الفاهرة — يشهد قطاع السياحة تعافياً نسبيّاً خلال الفترة الماضية وتصاعداً في منحنى الأعداد الوافدة إلى مصر إذا ما نظرنا إلى الفترة التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، وما تلاها من احتجاجات، وصولاً إلى حادث سقوط الطائرة الروسيّة فوق شبه جزيرة سيناء في مصر في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر 2015. ولدى صنّاع القرار المسؤولين عن قطاع السياحة، توجّه للبحث عن أسواق سياحيّة جديدة، لا سيّما في آسيا.
يصف نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة سابقاً أحمد حمدي الفترة التي تلت حادث الطائرة الروسيّة بأنّها تاريخاً فارقاً في حياة صناعة السياحة في مصر. وأضاف حمدي في حديثه إلى "المونيتور" أنّه في أعقاب الحادث ومع تدنّي نسب الإشغال السياحيّ، بدأت وزارة السياحة التفكير في أسواق سياحيّة موازية، خصوصاً تلك الموجودة في شرق آسيا وجنوب شرقها، لسدّ الفراغ الذي خلّفته روسيا وبريطانيا نتيجة وقف رحلاتها التي كانت تمثّل بين 30 و40% من إجمالي السياحة الوافدة إلى مصر.
يقول حمدي إنّ الأسواق السياحيّة الآسيويّة واعدة وتجد في مصر ضالّتها، خصوصاً السياحة الثقافيّة التي شهدت إحجاماً على مدار السنوات الماضية. وطالب أن تغزو شركات السياحة المصريّة السوق الآسيويّ، وخصّ بذلك اليابان والصين وفيتنام.
وتحتلّ السياحة الوافدة إلى مصر من آسيا المركز الثالث من حيث أعداد السيّاح، حيث سجّلت 670 ألف سائح من إجمالي ما يقارب الـ11.5 ملايين سائح دخلوا مصر في عام 2018.
وأعلنت شركة "برايت ستار" للسياحة في شهر شباط/فبراير الجاري عن تعاقدها مع أكثر من 35 منظّم رحلات في أندونيسيا. وقال رئيس مجلس إدارة الشركة هاني بيتر إنّه تمّ الاتّفاق بصفة مبدئيّة على جذب ما يزيد على ألفي سائح شهريّاً من دول شرق آسيا، لا سيّما أندونيسيا، بدءاً من شهر آذار/مارس المقبل.
وتجهّز وزيرة السياحة رانيا المشاط لإطلاق حملة ترويج دوليّة لأبرز الأماكن السياحيّة في مصر عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ المختلفة، بالتعاون مع شركة Beautiful Destinations العالميّة المتخصّصة في الترويج السياحيّ. وقالت المشاط خلال لقائها بمؤسّس الشركة جيريمي جونسي في أواخر كانون الثاني/يناير 2019 في القاهرة، إنّ الوزارة تستهدف فتح أسواق جديدة للسياحة الوافدة إلى مصر، والتي من ضمنها آسيا، وخصوصاً من الصين والهند.
وسجّل سوق السياحة الصينيّة نموّاً بلغ 30% خلال عام 2018 مقارنة بالعام السابق، وفقاً لقناة CGTN الصينيّة.
وتمتلك مصر مكتبين في الصين والهند يتولّيان مهمّة الترويج للمقاصد السياحيّة في منطقة آسيا.
وتعتزم وزارة السياحة توقيع بروتوكول تعاون مع شركة "هواوي" الصينيّة للترويج للسياحة في مصر، عن طريق وضع صور لأبرز المقاصد السياحيّة كخلفيّات على الأجهزة الخلويّة التي تنتجها الشركة.
يقول حمدي إنّ وزارة السياحة تحاول تغيير شكل الخريطة السياحيّة الوافدة إلى مصر والتي تشكّل إيراداتها نسبة 20% من الناتج المحلّيّ الإجماليّ للدولة.
وأظهرت بيانات البنك المركزيّ المصريّ أنّ إيرادات مصر من السياحة ارتفعت خلال الـ3 أشهر الأولى من العام الماليّ الجاري 2018-2019 بنسبة 45,7%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فيما سجلت إيرادات مصر من السياحة خلال الفترة من تمّوز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر من عام 2018 نحو 3.93 مليار دولار مقابل نحو 2.7 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام السابق.
وفي إطار تنشيط السياحة الوافدة إلى مصر، افتتحت مصر في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، مطاراً دوليّاً جديداً في القرب من منطقة الأهرامات الأثريّة في الجيزة والمتحف المصريّ، ومن المقرّر أن يعمل المطار بكامل طاقته في عام 2020. كما تخطّط الحكومة لافتتاح المتحف المصريّ الكبير في العام نفسه، والذي يقع على بعد نحو كيلومترين من أهرامات الجيزة وتمثال أبي الهول. وسيعرض المتحف ما يزيد على 100 ألف قطعة أثريّة، من بينها 20 ألف قطعة لم تعرض من قبل.
غير أنّ الرئيس السابق للغرفة المصريّة للمرافق السياحيّة وجدي الكرداني قال إنّ الأعداد الوافدة من آسيا لم تحقّق المأمول منها حتّى الآن. وأرجع الكرادني في حديثه إلى "المونيتور" السبب إلى عدم توافر طيران مباشر مشترك مع هذه الدول.
واتّفق حمدي مع ما طرحه الكرادني، لكنّه قال إنّ الدولة لديها سياسة جديدة قائمة على تحفيز الطيران السياحيّ العارض لمواجهة الطيران المباشر. وأضاف أنّ مصر تعطي أفضليّة نسبيّة لأسواق شرق آسيا وجنوب شرقها في هذا البرنامج بنسبة تزيد على 50%، مقارنة بالطيران الآتي من أوروبّا، بسبب بعد المسافة وزيادة عدد ساعات الطيران.
في إطار الجهود المبذولة لتشجيع السياحة، في أكتوبر 2018، أطلقت وزارة السياحة المصرية برنامج حوافز لأبرز المدن التي عانت تراجعاً في أعداد السياح الوافدين إليها. وهذه المدن هي (الأقصر وأسوان وأبو سمبل ومرسى مطروح وطابا والعلمين وشرم الشيخ والغردقة). وستدفع وزارة السياحة دعماً دولارياً لكل رحلة تصل حمولتها إلى 65٪ كحد أدنى ويرتفع الدعم الذي يصل إلى 4500 دولارًا مع زيادة عدد الرحلات الأسبوعية وذلك في الفترة من نوفمبر 2018 حتى 29 أبريل 2020.
واستنكر الكرداني ما أسماه باحتكار الناقل الرسميّ للدولة (شركة مصر للطيران) للأسواق وسيطرتها على قطاع السفر والطيران. وطالب الكرداني بتطبيق سياسة السماوات المفتوحة في مطار القاهرة لزيادة الحركة السياحيّة من القاهرة وإليها، وتخفيض الأسعار وتشجيع شركات الطيران الخاصّة على زيادة توافدها إلى مصر.
وتوقّع حمدي زيادة السياحة الوافدة من اليابان بالتزامن مع عودة رحلات الطيران المباشر بين القاهرة وطوكيو في عام 2017 بعدما توقّف لمدة 4 سنوات، لعدم جدوى تشغيل الخطّ اقتصاديّاً بسبب انخفاض الحركة السياحيّة الوافدة من اليابان.
وتشير تقديرات العاملين في السياحة في مصر إلى أنّ السائح اليابانيّ يعدّ الأعلى بالنسبة إلى الإنفاق، حيث يصل إلى 150 دولاراً في الليلة الواحدة. وتستهدف السياحة المصريّة الوصول إلى أعداد السائحين اليابانيّين ما قبل عام 2011، والتي سجّلت 130 ألف سائح سنويّاً.
وتعاقدت وزارة السياحة في تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 مع شركتي دعاية، وهما شبكة تواصل الشرق الأوسط MCN و"سينرجي"، للترويج للسياحة المصريّة في الخارج، غير أنّ حمدي قال إنّه كان يفضّل الاعتماد على شركات دعاية متخصّصة داخل كلّ دولة تستهدفها مصر لزيادة السياحة الوافدة منها على حدة، على أن تدار من داخل هذه الدولة