسيا على تزويد الإمارات بدفعة جديدة من صواريخ "أركان" المضادّة للدبابات لاستخدامها في آليات "بي إم بي".
في معرض ومؤتمر الدفاع الدولي "آيدكس-2017" في أبو ظبي في شباط/فبراير الماضي، اتّفقت موسكو والإمارات على تطوير التعاون العسكري-التقني بينهما. من شأن هذه الاتفاقات أن تحفّز العمل على مشاريع جديدة في إطار التعاون الثنائي. لكنها في الواقع أقرب إلى إعلانات نوايا، إذ ينبغي على روسيا أن تقدّم تفاصيل إضافية تلقى استحساناً لدى الإمارات. وما قامت به موسكو في معرض دبي للطيران للعام 2017 يشكّل خطوة واضحة في ذلك الاتجاه.
في معرض "آيدكس-2017"، أظهرت الإمارات مجرد اهتمام متردّد بالمقاتلة الجوية الثقيلة المتفوقة من طراز سوخوي "سو-35" الروسية الصنع. لكن قبل معرض دبي للطيران، بدا أن موسكو تروّج لبعض العقود. وعلى وجه الخصوص، ذكرت موسكو أن الإدارة العسكرية في الإمارات تنوي شراء 12 طائرة "سو-35". وقد قام روغوزين شخصياً بمرافقة ولي العهد الإماراتي، الذي هو أيضاً نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في جولة على الجناح الخاص بمقاتلة "سو-35". وقدّم فريق روسي متخصص عرضاً في الجو لإظهار مزايا مقاتلة "سو-35"، بهدف توليد انطباع إيجابي مضاعَف عن هذه المقاتلات الروسية. في حال الالتزام بهذا الاتفاق، سوف تصبح الإمارات أول دولة عربية بين بلدان الخليج تُقدِم على شراء طائرة قتالية روسية.
لكن لا تزال هناك شكوك حول حجم الاهتمام الفعلي الذي تُظهره الإمارات بمقاتلة "سو-35". فهذه الطائرة ليست مبتكرة، وهي عبارة، في شكل أساسي، عن نسخة محدَّثة من مقاتلة "سو-27" العائدة لمرحلة الثمانينيات. تمتلك الإمارات عدداً كافياً من الطائرات القتالية، وقد أبرمت العقود اللازمة من أجل صيانتها. في الواقع، ربما تتطلع الإمارات إلى صفقة متكاملة لا تقتصر فقط على مقاتلات "سو-35"، بل تشتمل أيضاً على بعض المشاريع الروسية-الإماراتية الأخرى.
تأمل الإمارات بأن تحصل من روسيا على التكنولوجيا التي تُخوّلها تصنيع مقاتلتها الخاصة. لقد سبق أن انطلق هذا المشروع بالتعاون مع اختصاصيين من صربيا، مع العلم بأن المفاهيم الصربية اعتُبِرت على الأرجح غير كافية لبناء جيل جديد من الطائرات القتالية مزوّد بمختلف التجهيزات والمزايا. من جهة أخرى، تعكس الاتفاقات التي جرى توقيعها في معرض "آيدكس-2017" الاهتمام الذي تبديه الإمارات بالتعاون مع روسيا من أجل وضع مسوّدة لطائرة خفيفة ومتعددة الوظائف تنتمي إلى الجيل الخامس. في هذا البرنامج، سوف تكون روسيا ممثَّلةً بشركة "ميغ" للطائرات التي تقترح نموذجها من طراز "ميغ-35" أساساً لتطوير المشروع.
فضلاً عن ذلك، تتوقع الإمارات تزويد روسيا بأسلحة إماراتية الصنع، وقد يؤخَذ هذا الأمر في الاعتبار خلال المفاوضات حول مقاتلة "سو-35". على سبيل المثال، يُرجَّح أن تبادر روسيا إلى شراء طائرة الدرون "يونايتد 40"، من تصنيع الشركة الإماراتية "أدكوم سيستم"، لا سيما وأنه سبق أن أعربت عن اهتمامها بشراء هذه الطائرة.
وإذا سمح مشروع تصميم طائرات خفيفة متعددة الوظائف للإمارات بالوصول إلى التكنولوجيات العسكرية لشركائها، فقد يتم أيضاً التوصل إلى اتفاق لإنتاج طائرة "يونايتد 40" في روسيا بموجب ترخيص – الأمر الذي من شأنه أن يتيح فرصة كبرى لروسيا للاطلاع على تكنولوجيات طائرات الدرون الحديثة في العالم، والوصول إلى أحدث المفاهيم في هذا المجال.
ليس هناك، بصورة رئيسة، أي عائق سياسي يحول دون قيام روسيا والإمارات بالعمل على تطوير التعاون العسكري-التقني بينهما، لا سيما وأن الإمارات لا تزال تسعى إلى تنويع مصادر تموينها بالأسلحة والعتاد. من جهة أخرى، سوف يتأثّر النمو في الإمدادات الروسية بالجدول الزمني الذي وضعته موسكو للمباشرة بالإنتاج النظامي لأسلحة الجيل الجديد، مثل مقاتلة "سو-57" من الجيل الخامس، ودبابة "تي-14 أرماتا"، والعربة القتالية المدرّعة "كورغانيتس"، وناقلة الجنود المدرّعة "بومرانغ"، ومدفعية "2إس35 كواليتسيا-إس في" الذاتية الدفع، وسواها. في الوقت الراهن، تُبدي الإمارات، التي تمتلك الوسائل المالية الضرورية، اهتماماً في الغالب بشراء أنواع جديدة من المعدّات العسكرية. فسوق الأسلحة الإماراتية مغلقة عملياً أمام الأسلحة المحدَّثة التي تعود أصولها إلى مرحلة الحرب الباردة، والتي لا تزال روسيا تعمل على ترويجها.