ريف حلب الشماليّ، سوريا — يبدو أنّ وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع التركيّة في 10 كانون الثاني/يناير من عام 2020، ودخل حيّز التنفيذ في 12 كانون الثاني/يناير، لن يصمد طويلاً بعد الخروقات المتكرّرة من قبل قوّات النظام وقصفها مناطق سيطرة المعارضة في إدلب جوّاً وبرّاً وارتكابها مجازر مروّعة آخرها في 16 كانون الثاني/يناير أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 100 مدنيا.
إنّ العودة للقصف وعودة المعارك المحتملة تثير تساؤلات ملحّة حول قدرة المعارضة، وبشكل خاص هيئة تحرير الشام التي تعتبر القوّة العسكريّة الأكبر في محافظة إدلب، على المواجهة ومنع تقدّم قوّات النظام.
وكان أبو خالد الشامي المتحدّث العسكريّ باسم الجناح العسكريّ في تحرير الشام صرّح لشبكة "الدرر" الشاميّة حول موقف تحرير الشام من وقف إطلاق النار مع قوّات النظام، وقال: "نعلن من طرفنا رفع الجاهزيّة على الصعد كافّة، استعداداً لصدّ العدوان المرتقب"، أيّ أنّ هيئة تحرير الشام تتوقّع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في أيّ لحظة.
وتعيد التطوّرات الميدانيّة، قصف قوات النظام وروسيا، والمعارك في جبهات محافظة ادلب، الجدل إلى أوجّه في أوساط المعارضة حول الخطاب المرئيّ لقائد تحرير الشام أبو محمّد الجولاني، والذي كان بعنوان "حرب تحرّر واستقلال" وبثّ في 25 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019 وبدا فيه منفصلاً عن الواقع، بحسب ما علّق بعض ناشطي المعارضة.
بدا خطاب أبو محمّد الجولاني مختلفاً هذه المرّة، إذ ابتعد فيه عن اللهجة التقليديّة التي يستخدمها الجهاديّون عادة، فتكلّم بسرعة وبلغة سهلة وبسيطة، وكان جزء من حديثه موجّهاً إلى دول الخليج العربيّ وتركيا والولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو ما تمّ اعتباره رسائل يحاول إيصالها بهدف بناء تحالفات مصلحيّة. هذه الرسائل تضمنت مثلا أن فصيله الجهادي أصبح مرناً ولم يعد مرتبطاً في تنظيم القاعدة وهو يقاتل لأجل تحرير سوريا من المحتلين الروسي والإيراني، ولا يتطلع إلى القتال خارج سوريا.
ولم يخض الجولاني في أيّ تفاصيل داخليّة عن المعركة والتطوّرات الميدانيّة في محافظة إدلب، واكتفى بالتركيز على البعد الجيو سياسيّ للصراع في المنطقة، في الوقت الذي كانت فيه قوّات النظام تهاجم في الميدان وتقضم المزيد من المناطق في منطقة معرّة النعمان بريف إدلب الجنوبيّ - الشرقيّ، خلال العمليّة العسكريّة التي بدأتها في 20 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019 وسيطرت خلال وقت قياسيّ على عدد كبير من القرى في جنوب شرق إدلب، من بينها بلدة جرجناز.
وأشار الجولاني في خطابه إلى أنّ سوريا "قد تجاوزت مرحلة إسقاط النظام، وباتت في حرب تحرّر واستقلال من الاحتلالين الروسيّ والإيرانيّ"، وقال: "إنّ أسباب النصر والهزيمة تكمن بداخلنا، بذواتنا وإيماننا واستعدادنا الدائم للتضحية والفداء، وإقلاعنا عن المعاصي وتوبتنا إلى الله".
وأشار إلى أنّ "العالم بأسره سيتحمّل نتائج هذه الحرب وتبعاتها الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة التي ستخلط الأوراق الدوليّة وإعادة توزيع قوى المنطقة من جديد"، وقال: "إنّ النظام بشكله السابق قد ولّى بغير رجعة بإذن الله، فقد انتصرت الثورة عليه في نواحٍ متعدّدة، ففكّكت جيشه، وأظهرت خور قواه الأمنيّة، وحطّمت اقتصاده، فبات فاقداً لأهليّة إدارة البلاد، فضلاً عن شرعيّته".
أضاف: "النظام كالدمية يتلاعب به المحتلّ الإيرانيّ والمحتلّ الروسيّ الذي يسعى إلى تأمين مواقعه على البحر المتوسّط، بغرض نهب ثروات المنطقة ولعب دور فعّال في الصراعات الدائرة هناك".
وأشار إلى "أن العاقبة لأصحاب الأرض دائماً وأبداً، لأنّهم اختاروا مواجهة المحتلّ، وبذلوا مهجهم في سبيل تحرّرهم"، وقال: إنّنا تجاوزنا مرحلة إسقاط النظام، وبتنا في حرب تحرّر واستقلال من احتلال روسيّ - إيرانيّ غاشم يستهدف ديننا وأرضنا وثرواتنا".
وقال المنسّق الإعلاميّ في الجيش الوطنيّ التابع للجيش الحرّ يحيى مايو لـ"المونيتور": "إنّ خطاب قائد تحرير الشام غير منطقيّ، تحدّث عن حرب تحرّر واستقلال، وفي واقع الأمر لا تبدي الفصيلة الإسلاميّة التي يقودها المقاومة المفترضة أمام قوّات النظام في جبهات إدلب، والتي تواصل قضمها المناطق واحدة تلو الأخرى، فلا تفيد هذه الخطابات الرنّانة ولن توقف تقدّم قوّات النظام".
والتقى "المونيتور" الناشط الإعلاميّ منذر طعمة، وهو من ريف محافظة إدلب، والذي قال: "إنّ هيئة تحرير الشام وقائدها لا يهتمّان لأمر إدلب، وليسا حزانى على سقوط المناطق في قبضة قوّات النظام، بدا ذلك واضحاً في خطاب الجولاني الأخير. الناس هنا يريدون من يدافع عنهم وعن أراضيهم ويطمئنهم ويقدّم إليهم المساعدة، وليسوا في حاجة إلى خطابات وكلام إنشائيّ، الأوساط الشعبيّة في إدلب انتقدت الكلمة واعتبرتها تعبيراً واضحاً عن انفصال تحرير الشام وقيادتها عن واقع الأحداث الميدانيّة، ولا يمكن أن يعوّل عليها في المواجهات المقبلة مع قوّات النظام".
أمّا الناشط الإعلاميّ عبد الفتّاح الحسين، الذي يتواجد في ريفيّ حلب وإدلب، يعمل مع منظمات مدنية وإنسانية، وكذلك لدى شبكات إخبارية محلية رفض الكشف عن اسمها فقال لـ"المونيتور": "إنّ الخطابات التي تهدف إلى رفع معنويّات المقاتلين والناس بمناطق المعارضة في هذا الوقت العصيب هي أمر جيّد، ولكن عندما يخرج هذا الخطاب من عامّة الناس، وليس من قائد فصيلة عسكريّة تسيطر على جبهات القتال بغالبيّتها مع قوّات النظام. الناس هنا توقّعوا أن يتحدّث قائد تحرير الشام عن سبب خسارة المناطق لصالح قوّات النظام والخطط الدفاعيّة والهجوميّة المفترضة لكي يطمئنّوا، ولم يكونوا في حاجة إلى خطاب لا يتحدّث عن واقعهم".
بدوره، قال عضو المكتب السياسيّ في لواء السلام بالجيش الوطنيّ التابع للجيش الحرّ هشام سكيف لـ"المونيتور": "يبدو أنّ اختيار عنوان خطاب قائد تحرير الشام، حرب تحرّر واستقلال، لم يكن عبثيّاً، فهو بمثابة التحوّل البراغماتيّ الواضح لهذه الفصيلة الجهاديّة، وتمّ تحميل الخطاب العديد من الرسائل، من بينها، أنّ هيئة تحرير الشام باتت تحمل هويّة حركة تحرّر وطنيّة، ولم تعد فصيلة جهاديّة، ومعنى ذلك أنّها أصبحت تستمدّ شرعيّتها من الشعب المقاوم، وليس من مرجعيّة دينيّة جهاديّة".
أمّا الناشط الإعلاميّ حسين ناصر من ريف حلب الذي كان مديراً لمركز محاربة الفكر المتطرف في ريف حلب الشمالي فقال لـ"المونيتور": "ذكر قائد تحرير الشام في خطابه القوّات الروسيّة والإيرانيّة كقوتيّ احتلال للأراضي السوريّة، مستثنياً بذلك القوّات الأخرى، وعلى رأسها القوّات الأميركيّة والتركيّة، ولم يذكر إسرائيل. وبذلك، يبدو أنّه مستعدّ ضمنيّاً للتعاون مع القوى الدوليّة التي لديها مصلحة في إضعاف روسيا وإيران".