ريف حلب الشماليّ – سوريا: أثار توقيع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، في 20 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، على قانون قيصر لحماية المدنيّين في سوريا، جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة السوريّة بمحافظة إدلب وريف حلب. وتركّز الجدل حول مدى تأثير القانون على سلوك النظام السوريّ، وهل في إمكانه التأثير على بنية النظام الأمنيّة والعسكريّة؟ وهل يؤدّي في نهاية المطاف إلى إضعافه وإسقاطه، كما يطلب الشارع السوريّ المعارض؟
قال وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو، في تغريدة عبر "تويتر"، بـ21 كانون الأوّل/ديسمبر: إنّ ترامب وقّع قانون قيصر لحماية المدنيّين لعام 2019، معتبراً ذلك خطوة مهمّة لتعزيز مساءلة نظام الأسد، الذي ارتكب فظائع على نطاق واسع في سوريا.
وكان مجلس الشيوخ الأميركيّ أقرّ قانون قيصر في 17 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019.
ويشمل قانون العقوبات كلّ من يقدّم الدعم العسكريّ والماليّ والتقنيّ إلى النظام السوريّ، من الشركات والأشخاص والدول، بما فيها، روسيا وإيران، ويستهدف كلّ من يقدّم المعونات الخاصّة بإعادة الإعمار.
وتضمّ فقرات القانون أيضاً، البحث في أفضل السبل لتقديم المساعدة إلى السوريّين، مع تقديم الدعم إلى الكيانات المعنيّة بجمع الأدلّة للمحقّقين بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة الحاصلة في سوريا منذ آذار/مارس من عام 2011.
وأطلق على القانون هذا الاسم نسبة إلى المجنّد السوريّ المنشّق عن جيش النظام قيصر، الذي سرّب 55 ألف صورة، في عام 2014، لــ11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام.
تتّفق الأوساط المعارضة على أنّ الإجراء الأميركيّ ضدّ النظام السوريّ جاء متأخّراً. ورغم الترحيب بالقانون من قبل الناس في مناطق المعارضة، إلاّ أنّهم يشكّكون في مدى جديّة الولايات المتّحدة الأميركيّة بتطبيقه ولا يعتقدون أنّ أثره سيكون كبيراً يؤدّي في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام.
وفي هذا الإطار، قالت عبير فارس، وهي ناشطة مدنيّة تعيش في ريف حلب الغربيّ، لـ"المونيتور": "أتمنّى أن تكون هناك جديّة في تطبيقه وأن يكون فاعلاً في محاسبة النظام السوريّ وكلّ مسؤوليه المتورطّين في قتل السوريّين منذ عام 2011".
أضافت: "لا أعلّق آمالاً كبيرة، لأنّ السياسة والمصالح أقوى من القانون وحقوق الإنسان والقيم. يبدو أنّ إصدار القانون هدفه في الدرجة الأولى حماية سمعة أميركا كدولة راعية لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ، ولحفظ ماء الوجه بعد أن تعرّض شعبنا لكلّ هذه المجازر المروّعة ودمّرت بلداته على يدّ النظام الذي هجّر وقتل واعتقل الآلاف في سجونه، من دون أن يفعل المجتمع الدوليّ شيئاً، وعلى رأسه أميركا".
أمّا الدكتور عبد المنعم الحلبي، وهو مدرّس جامعيّ في جامعة غازي عينتاب التركية ينتقل بين غازي عينتاب التركيّة وريف حلب، فقال لـ"المونيتور": "بالتأكيد، ستكون لتطبيق قانون قيصر آثار ومنعكسات كبيرة من النواحي الاقتصاديّة على النظام السوريّ، وسوف تتأثّر الحالة المعيشيّة للناس بشكل كبير أيضاَ، وسوف تمتدّ الآثار الاقتصاديّة على الدول الداعمة للنظام، مثل إيران وروسيا، وربّما الصين".
أضاف: "إنّ المواطن السوريّ البسيط سيكون ضحيّة لقانون قيصر، في حال لم يتمّ اتّباع آليّات تجعل تركيز القانون على إضعاف النظام وألاّ تكون العقوبات موجّهة نحو الشعب السوريّ. قانون قيصر يزيد من احتمالات تفسّخ النظام من الداخل ويتيح فرصاً أكبر لتغييره".
من جهتها، قالت صبا نقير، وهي ناشطة مدنيّة من ريف إدلب، لـ"المونيتور": "أعتقد أنّ قانون قيصر هو مجرّد حبر على ورق، مثله مثل كثير من القرارات والوعود الدوليّة التي سمعنا عنها منذ بداية الثورة السوريّة، فلو أنّها طبّقت بشكل فعليّ لخفّفت كثيراً من معاناة السوريّين وأطاحت بالنظام منذ البداية".
أمّا زهراء محمّد، وهي ناشطة مدنيّة ومهجّرة من ريف دمشق وتعيش في ريف حلب، فقالت لـ"المونيتور": "إنّ قانون قيصر لا يعوّل عليه لمعاقبة النظام السوريّ، فالقانون هو أداة ضغط سياسيّة واقتصاديّة على النظام وحلفائه، وليس أداة قضائيّة بمعنى إلقاء القبض على أشخاص ومحاكمتهم".
وعن مدى الضرر الذي سيلحق بالمواطنين السوريّين في حال تمّ تطبيق القانون، قالت زهراء محمّد: "لن يكون واقع السوريّين أسوأ ممّا هم عليه الآن. إنّ السوريّين البسطاء، الذين يعيشون في مناطق النظام والمعارضة، جميعهم يعانون من الفقر الشديد أصلاً، ولن يجدوا فرقاً كبيراً في مستوى معيشتهم بعد تطبيق القانون".
والتقى "المونيتور" الناشط الإعلاميّ إبراهيم الخطيب، المقيم في ريف حلب، والذي قال: "أعتقد أنّ قانون قيصر سيؤثّر حتماً على النظام ويؤدّي إلى إضعافه. وأعتقد أيضاً أنّ الأثر لا يمكن أن يظهر، إلاّ على المدى البعيد".
أمّا شريف الحلبي، ناشط إعلامي يقيم الآن في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي قال ل"المونيتور": "إنّ القانون جيّد، ولكن هذا النظام لا يمكن إسقاطه وإيقاف جرائمه من خلال العقوبات، فهذا النظام يشبه النظام الإيرانيّ. نخشى أن يتمّ التحايل على القانون من قبل الدول الداعمة للنظام، كروسيا وإيران والصين. وبالتّالي، لن يكون للقانون أثر فعليّ".
بدوره، قال ممتاز أبو محمّد، ناشط سياسي، وهو الآن موجود في إعزاز في ريف حلب الشمالي، ل"المونيتور": "إنّ القانون هو عصا في يدّ الأميركيّين. وهنا السؤال المهمّ، هل ستكون هناك آليّة تطبيق للقانون بحيث تطال العقوبات بنية النظام أم أنّ أثره سيكون بشكل أكبر على المواطنين السوريّين الفقراء؟ ننتظر لنرى كيف سيتمّ تطبيقه، وما هي الآليّات التي ستتّخذها الإدارة الأميركيّة في هذا الإطار؟".
والتقى "المونيتور" وزير الماليّة والاقتصاد في الحكومة السوريّة المؤقّتة التابعة للمعارضة الدكتور عبد الحكيم المصريّ قال للمونيتور ، الذي قال: "إنّ القانون يفرض العقوبات على النظام لمدّة خمس سنوات. ومن المفترض أن يؤثّر على مصادر التمويل والطاقة والنقل، وسيكون له تأثير إذا تمّ تطبيقه بشكل صحيح وإذا كانت هناك إرادة أميركيّة حقيقيّة لمعاقبة النظام. يعرفون كيف يتحايل النظام على العقوبات، فإذا لم يكونوا جادّين سيبقى حبراً على ورق".
أضاف: "إنّ النظام يستورد لوازمه بغالبيّتها. وبالتّالي، سيتأثّر حتماً بالقانون، أيّ أنّ نظامه سيصاب بالشلل. وإنّ نجاح القانون في إضعاف النظام يرتبط بجديّة الولايات المتّحدة بتطبيقه. نحن في سوريا لم نلمس أيّ خطوة جديّة من قبل المجتمع الدوليّ، في حين يواصل حليفا النظام، روسيا وإيران، في دعمه لارتكاب مجازر وتدمير ما تبقّى من سوريا".