فور الإعلان في 13 شرين الأول/ أكتوبر 2019 عن التوصّل إلى اتّفاق بين قوّات سوريا الديمقراطيّة "قسد" وقوّات النظام السوريّ بإشراف روسيّ، وذلك على تسليم أجزاء من مناطق كانت تحت سيطرتها إلى الجيش السوريّ، توجّه قوّات نظاميّة سوريّة للانتشار حول آبار النفط في أرياف الرقّة لتأمينها.
ولقد لعبت موافقة قوات (قسد) في 27 تشرين الأول/ أكتوبر على الانسحاب من الشريط الحدودي مع تركيا وبعمق 30 كيلو متراً، تطبيقاً لاتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو، دوراً في فتح المجال مباشرة للجيش السوري للانتشار عبر الحدود على مسافة 90 كيلو متراً على مساحة ممتدة من ريف مدينة رأس العين الشرقي في الغرب، حتى القامشلي شرقًا.
وبعدما أصبحت محافظات حمص وحماة وأجزاء من ريف الرقّة في اتّجاه الصحراء حتّى نهر الفرات شرقاً وحدود العراق تحت سيطرة النظام، باتت حقول النفط والغاز في هذه المنطقة التي تعرف بـ"المثلّث"، تحت إشراف وزارة النفط، التي تعمل حاليّاً على إعادة تهيئتها وإعمارها وإطلاقها للاستثمار بعد تعرضها للقصف والتخريب.
في حين لا تزال حقول النفط في شرق نهر الفرات وأكبرها الرميلان والعمر والسويديّة تحت إشراف "قسد"، وترغب واشنطن في نشر المزيد من قوّاتها في هذه الحقول لحمايتها من تنظيم "داعش"، ممّا يعني أنّ فرص النظام بفرض سيطرته عليها غير قريبة.
لذلك، فإنّ التوجّه الجديد للنظام هو بتعزيز السيطرة على حقول النفط التي بين يديه في وسط البلاد وحول الرقّة.
ويؤكد معاون وزير الطاقة السابق في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، عبد القادر العلاف، للمونيتور على أنه ورغم مساعي النظام لإصلاح الحقول التي تحت سيطرته وعرضها على الاستثمار المحلي أو الدولي إلا أنه "سيبقى بحاجة للاستيراد (النفط) لتأأمين حاجة السوق بشكل دائم حتى لو تم استثمار حقول النفط التي تحت سيطرته، لكن بالنسبة للغاز فيمكن له أن يؤمن الاكتفاء الذاتي عبر تأمين حاجات محطات توليد الكهرباء في مناطق سيطرته وبالتالي توفير الكهرباء".
وفق تقرير "بريتش بتروليوم" BP Statistical Review of World Energy لعام 2019، كان إنتاج سوريا من النفط 406 آلاف برميل يوميّاً في عام 2008، وبلغ 353 ألف برميل عندما اندلعت الاحتجاجات في عام 2011، وتراجع إلى 24 ألف برميل يوميّاً في عام 2018. وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي من 7.4 مليار متر مكعب عام 2011 إلى 3.6 مليار متر مكعب عام 2018.
في تصريح أمام البرلمان في أوائل أكتوبر اشار وزير النفط علي غانم إلى أنه تم مؤخرًا إعادة تشغيل العشرات من آبار الغاز القديمة مما أدى إلى زيادة في الإنتاج.
في مقابلة مع سوريا الإخبارية في كانون الثاني (يناير) كان غانم قد أشار إلى أن الخسائر خلال السنوات الثماني الماضية بلغت حيث تحتاج البلاد يوميّاً إلى 100 برميل نفط خام، ممّا خلق حاجة إلى الاستيراد من الخارج وفاتورة يوميّة قيمتها 8.8 ملايين دولار يوميّاً (نحو 4.4 مليارات ليرة) فيما تبلغ قيمة العقود السنوية لاستيراد المشتقات النفطية نتيجة نقص الإنتاج ومن أجل تلبية الطلب 1.2 مليار دولار.
وبالتالي، أجبرت الحكومة على الاعتماد على الاستيراد، وتمّ اللجوء في شكل أساسيّ إلى إيران العام 2013 ، "حيث تبلغ صادرات إيران النفطيّة (المشتقّات) إلى سوريا يوميّاً في حدود الـ110 آلاف برميل عبر البرّ والبحر"، وفق ما يقوله الباحث القتصاديّ الدكتور ناصر التميمي من لندن لـ"المونيتور".
وبحسب تقديرات العلاف فإن "النظام يسيطر فقط على 10% من مجمل آبار وحقول النفط في عموم سورية".
ويأتي هذا مع سعي رسميّ إلى استقطاب شركات أجنبيّة أو مشغّلين ومتعهّدين للعمل في هذه الحقول، حيث نظّم معرض للنفط والغاز في دمشق برعاية وزارة النفط وتحت عنوان "معرض سورية الدوليّ للبترول-سيربترو 2019" بين 26 و29 تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ. وتمّ عرض فرص استثماريّة ومشاريع في مجالات الطاقة والنفط.
يهدف المعرض إلى مساعدة المستثمرين في تحديد المتطلّبات المستقبليّة للمشاريع البتروليّة في سوريا وخطط البلاد على المديين القريب والبعيد والأولويّات الاستراتيجيّة والمخطّطات الرئيسيّة لقطاع النفط.
كما ساهمت موجات العقوبات الغربيّة من الاتّحاد الأوروبّيّ والولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ النظام السوريّ منذ عام 2011 على خلفيّة التعامل العنيف مع المحتجّين، إلى تقليص إمدادات الحكومة السوريّة من القطع الأجنبيّ عبر تصدير النفط، حيث تنصّ العقوبات التقييديّة على حظر الاستثمار في صناعة النفط السوريّة.
إنّ السيطرة على منطقة مثلّث الإنتاج النفطيّ والغازيّ وسط البلاد، وإعادة إصلاح آبارها، وإطلاق يد الاستثمار المحلّيّ أو الأجنبيّ للبدء بالإنتاج، قد تكون كفيلة بتأمين شريان إمداد ماليّ جديد للنظام، وتخفيض تكاليف الاستيراد. لكنّ الدكتور التميمي يرى أنّ حجم إنتاج النفط في سوريا ليس مغرياً لكبريات الشركات العالميّة حتّى تأتي بسهولة، مقارنة بدول أخرى مثل العراق، حيث ارتفعت إنتاجيّة بغداد خلال عقد نحو 1.5 ملايين برميل يوميّاً، وأصبح الإنتاج 4.5 ملايين برميل في آب الماضي، وهو الآن ثاني أكبر منتج في منظّمة "أوبك"، في حين قد يبلغ إنتاج سوريا 100 ألف برميل يوميّاً في أفضل الأحوال، إذا دخلت شركات صينيّة أو روسيّة.
واعتبر التميمي أنّ الأقرب إلى تنفيذ هذه الاستثمارات -إن تمّت- هم الصينيّون لأنّهم أساساً يعملون في سوريا من قبل، وكانت لديهم استثمارات في النفط، ولديهم خبرة في إدارة استثمارات في مناطق شهدت حروباً أهليّة ونزاعات مثل أفريقيا.
فق ما نقلت وكالة أنباء سانا الرسمية في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2019 عن القائم بأعمال السفارة الصينية في دمشق، ما شيو لينغ تتطلع الصين للمشاركة في عمليات إعادة إعمار سورية بعد الحرب، يدرس البلدان العقود الملائمة. وشدد ما شيو لينغ أن بلاده مستمرة بتقديم المساعدات الإنسانية والمالية لسورية، بما فيها تدريب الكوادر البشرية اللازمة لإعادة الإعمار.
لا يرجّح التميمي أن تكون هناك شركات دوليّة مهتمّة بالاستثمار حاليّاً من دون وجود حلّ سياسيّ للنزاع القائم، وخصوصاً أوروبّيّة وأميركيّة، وبالتالي الخيار بالنسبة إلى النظام هو دعوة الشركات الروسيّة والصينيّة، وإنجاح مثل هذا الاستثمار يحتاج إلى وقت، لأنّ الاستثمار يتطلّب أن تكون المنطقة كلّها مؤمّنة، فضلاً عن أنّ الحقول متضرّرة ولا توجد لدى النظام إمكانات تكنولوجيّة متقدّمة لإصلاحها.
ويرى التميمي أنّ "أيّ زيادة في إنتاج النفط أو الغاز سيكون في صالح النظام لأنّه يخفّض فاتورة الاستيراد من الخارج، ويقلّل الاعتماد على إيران التي يهمّها أن يقف النظام على قدميه ويكون قويّاً ماليّاً وسياسيّاً، على اعتبار أنّ سوريا الآن تستنزف إيران، وإذا عاد النظام إلى مستويات إنتاج تحقّق اكتفاء ذاتيّاً له، فهذا مكسب للجميع أي النظام وداعميه.