سوريا — شهدت الليرة السوريّة في الآونة الأخيرة انهياراً غير مسبوق ﺃﻣﺎﻡ ﺍلدولار الأميركيّ ﻭﺍﻟﻌﻤﻼﺕ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴّﺔ، ﻭﺳﻂ ﺗﺮﺩّﻱ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳّﺔ في ﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡّ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﺑﻌﺪ 9 ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱّ.
فخلاﻝ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﻭﺍﺣﺪ، ﺍﻧﺨﻔﺾ ﺳﻌﺮ صرف ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ في شكل كبير، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﻳﺴﺎﻭي 500 ﻟﻴﺮﺓ مع نهاية نوفمبر الماضي، ﻟﻴﺮﺗﻔﻊ خلال فترة وجيزة وتحديداً مع بداية ديسمبر الجاري، ﺇﻟﻰ ﻧﺤﻮ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ، ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار البضائع والسلع كافّة، وزاد من معاناة اﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ كافّة.
أمام واقع التهاوي السريع لسعر العملة السوريّة، يشهد بعض محلّات ﺍﻟﺼﺮﺍﻓﺔ ﺇﻏﻼﻗﺎﺕ ﻭﺍﻣﺘﻨﺎﻋﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻴﻊ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، مع ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻱّ ﻣﺆﺷّﺮﺍﺕ إﻠﻰ ﺗﺪﺧّﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺯﻱ ﻣﻊ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠّﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺪّﻟﻮﻥ ﺣﺘّﻰ ﻣﺪّﺧﺮﺍﺕ ﺑﺴﻴﻄﺔ.
يقول مصطفى الحاج أحمد، وهو صاحب شركة لتصريف العملات في الشمال السوريّ: "ﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ أمر ﻃﺒﻴﻌﻲّ، في ظلّ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﻲّ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱّ"، مبيّنا أنّ الصرّافين يمتنعون عن بيع الدولار مع توقّعاتهم بمزيد من الانهيار، ويفضّل الناس الاحتفاظ بعملتهم الصعبة، ممّا أدّى إلى زيادة الطلب عليها وارتفاع إضافيّ في قيمتها.
ﺗﺰﺍﻳﺪﺕ ﻣﺨﺎﻭﻑ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱّ ﻣﻦ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ، ﻭﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻋﺔ ﻭﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻷﻣﺎﻥ، ﻭﺍﺷﺘﻌﻠﺖ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ الاجتماعيّ، سواء ﻓﻲ مناطق سيطرة ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ أم المعارضة، ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﺚ عن الأﺳﺒﺎﺏ، ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺍﺟﻬﻬﺎ المواطنون السوريّون، حيث بات الحدﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﻴﻦ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲّ ﺍﻟﻄﺎﻏﻲ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺀﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺨﺎﺻّﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣّﺔ، ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﻟﺒﻴﻮﺕ، ﻓﻤﺎ ﻋﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺗﺠﻨّﺐ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍته، ﺃﻭ ﺍﻻﺩّﻋﺎﺀ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻻﻛﺘﺮﺍﺙ.
ﺍﺿﻄﺮّ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺘﺎﺟﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﻏﻼﻕ ﺃﺑﻮﺍب محالهم التجارية ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺘﺬﺑﺬﺏ ﺍﻟﺤﺎﺩّ ﻓﻲ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﻴﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﺸّﻒ لوقوعهم ﺗﺤﺖ ﺧﻂّ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﺍﻟﻤﺪﻗﻊ.
وﺍﻧﻌﻜﺲ ﺗﻬﺎﻭﻱ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴّﺔ ﻭﺗﺪﻫﻮﺭ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻲّ، ﻭﺷﻬﺪﺕ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺤﻠّﻴّﺔ ﺍﺭتفاعاً ﺣﺎﺩّاً ﻓﻲ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﺭﺩﺓ ﺧﻼﻝ ﺍﻷﻳّﺎﻡ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، بما فيها ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴّﺔ.
يشكو المواطن أحمد الحسين، من ريف حلب، من غلاء ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴّﺔ ﻭﺭﻓﻊ ﺃﺳﻌﺎﺭﻫﺎ، ﻭﻻ ﺳﻴّﻤﺎ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴّﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴّﺔ، فيقول لـ"المونيتور": "ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ مستمرّ، ﺑﺴﺒﺐ طمع ﺍﻟﺘﺠّﺎﺭ ﻭحالة الفلتان الأمنيّ ﻭﺍﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺗﻨﺎﻣﻲ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ".
ﻣﻦ جانبه، يبرّر التاجر أبو أيمن من مدينة إدلب سبب ارتفاع الأسعار بقوله لـ"المونيتور": "ﺍلغلاء ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﺎﻁ عدّة، ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺘﻬﺎ ﺗﺪﻧّﻲ ﺳﻌﺮ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ، وﻓﻮﺿﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻻﻧﻔﻼﺕ، ﻭﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻭﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ وطمع التجار، إضافة إلى دﻓﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ بعض ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺰ ﻟﻨﻘﻞ ﺍﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺇﻟﻰ المناطق ﺍﻟﻤﺤﺮّﺭة، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﻠﻔﺔ ﺍﻟﻮﻗﻮﺩ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺎﺕ، وﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ".
ويضيف: "نحن كتجّار ﻣﺠﺒﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻊ ﺛﻤﻦ ﺍﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﺑﺎﻟﺪﻭﻻﺭ، ﻟﻜﻦ ﺑﻀﻌﻔﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻋﻤّﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈنّنا سنرفع ﺃﺳﻌﺎﺭنا ﻟﻌﻤﻼئنا".
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺼﺎﻏﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺃﻋﺰﺍﺯ في ﺷﻤﺎل ﺣﻠﺐ، ﻗﺪ ﺃﺻﺪﺭﺕ ﺑﻴﺎﻧﺎً في 3 كانون الأول / ديسمبر الجاري، ﺃﻋﻠﻨﺖ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺗﺴﻌﻴﺮ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴّﺔ، وذلك في ظلّ تدهور الليرة السوريّة.
يتحدّث المسؤول الإداريّ في نقابة الصاغة عبدالله أبو زيد إلى "المونيتور"، قائلاً: "بعد استعراض ما يحدث من تقلّبات في أسعار صرف الليرة السوريّة أمام باقي العملات، وبعد التدهور الحادّ في قيمة العملة السوريّة المتداولة، تمّت الدعوة إلى اجتماع طارئ لجميع صيّاغ مدينة أعزاز، وتمّ عرض الأحداث والحلول، فتمّ الاتّفاق على أنّ سعر الذهب يؤخذ من سعر الأونصة العالميّة، وهي بالدولار، فتمّ وضع معادلة لتحويلها إلى الليرة التركيّة، وتمّ التصويت على القرار وإقراره بموافقة جميع الصيّاغ، كما تواصلنا مع جميع صيّاغ منطقة ريف حلب الشمالي، وتمّ العمل بالليرة التركيّة في مناطق الباب وعفرين نعم للذهب فقط، وهناك بعض المناطق التي تسعّر بالدولار".
من جانبه، تحدّث الخبير الاقتصاديّ الدكتور عبد الحكيم المصري لـ"المونيتور" عن أسباب انهيار الليرة السوريّة، قائلاً: "تراجعت قيمة الليرة السوريّة بسبب الخلل في الاقتصاد السوريّ، نتيجة تراجع الناتج المحلّيّ والعجز في الموازنة خلال سنوات الحرب".
ﻭﺃﺿﺎف أﻥّ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺘﻔﺎﻗﻢ ﻓﻲ ﻇﻞّ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺃيّ ﺣﻠﻮﻝ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺪ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ، ﻣﺸﻴﺮاً ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱّ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺗﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘّﺨﺬ ﺃيّ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻋﻤﻠﻴّﺔ ﻟﻮﻗﻒ ﺍﻟﻨﺰﻳﻒ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲّ، كما ازدادت ﺍﻟﻀﻐﻮﻁ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻐﻠﻴﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲّ ﻭالاضطرابات وﺣﺎلة ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ لبنان وﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﻷﻧّﻬﻤﺎ من ﺍﻟﺪﻭل التي كانت تدعم ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮﻭﺽ ﻭﺨﻄﻮﻁ ﺍﻻﺋﺘﻤﺎﻥ.
تتفاقم ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺭيّ، ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳّﺔ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﻌﻤﻼﺕ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴّﺔ، ﻭﺗﺴﺘﻤﺮّ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴّﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ في ﺼﻮﺭﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ، إلى درجة أنّ المواطن بات عاجزاً عن تأمين احتياجاته اللازمة لاستمرار الحياة.