مدينة غزة، قطاع غزة — قرّرت وزارة الاقتصاد الوطنيّ التابعة لـ"حماس" في غزّة، بـ17 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، منع تجّار غزّة من استيراد أيّ بضائع، إلاّ بعد الحصول على إذن استيراد مسبق من الوزارة، في إجراء تمّ اتّخاذه بمعزل عن حكومة التوافق الفلسطينيّة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه حركة "حماس" من أزمة ماليّة خانقة ممتدّة منذ بدء الجيش المصري في 26 أكتوبر 2014 بإقامة منطقة حدودية عازلة مع قطاع غزة، متضمنةً تدمير الأنفاق الحدوديّة وإغلاقها مع غزّة، التي كانت تعد أهم الطرق الرئيسية لنقل الأموال والسلاح إلى حماس من الخارج.
وينصّ القرار على فرض ضرائب جديدة على السلع، التي يتمّ استيرادها من الخارج ويوجد لها "بديل محليّ منافس ذو جودة عالية"، وأرفقت الوزارة جدولاً يتضمّن 95 صنفاً وسلعة يشملها هذا القرار، من بينها: الدقيق، الزيت، البسكويت، العصائر، المياه الغازيّة، مستحضرات التجميل والعناية بالشعر، الشامبو والصابون، اللدائن بأنواعها، الأثاث والمصنوعات الخشبيّة بأنواعها، الأدوات الصحيّة بأنواعها، العسل والمكسّرات.
وتوعّدت الوزارة مخالفي هذا القرار بالملاحقة القانونيّة، التي تصل إلى مصادرة البضائع المستوردة.
وأشار مدير الإدارة العامة للصناعة في وزارة الاقتصاد بغزّة عبد الناصر عوّاد خلال حديث لـ"المونيتور" إلى "أنّ قرار اشتراط حصول التجّار على إذن الاستيراد وفرض ضرائب على سلع معيّنة، يهدف إلى حماية المنتج الوطنيّ"، موضحاً أنّ قطاع الصناعات المحليّة يعاني من أزمات تزيد من تكلفة إنتاجه مثل أزمة انقطاع التيّار الكهربائيّ، الأمر الذي يجعل أسعار بيع السلع المحليّة باهظة، مقارنة بالسلع المستوردة.
ولفت إلى أنّ الأسواق المحليّة في غزّة أصبحت غارقة بالسلع المستوردة، خصوصاً من إسرائيل وأوروبا، الأمر الذي أثّر سلباً على إنتاج المصانع المحليّة التي سرّحت موظّفيها بمعظمهم، مشيراً إلى أنّ فرض ضرائب على السلع المستوردة سيمنح أفضليّة انخفاض سعر بيع المنتج المحليّ.
وأشار عواد إلى أن الضرائب الجديدة تبلغ قيمتها 3000 شيكلاً (800 دولاراً) على كل حاوية تحمل بضائع غذائية، و4000 شيكلا (1066 دولاراً) على كل حاوية تحمل بضائع غير غذائية.
وعقدت مؤسّسات من القطاع الخاص في غزّة، من بينها غرفة تجارة وصناعة غزّة والاتحاد العام للصناعات الفلسطينيّة، اجتماعاً مع مسؤولي وزارة الاقتصاد في 19 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، للدفع باتّجاه إلغاء القرار.
في هذا الإطار، قال رئيس الاتّحاد العام للصناعات الفلسطينيّة علي الحايك، الذي حضر الاجتماع، لـ"المونيتور": "إنّ قرار وزارة الاقتصاد تمّ الإعلان عنه من دون إشراك القطاع الخاص. ولقد كان صادماً ومفاجئاً".
وأشار إلى أنّ "اشتراط الحصول على أذونات الاستيراد يعدّ محاولة للجباية، وليس لحماية المنتج المحليّ"، مشدّداً على ضرورة عدم فرض أيّ شروط على الاستيراد، طالما أنّ المنتج محليّاً في غزّة لا يكافئ جودة السلع المستوردة.
وتشهد القطاعات الصناعيّة في قطاع غزّة أوضاعاً مأسويّة، إذ أفاد تقرير أصدره المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران من عام 2017، بانخفاض الطاقة الإنتاجيّة في القطاعات الصناعيّة بغزّة إلى 23 بالمئة، نتيجة استمرار الحصار الإسرائيليّ المفروض على غزّة منذ عام 2007، والحرب الأخيرة على غزّة صيف عام 2014.
أمّا أمين صندوق الاتّحاد العام للصناعات الفلسطينيّة في غزّة وضّاح بسيسو فذكر خلال مؤتمر صحافيّ عقده بغزّة في 12 نيسان/إبريل من عام 2017، أنّ 70 بالمئة من العاملين في القطاعات الصناعيّة تمّ تسريحهم بسبب الحصار والحرب الأخيرة على غزّة.
ولفت علي الحايك إلى أنّ القطاع الخاص اعترض، خلال الاجتماع، على قوائم السلع المستوردة التي ستفرض عليها ضرائب جديدة، وقال: "إنّ القرار ينصّ على أنّ الضرائب تفرض على السلع التي يوجد لها بديل محليّ، لكنّ السلع المذكورة بمعظمها لا تنتج محليّاً على الإطلاق".
أضاف: خلال الاجتماع، تمّ الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة تجمع القطاع الخاص ووزارة الاقتصاد، لمناقشة قوائم السلع التي ستُفرض عليها الضرائب، بهدف شطب السلع التي لا يوجد لها بديل محليّ، أو التي يوجد لها بديل محليّ، ولكن ليس بجودة عالية.
وأكّد الحايك أنّ القطاع الخاص يُقدّر أهميّة إيجاد معادلة تحمي التاجر والمنتج الوطنيّ، لأنّ الصناعة الوطنيّة تشغّل العمالة وتخفّض البطالة في غزّة، "ولكن تحقيق ذلك لا يكون بفرض المزيد من الضرائب على السلع المستوردة".
وبحسب إحصاءات نشرها الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ في تمّوز/يوليو من عام 2018، بلغت نسبة البطالة في قطاع غزّة 53.7 بالمئة.
وأعلنت جمعيّة تجّار الألبسة في قطاع غزّة ببيان نشره الصحافيّ الفلسطيني أيمن العالول الذي يعمل في قناة الغد عبر صفحته على "فايسبوك" في 19 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، عن رفضها قرار وزارة الاقتصاد، معتبرة أنّه يهدف إلى فرض المزيد من الجباية، وليس حماية المنتج الوطنيّ.
من جهته، وصف رئيس جمعيّة تجّار الألبسة في القطاع وصاحب محلّ تجاريّ للملبوسات في مدينة غزّة عماد عبد الهادي خلال حديث لـ"المونيتور" القرار بـ"الجائر والظالم"، وقال: "إنّ فرض هكذا قرار غير منطقيّ في الوقت الراهن الذي يشهد انخفاضاً في مستويات الاستيراد من الخارج في القطاعات الاقتصاديّة بمعظمها في غزّة، وخصوصاً في قطاع الألبسة الذي انخفضت نسبة الاستيراد فيه من الخارج خلال الأشهر الأخيرة إلى 30 بالمئة، بسبب انعدام القدرة الشرائيّة لدى المواطنين".
وطالب عماد عبد الهادي الوزارة بـ"التخلّي عن سياسة فرض ضرائب جديدة تتعارض مع حالة الواقع الاقتصاديّ السيّىء".
وقال رئيس تحرير صحيفة "الاقتصاديّة" الصادرة في غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ فرض ضرائب وأذونات استيراد على التجّار هو أمر سيزيد من أعبائهم الماليّة، في الوقت الذي يعاني تجّار غزّة بمعظمهم من تراكم الديون وعدم توافر سيولة نقديّة".
وأشار عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان" خلال مؤتمر صحافيّ عقده المركز في مدينة غزّة بـ18 آذار/مارس الماضي عن واقع الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في قطاع غزّة خلال عام ٢٠١٧، إلى "ارتفاع نسبة الشيكات الماليّة المرجّعة من 6 بالمئة في عام 2014 إلى 11 بالمئة في عام 2017"، لافتاً إلى تعرّض العديد من التجّار ورجال الأعمال إلى الحبس بسبب الديون المتراكمة عليهم، مسجّلاً نحو 100 ألف أمر حبس بحقّ أفراد وتجّار بسبب الذمم الماليّة خلال عام 2017.
وقال محمّد أبو جياب: "إنّ حماية المنتج الوطنيّ لا تقوم على فرض المزيد من الضرائب على السلع المستوردة، إنّما بدعم المنتج الوطنيّ والتخفيف من تكلفة إنتاجه من خلال حصول أصحاب المصانع على إعفاء كامل من الضرائب على استيراد الموادّ الخامّ، وكذلك توفير الكهرباء للمصانع على مدار الساعة، وتشكيل طواقم هندسيّة فنيّة لتقديم كلّ ما يلزم لضمان الجودة والارتقاء بها".