ريف حلب الشماليّ، سوريا - على الرغم من افتتاح معبر نصيب/جابر الحدوديّ بين سوريا والأردن في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، إلّا أنّ أعداد اللاجئين السوريّين العائدين من الأردن إلى بلادهم قليلة جدّاً، الأمر الذي يثير تساؤلات عدّة حول الأسباب التي تمنع عودتهم إلى مناطقهم في جنوب سوريا، على الرغم من انتهاء المعارك هناك بين المعارضة وقوّات النظام، وعودة الهدوء، بعد اتّفاقات المصالحات التي جرت برعاية روسيّة مباشرة في منتصف عام 2018.
وبحسب بيان لوزارة الداخليّة الأردنيّة نقلته وكالة عمون الأردنيّة في 17 أيلول/سبتمبر، إنّ عدد السوريّين الذين غادروا أراضي الأردن من خلال مركز نصيب/جابر الحدوديّ على الجانب السوريّ، منذ افتتاحه في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، بلغ نحو 153 ألف شخص، منهم 33 ألف شخص يحملون صفة لاجئ. وأكّدت الوزارة في البيان "التزام الأردن بمبدأ العودة الطوعيّة للّاجئين السوريّين، وتسهيل الإجراءات اللازمة لمغادرتهم المملكة".
التقى "المونيتور" الناشط الإعلاميّ أيمن أبو نقطة، وهو من مدينة درعا في جنوب سوريا، حيث قال: "العدد 153 ألف الذي ورد في بيان وزارة الداخليّة الأردنيّة يشمل كلّ الأشخاص السوريّين الذين دخلوا من المعبر، أعداد كبيرة منهم أتوا من سوريا لزيارة أقاربهم في الأردن، أمّا عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا الذي تحدّث عنه بيان الداخليّة الأردنيّة، وهو 33 ألف شخص، فهو رقم مبالغ فيه، وهو أكثر بكثير من العدد الذي أعلنت عنه المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، التي قالت إنّ 20 ألف لاجئ فقط عادوا من الأردن إلى سوريا منذ 15 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018".
وأضاف أبو نقطة: "لقد شجّع فتح معبر نصيب/جابر الحدوديّ في منتصف تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 عدداً من اللاجئين السوريّين على العودة إلى أماكن سكنهم وبلداتهم في محافظة درعا، لكنّ اعتقال سلطات النظام السوريّ مئات اللاجئين السوريّين بعد عودتهم إلى ديارهم أثار مخاوف اللاجئين، ومن كان منهم ينوي العودة غيّر رأيه خوفاً من أن يلاقي مصيراً مشابهاً، هناك أيضاً أسباب أخرى لا تشجّع اللاجئين على العودة، ومنها الظروف المعيشيّة المتردّية، وغياب الكهرباء والمرافق الصحّيّة والمياه الصالحة للشرب في المدن والبلدات التي ينحدر منها اللاجئون السوريّون في محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سوريا، إضافة إلى الدمار الكبير الذي حلّ في مدنهم وقراهم، والكثير من هؤلاء اللاجئين لا يستطيعون ترميم منازلهم المدمّرة في حال قرّروا العودة، لذلك يفضّل هؤلاء البقاء في الأردن في الوقت الحاليّ، ويضاف إلى الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة، انعدام فرص العمل والبطالة، فالنظام السوريّ لم يتّخذ حتّى الآن أيّ إجراءات جدّيّة تبعث على الطمأنينة وتشجّع اللاجئين على العودة".
يبلغ عدد اللاجئين السوريّين المسجّلين في الأردن 666596 لاجئاً، وذلك وفق المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، لكنّ الأردن يقول إنّه يستضيف قرابة الـ1.3 ملايين سوريّ، وهو العدد الإجماليّ لمن يحملون صفة لاجئ، إضافة إلى من دخلوا الأردن قبل بدء الثورة.
ووفقاً للمتحدّثة باسم المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في الأردن ليلي كارلايل لصحيفة جوردان تايمز في 5 تموز/يوليو، عاد حوالى 20 ألف لاجئ سوريّ إلى سوريا، منذ افتتاح المعبر، منهم حوالى 14 ألف لاجئ عادوا خلال عام 2019، والإحصاء الذي تتحدّث عنه المفوّضيّة هو في الفترة الواقعة بين 15 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 تاريخ افتتاح معبر نصيب/جابر. وبحسب المفوّضيّة، إنّ العديد من اللاجئين السوريّين في الأردن يفضّلون عدم العودة إلى سوريا بسبب خطر التجنيد الإجباريّ للرجال السوريّين، إضافة إلى قلّة الفرص والخدمات.
يقول الناشط المدنيّ أحمد العمّار، وهو من محافظة درعا، إنّ القسم الأكبر من اللاجئين السوريّين في الأردن يقيمون داخل المدن، بينما يعيش في المخيّمات عدد أقلّ منهم، ويتوزّعون على 3 مخيّمات هي مخيّم الزعتري، ومخيّم الأزرق، والمخيّم الإماراتيّ. ويتابع العمّار في حديثه إلى "المونيتور": "غالبيّة اللاجئين الموجودين في الأردن لا يرغبون في العودة، وهم من الفقراء ولا يمكنهم العيش في سوريا في ظلّ الدمار وانعدام الخدمات وقلّة فرص العمل. اللاجئون في الأردن يتدبّرون أمر معيشتهم، أمّا إذا عادوا إلى منازلهم في سوريا فلن يكون حالهم أفضل، ولن يأمّنوا لمكر قوّات النظام وأجهزتها الأمنيّة التي لا توفّر الفرصة للانتقام من هؤلاء البسطاء".
قال أمينة حوراني، وهي معلّمة لاجئة تقيم في إربد في الأردن، لـ"المونيتور": "لا يمكن العودة إلى الديار في ظلّ هذه الأوضاع الأمنيّة في حوران، كلّ من من أعرفهم من اللاجئين الذين عادوا هم الآن نادمون، يعانون من ندرة في الخدمات الأساسيّة، لا وجود للغاز ولا للكهرباء، والبيوت مهدّمة، ولا توجد فرص عمل".
أمّا الناشط المدنيّ أحمد المجاريش، وهو يقيم في العاصمة الأردنيّة عمّان، فقال لـ"المونيتور": "الأردن هو أحد البلدان التي تأثّرت بموجة اللجوء السوريّ منذ بداية الثورة السوريّة في عام 2011، ويعمل النظام السوريّ وحليفته روسيا على إعادة اللاجئين السوريّين المقيمين في الأردن، لأنّ بقاءهم خارج سوريا بعد توقّف المعارك وعودة الهدوء المفترض إلى بلداتهم محرج للنظام وحلفائه، ويرغبان في عودة اللاجئين لإيصال رسالة غير مباشرة إلى المجتمع الدوليّ بأنّ الجنوب السوريّ بات في قبضة النظام وحلفائه وعاد الاستقرار إليه من جديد".
وأضاف المجاريش: "الخوف من التجنيد في صفوف قوّات النظام، هو أكثر الأسباب التي تقلق السوريّين في الأردن وتؤخّر عودتهم، العائلات تخشى على أبنائها من التجنيد، لذلك تفضّل البقاء في الأردن، وأغلب اللاجئين العائدين هم من كبار السنّ، لكنّ الشباب لا يفكّرون نهائيّاً بذلك، خوفاً من الاعتقال والتجنيد".
يرى أبو محمّد ياسين، وهو ناشط مدنيّ ولاجئ يعيش في مخيّم الأزرق في الأردن، أنّ النظام وحليفته روسيا قد بدآ بالسعي إلى عودة اللاجئين منذ أن افتتح المعبر، وقد جنّدوا لهذا الأمر أشخاصاً وجمعيّات لمساعدة من ينوي العودة وتحمّل مصاريف السفارة عنهم أو مساعدتهم على إنهاء المشاكل في السفارة السوريّة في عمّان، وكانت هناك عودة للكثير من اللاجئين في الأشهر الأولى من افتتاح المعبر، ولكنّها توقّفت حتّى باتت نادرة منذ 4 أشهر تقريباً، حين أصبح يأتي من سوريا زوّار إلى الأردن لزيارة أقاربهم اللاجئين هنا ويتحدّثون معهم عن المخاطر الأمنيّة للعودة، والاعتقالات، وتجنيد الشبّان في صفوف قوّات النظام، وغياب الخدمات، وصعوبة المعيشة في بلداتهم في محافظتي درعا والقنيطرة".