إدلب، سوريا – يرجو رامز ديوب أن يتمكّن هو وعائلته من اجتياز الشريط الحدوديّ بين سوريا وتركيا، ليصل إلى "برّ الأمان"، حسب وصفه، بعدما نزح وعائلته من مسقط رأسه مدينة خان شيخون في جنوب إدلب، منذ أن بدأت قوّات النظام هجوماً واسعاً على محافظة إدلب في 2 أيّار/مايو.
وقال الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، في 5 أيلول/سبتمبر، إنّ التطوّرات الحاصلة في محافظة إدلب تنذر بخطر تدفّق أفواج جديدة من اللاجئين نحو تركيا، قد تصل أعدادهم إلى المليون.
خيمة صغيرة في حقل زراعيّ، هي المأوى الجديد لديوب وعائلته، حيث اضطرّ إلى نصب الخيمة هذه قرب بلدة أطمة على بعد أمتار من الجدار الفاصل بين سوريا وتركيا، كونها المنطقة الأكثر أماناً.
هرب ديوب من القصف والمعارك التي كانت تدور قرب مسقط رأسه مدينة خان شيخون في جنوب إدلب، بين قوّات النظام وفصائل المعارضة السوريّة، إلّا أنّ عودته إلى خان شيخون باتت ضرباً من الخيال، حسب قوله، بعدما سيطرت قوّات النظام على المدينة في 20 آب/أغسطس.
يقول ديوب البالغ من العمر 35 عاماً لـ "المونيتور": "إنّ الوضع في إدلب يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، لا مكان آمن، ولا ندري متّى قد تصل المعارك إلى هنا (الشريط الحدوديّ)".
وقد أدّى هجوم قوّات النظام على جنوب إدلب منذ 2 أيّار/مايو، إلى تشريد 400 ألف شخص، بحسب الأمم المتّحدة، غالبيّتهم استقرّوا في المناطق الحدوديّة، حيث يعيش حوالى نصف النازحين خارج المخيّمات ومراكز الاستقبال، تحت الأشجار أو في الخلاء.
أضاف ديوب: "إنّ قوّات النظام، بدعم حليفها الروسيّ، تتقدّم وتسيطر على البلدة تلو الأخرى (..) إنّ سوريا لم تعد مكاناً آمناً، والنزوح خارج البلاد إلى تركيا هو الخيار الوحيد".
وفي 8 أيلول/سبتمبر، قتل شخص جرّاء قصف مدفعيّ لقوّات النظام على مدينة كفرنبل في جنوب إدلب، وكذلك تعرّضت بلدات أخرى مثل جرجناز وتلمنس ومعرشمارين في جنوب إدلب إلى قصف جوّيّ، من دون وقوع ضحايا.
وعدا بعض الخروق، تسود حالة من الهدوء الحذر محافظة إدلب، منذ أن أعلنت وزارة الدفاع الروسيّة، في 31 آب/أغسطس، وقفاً لإطلاق النار في المنطقة وافقت عليه دمشق، مع الاحتفاظ بـ"حقّ الردّ" على أيّ خرق.
وعلى الرغم من هذا الهدوء، إلّا أنّ مخاوف لدى سكّان إدلب من أن ينهار وقف إطلاق النار وتعاود قوّات النظام هجومها البرّيّ، تدفع كثيراً منهم إلى التفكير بالنزوح خارج البلاد، كما هو حال ديوب.
ويتابع ديوب حديثه إلى "المونيتور": "لولا أنّ الحدود مغلقة، لما انتظرت لحظة واحدة في التفكير بمغادرة البلاد".
وتظاهر المئات من السكّان في مدينة إدلب، يوم الجمعة في 6 أيلول/سبتمبر، مطالبين تركيا بفتح ممرّ إنسانيّ للنازحين الهاربين من القصف، كما طالبوا المجتمع الدوليّ بتحمّل مسؤوليّته لحماية المدنيّين في إدلب.
وقال نائب وزير الداخليّة التركيّ اسماعيل تشاتقلي، في 4 أيلول/سبتمبر، إنّ المؤسّسات التركيّة المعنيّة قامت باستعداداتها ووضعت خططها للتعامل مع موجات الهجرة المحتملة، وهي تدرك مدى جدّيّة الوضع في المنطقة.
لقد شكّلت محافظة إدلب طيلة الأعوام الثلاثة الماضية المأوى الأخير للنازحين الفارّين من مناطقهم التي سيطرت عليها قوّات النظام، مثل حلب وحمص وريف دمشق ومناطق أخرى، حيث يقدّر عدد سكّان المحافظة هذه الأيّام بـ3.6 ملايين نسمة.
تفاءل السكّان بحالة الاستقرار، وبإقامة الجيش التركيّ 12 نقطة عسكريّة لمراقبة وقف إطلاق النار، في القرب من منطقة التماس بين قوّات النظام وفصائل المعارضة.
لم ينظر السكّان إلى هذه النقاط على أنّها "لمراقبة وقف إطلاق النار" وحسب، وإنّما على أنّها بمثابة ترسيم للحدود بين قوّات النظام والمعارضة، حسبما قال لـ"الموينتور" رياض الحسين، وهو ناشط إعلاميّ يقطن في مدينة إدلب.
إلّا أنّ تطويق قوّات النظام نقطة المراقبة التركيّة الواقعة في بلدة مورك في جنوب إدلب، في 23 آب/أغسطس، بدّد كلّ هذه الاعتقادات لدى السكّان، وعزّز من مخاوفهم في انهيار التفاهمات الروسيّة–التركيّة حول ملفّ إدلب في أيّ لحظة.
وأضاف الحسين لـ"الموينتور": "لقد سيطرت قوّات النظام خلال هجومها على رقعة جغرافيّة واسعة (تقدّر مساحتها بـ580 كيلومتراً مربّعاً)، إلّا أنّ تطويق نقطة المراقبة التركيّة في مروك أعطى صفعة للسكّان، بأنّ نقاط المراقبة التركيّة الأخرى لن تؤدّي أيّ دور في منع تقدّم قوّات النظام أو حتّى وقف إطلاق النار".
ويبدو أنّ أنقرة متخوّفة في شكل حقيقيّ من موجة نزوح محتملة، فهي تحاول التوصّل إلى تفاهم مع روسيا يضمن الاستقرار في إدلب من جهة، والضغط على دول الاتّحاد الأوروبّيّ للحصول على دعم سياسيّ من جهة أخرى.
وأكّد الرئيس التركيّ أردوغان، في 5 أيلول/سبتمبر، أنّ بلاده تسعى عبر التعاون مع روسيا، إلى الحفاظ على الأمن في محافظة إدلب، وإبقاء السوريّين المقيمين هناك في منازلهم وديارهم.
وتابع في السياق ذاته: "لم نحصل من المجتمع الدوليّ، وخصوصاً من الاتّحاد الأوروبّيّ على الدعم اللازم لتقاسم هذا العبء، وقد نضطرّ إلى فتح الأبواب (الحدود) في حال استمرار ذلك". فيما علّق نائب الرئيس التركيّ فؤاد أوقطاي، في 6 أيلول/سبتمبر، بالقول إنّ حديث الرئيس أردوغان عن فتح أبواب تركيا أمام اللاجئين نحو أوروبّا "ليس تهديداً أو مخادعة، وإنّما حقيقة".