قامشلو: في 12/10/2019، أعلنت تركيا الاستيلاء على سري كانيه حتّى كريسبي في عملية أطلق عليها تسمية نبع السلام، حيث تمّ فصل المنطقة الممتدّة من ديرك على الحدود مع كردستان العراق حتّى مدينة الدرباسيّة المتاخمة للحدود التركيّة – السوريّة عن بقيّة مناطق شرق الفرات، نتيجة سيطرة الجيش التركيّ والفصائل المسلّحة للمعارضة السوريّة، على اعتبار أنّ سري كانيه تُعتبر المدخل البريّ صوب بقيّة المناطق الأخرى في شمال سوريا وشرق الفرات.
وبعد إعلان الاتفاق بين قوّات سوريا الديمقراطيّة والدولة السوريّة على عودة الجيش السوريّ إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتيّة، حيث دخلت القوّات السوريّة إلى بلدة تلّ تمر، التي تبعد 30 كلم عن سري كاني في 14/10/2019 وفي مناطق حدوديّة أخرى، انتشرت وحدات من قوّات النظام مزوّدة بدبّابات وآليّات ثقيلة في محيط مدينة منبج، وكذلك قرب مدينتيّ الطبقة وعين عيسى.
وقالت الإدارة الذاتيّة في بيان نشرته منتصف تشرين الأوّل/أكتوبر: إنّ الإدارة الذاتيّة مستمرّة في عملها الإداري، وإنّ الاتفاق هو عسكريّ فقط ويتضمّن انتشار الجيش السوريّ على الشريط الحدوديّ فحسب.
تواصل "المونيتور" عبر الهاتف مع الصحافيّ باز بكاري في فرنسا، الذي قال: "بكلّ تأكيد، لا توجد مؤشّرات على بقاء الإدارة على حالها. وفي كلّ الأحوال، كان من المتوقّع أنّ أيّ تسوية سواء أكان بالسبل العسكريّة أم السياسيّة ستفرض واقعاً جديداً لا يقبل ببقاء الأمور على حالها، وليس فقط في مناطق الإدارة الذاتيّة، بل في عموم سوريا".
ورأى أنّه من المستحيل عودة الحال في المنطقة إلى ما قبل بداية الأزمة في سوريا، وقال: "عمليّاً، إنّ النظام منهك ومشتّت ولا يملك القدرة للسيطرة الكاملة على المنطقة وإدارتها بمفرده، في الوقت ذاته الذي استطاعت الإدارة الذاتيّة أن تؤسّس لنوع من المؤسّسات التي يمكن البناء عليها وتطويرها ودمجها في مؤسّسات الدولة السوريّة المستقبليّة".
واعتبر أنّ شكل إدارة المنطقة هو مرهون "بما يتّفق عليه النظام والإدارة الذاتيّة برعاية روسيّة، وهناك مسار آخر يجري العمل عليه، وهو مسار الحلّ السياسيّ عبر جنيف واللجنة الدستوريّة، ومخرجاته أيضاً سيكون لها تأثير على شكل الحكم في هذه المنطقة، لكن بشكل مرحليّ سيكون هناك اتفاق على شكل من الإدارة بين النظام والإدارة الذاتيّة يحفظ لكلّ طرف ما يريده، النظام يريد أن يقول إنّ المنطقة تحت سيطرته، والإدارة الذاتية تريد المحافظة على مؤسّساتها، وهذا ممكن لأنّ كلّ طرف من الطرفين بحاجة إلى الآخر، خصوصاً بعد العدوان التركيّ الذي وضع الإدارة في موقف حرج".
والتقى "المونيتور" عضو المكتب السياسيّ للحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ – سوريا نشأت ظاظا، الذي قال: "رغم أنّ هذه الإدارة لم تكن هدفاً وطموحاً لشعبنا الكرديّ ومشروعه السياسيّ في سوريا المستقبل، وهي حكماً نتاج الأمر الواقع، ورغم اختلافنا مع برامج هذه الإدارة وممارساتها وممثليها، لكنّها تبقى في إطار المنطق والواقع أفضل، نظراً لما يشهده شعبنا على يدّ الفصائل الإرهابيّة الموالية للحكومة التركيّة".
ويتحدث السياسي الكوردي عن تصوره حول مستقبل الإدارة الذاتيّة بعد ما تعرّضت إليه من تقليص حجم المساحات التي تتحكّم بها، وقال: "في اعتقادنا، إنّ الحديث عن الإدارة الذاتيّة أصبح شيئاً من الماضي، فقوامها تقلّص بعد الاحتلال والغزو التركيّ وقضمه مناطق شاسعة من كانتون الجزيرة وكوباني، ناهيك عن احتلال تركيا محافظة عفرين بالكامل، إضافة إلى سيطرة النظام وحلفائه على مدينتيّ كوباني ومنبج، يعني قطع التواصل والطريق أمام أيّ مشروع سياسيّ يضمن للشعب الكرديّ حقوقه المشروعة".
ورأى أنّه من المحتمل أن تتّفق الأطراف كلّها ضدّ الإدارة الذاتيّة، وقال: "ربّما تكون هناك مساع من قبل أطراف مختلفة لإخضاع الإدارة لشكل وبرنامج أو حتّى صبغة تكون على مقاسها، طبعاً ما لم تكن للعامل الخارجيّ، وأخص هنا أميركا والاتحاد الأوروبيّ، كلمة أخرى في هذا الشأن".
ويعتقد صحفيون وكتّاب وسياسيون كورد آخرون بقاء الإدارة الذاتيّة كما هي واستمرارها في أعمالها الاعتياديّة.
والتقى "المونيتور" الرئيس الأسبق للمجلس التنفيذيّ للإدارة الذاتيّة أكرم حسو، الذي قال: "إنّ تركيا تسيطر على أجزاء واسعة من مشروع الإدارة الذاتيّة، والنظام يتواجد في منبج وكوباني والشريط الحدوديّ، وإنّ القرار 2170 الداعي إلى التحرّك ضدّ داعش أصبح منتهي الآثار والمفعول، بعد الإعلان الأميركيّ عن انتهاء داعش في شمال شرقيّ سوريا، الأمر الذي عجّل بالانسحاب الأميركيّ من سوريا".
وتحدّث عن التحرّك التركيّ العسكريّ، لافتاً إلى "اعتبار الهجوم التركيّ لاحتلال شرقيّ الفرات تصرّفاً أحاديّ الجانب وعدم تحمّل تبعاته من قبل الأميركيّين. ولهذا، لا يمكن اعتبار الضوء الأخضر الأميركيّ لتركيا للقيام بعمليّة عسكريّة شرعنة لذلك، لأنّ التواجد الأميركيّ عند إعطاء هذا الضوء لا يستند إلى أيّ قوّة قانونيّة. وبالتّالي، إنّ تركيا أصبحت محتلّة لأراضي دولة مجاورة. ولهذا، فإنّ الآثار الناتجة ضدّ إدارة الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة لن تكون دائمة ومؤثّرة في العمليّة السياسيّة المقبلة ولا يمكن شرعنة التواجد التركيّ في المنطقة. وبالتّالي، سيكون حكماً ذات أثر وقتيّ لن يستطيع إنهاء الإدارة الذاتيّة كهيكليّة تخدم أبناءها".
وقال: "إنّ الإدارة الذاتيّة تدير مساحات شاسعة من الأراضي يقطنها أهلها الأصليّون، وهذا القسم يقع خارج نطاق الاتفاق الروسيّ - التركيّ وأيضاً الاتفاق الأميركيّ - التركيّ الذي ينصّ على الانسحاب مسافة 32 كلم. ولذلك، فكيف لتركيا أن تستطيع إنهاء الإدارة الذاتيّة؟".
أضاف: "إنّ مصير الاتفاق الموقّع بين الإدارة الذاتيّة والحكومة السوريّة برعاية روسيّة والمتمثّل بالشقّ العسكريّ سيظلّ أسيراً لمدى تنفيذ روسيا والنظام السوريّ معاً ترجمة الاتفاق العسكريّ إلى اتفاق سياسيّ يضمن مصير الإدارة الذاتيّة ويحمي أبناءها من الإبادة، التي يشنّها الأتراك وفصائلهم الإرهابيّة".