ريف حلب الشماليّ، سوريا — تحت عنوان "استبدال تداول الليرة السوريّة في المناطق المحرّرة... التحدّيات والآليّات المقترحة"، أقامت الحكومة السوريّة المؤقّتة التابعة للمعارضة في 9 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، ندوة حواريّة في مقرّ جامعة "الشام العالميّة" بمدينة إعزاز في ريف حلب الشماليّ، حضرها وزير الاقتصاد والماليّة في الحكومة المؤقّتة الدكتور عبد الحكيم المصريّ وعميد كليّة الاقتصاد والإدارة في جامعة الشام الدكتور معروف الخلف.
وأتت الندوة الحواريّة، في إطار سعي الحكومة السوريّة المؤقّتة التابعة للمعارضة إلى استبدال العملة السوريّة المتداولة في المناطق الخارجة عن سيطرة قوّات النظام، والتي تخضع لسيطرة الجيش الحرّ - شماليّ سوريا، بالعملة التركيّة، وذلك بعد الانهيار الكبير في أسعار صرف الليرة السوريّة أمام الدولار الأميركيّ وبقيّة العملات الأجنبيّة، الأمر الذي سبّب أزمة معيشيّة كبيرة بالنّسبة إلى المواطنين السوريّين وارتفاعاً كبيراً في أسعار الموادّ التموينيّة.
وتراجعت أسعار صرف الليرة السوريّة، في 9 كانون الأوّل/ديسمبر، إذ وصل سعرها إلى 800 ليرة سوريّة تقريباً مقابل الدولار الواحد، وهو سعر متذبذب صعوداً وهبوطاً، وسجّلت الليرة السوريّة قمّة انهيارها أمام الدولار الأميركيّ بداية كانون الأوّل/ديسمبر، حيث وصل الصرف إلى 950 ليرة سوريّة مقابل الدولار الواحد.
مساعي استبدال العملة جاءت في تصريح لرئيس الحكومة المؤقّتة عبد الرحمن مصطفى، عبر حسابه الرسميّ على "تويتر"، في 8 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، إذ أشار إلى أنّ حكومته سوف تضخّ عملة تركيّة من فئة 5 و10 و20 ليرة تركيّة في الأسواق شماليّ سوريا خلال الفترة المقبلة، وذلك بغية الحفاظ على القوّة الشرائيّة للإخوة المواطنين وحماية أموالهم وممتلكاتهم وتسهيل التعاملات اليوميّة.
وسبق أن أصدر المجلس المحليّ في مدينة إعزاز بريف حلب الشماليّ، في 2 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، قراراً قضى بالتعامل بالليرة التركيّة في تعاملات الذهب، وذلك بسبب انهيار الليرة السوريّة، وتوقّف الصرّافين عن التداول بالدولار في أرياف محافظة حلب.
التقى "المونيتور" مدير المكتب الإعلاميّ في المجلس المحليّ لمدينة إعزاز نسيم زكي أبو فاروق، الذي قال: "إنّ القرار الخاص باستبدال تعاملات بيع وشراء الذهب بالليرة التركيّة، بدلاً من السوريّة، جاء نتيجة الانهيار الكبير في سعر الليرة السوريّة مقابل الدولار الأميركيّ. ومن الطبيعيّ أن تتوجّه الفاعليّات الاقتصاديّة المحليّة إلى استبدال العملة".
وكذلك، التقى "المونيتور" الدكتور عبد الحكيم المصريّ، الذي قال: "إنّ عمليّة استبدال التداول في الليرة السوريّة ضروريّة جدّاً لتلافي حالة الإفقار القسريّ، التي تأكل مدخّرات المواطنين في مناطق سيطرة الجيش الحرّ وتتلاعب في لقمة عيشهم".
أضاف: "قام النظام السوريّ بإصدار عملة نقديّة من دون غطاء إنتاجيّ، الأمر الذي أدّى إلى انهيار سعر صرف الليرة السوريّة، مقابل العملات الأخرى، وإلى ارتفاع الأسعار وحدوث تضخّم".
وتابع: "قد يصل سعر صرف الليرة إلى 2000 ليرة مقابل الدولار الواحد، وأهمّ المبرّرات التي تدعونا إلى استبدال الليرة السوريّة بالليرة التركيّة، هو انهيار الليرة وعدم استقرارها وتذبذبها وخسارتها 95 في المئة من قيمتها، وهذا ينعكس سلباً على الناس والفقراء. إنّ العقوبات الاقتصاديّة على النظام السوريّ تتسبّب بانحسار الطبقة المتوسّطة لتنضمّ إلى غالبيّة نزلت دون خطّ الفقر لصالح قلّة من الأغنياء. إنّ استبدال العملة من قبل الحكومة المؤقّتة هو جزء من برنامج عملها".
وأردف: "في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحرّ، هناك شريحة واسعة من الموظّفين تحصل على رواتبها بعملات غير العملة السوريّة، كالدولار والليرة التركيّة، وهذا ما سيساعدنا في عمليّة استبدال الليرة السوريّة بالليرة التركيّة. ومثال على ذلك، موظّفو الحكومة السوريّة المؤقّتة من أساتذة الجامعات والمدرّسين والأطبّاء والشرطة والجيش الحرّ، جميعهم يتقاضون رواتبهم بالليرة التركيّة، فهؤلاء عندما يقومون بتصريف رواتبهم إلى الليرة السوريّة، يتعرّضون لخسارات كبيرة".
وأشار عبد الحكيم المصري إلى أنّ "هناك صعوبات قد تواجه عمليّة استبدال الليرة السوريّة، وهي عدم وجود كتلة نقديّة بالدولار والليرة التركيّة في المناطق الخاضعة للجيش الحرّ، إضافة إلى استمرار وجود تبادلات تجاريّة مع النظام السوريّ. وكذلك، عدم وجود بنك مركزيّ وسياسة نقديّة وعدم وجود رقابة على مكاتب الصرافة. كما أنّ وعي وإدارك السوريّين في مناطق سيطرة الجيش الحرّ لأهميّة هذه العمليّة سيساهم في إنجاحها".
وقال الناشط الاقتصاديّ إبراهيم التادفي، وهو من إعزاز في ريف حلب الشماليّ، لـ"المونيتور": "أعتقد بأنّ استبدال العملة السوريّة بالليرة التركيّة بات ضرورة، والأفضل أن يكون بديل الليرة السوريّة هو الليرة التركيّة لأنّ تركيا الشريك التجاريّ الأكبر مع مناطق الجيش الحرّ في الشمال السوريّ. وكذلك، إنّ استبدال العملة السوريّة بالتركيّة سوف يحافظ على أموال المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحرّ من القطع الأجنبيّ، والتي كانت تتدفّق إلى خزانة النظام السوريّ، عبر بعض التجّار وأصحاب محال الصرافة، ويستفيد منها النظام ليبقى متماسكاً ومستمرّاً في حربه ضدّ الثورة السوريّة، أيّ أنّنا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام نساهم في بقائه بشكل غير مباشر".
أضاف: "أعتقد أنّ تركيا تشجّع مثل هذه الخطوة، ولن تعارضها، فهي تدفع رواتب الموظّفين في مناطق سيطرة الجيش الحرّ في ريف حلب بالليرة التركيّة".
بدوره، قال محمود وهب، وهو عامل في محلّ للصرافة بمدينة إعزاز، لـ"المونيتور": "أنا أشجّع استبدال العملة السوريّة في مناطق سيطرة الجيش الحرّ بالعملة التركيّة، فهي أكثر استقراراً وتضمن للمواطن ماله وقدرته الشرائيّة، وتمنع التلاعب في أسعار الموادّ الغذائيّة بالأسواق".
أمّا ماهر سوّاح، وهو ناشط مدنيّ، من مدينة الباب في ريف حلب الشماليّ - الشرقيّ، فقال لـ"المونيتور": "أنا ضدّ استبدال العملة السوريّة، إنّها مغامرة غير مضمونة، وقد يصبح الوضع بالنّسبة إلى الفقراء ومحدودي الدخل أكثر كارثيّة من الوضع الراهن، في حال تمّ استبدال العملة وتداول العملة التركيّة، بدلاً من السوريّة".