تنحاز إدارة دونالد ترامب بشكل قاطع إلى المغرب في مسألة احتلاله للصحراء الغربيّة، ما يدلّ على أنّ الرئيس غير التقليديّ مستعدّ لتغيير السياسة الأميركيّة القديمة المتعلّقة بالنزاع المستمرّ منذ عقود في شمال إفريقيا.
تبنّى مجلس الأمن الدّولي يوم الجمعة قراراً برعاية الولايات المتّحدة مناهضاً بشكل كبير لجبهة البوليساريو المؤيّدة للاستقلال، ويأتي ذلك بعد إرجائه النظر في مسودّة قرار أميركيّة سابقة أكثر تأييداً للمغرب بعد. وينصّ القرار على تجديد ولاية بعثة الأمم المتّحدة للاستفتاء في الصحراء الغربيّة ("مينورسو") لمدّة ستّة أشهر، مطالباً البوليساريو المدعومة من الجزائر بالتحرّك لمعالجة التوتّرات الأخيرة في المنطقة.
وقال للمونيتور دايفيد ماكين، وهو مسؤول برامج في منظّمة "روبرت إف كينيدي لحقوق الإنسان" غير الربحيّة، إنّ "القرار بشأن مينورسو الذي تبنّاه مجلس الأمن ليس إطلاقاً قرار مينورسو الذي عرفناه في السنوات الماضية. فكلّ سنتين، يجد المغرب طريقة للتأثير على الحوار من خلال القيام بتحرّك عدائيّ جداً".
أشاد الناشطون الموالون للمغرب بموقف إدارة ترامب المتطوّر من هذه المسألة التي أشعلت لسنوات حرباً بين المغرب والجزائر للضغط على واشنطن. فقد أنفقت الرباط حوالي 4 ملايين دولار للتأثير على الكونغرس والفرع التنفيذيّ سنة 2016، بحسب مراجعة أجراها المونيتور لعمليّات الإفصاح عن ممارسات الضغط، مقارنة بأقلّ من 500 ألف دولار أنفقتها البوليساريو والجزائر الراعية لها. وكان للنزاع حتّى دور صغير أثناء الحملة الرئاسيّة الأميركيّة للعام 2016، فقد تعرّضت هيلاري كلينتون للانتقادات لأنّها بدت مؤيّدة للرباط بينما تأخذ المال من المغرب من أجل مؤسّسة "كلينتون".
وكتب سمير بينس، وهو أحد مؤسّسي صحيفة “Morocco World News” الالكترونيّة الموالية للرباط، في عمود بعد كشف الولايات المتّحدة عن مسودّتها الأصليّة: "يبدو أنّ استراتيجيّة المغرب الدبلوماسيّة من أجل حشد الدعم وراء موقفها من الصحراء الغربيّة بدأت تعطي ثمارها".
وفي تطوّر آخر اعتبرته الصحيفة دليلاً إضافيّاً على تبدّل الموقف الأميركيّ، وصفت وزارة الخارجيّة الأميركيّة في تقريرها السنويّ حول حقوق الإنسان الشهر الماضي، وللمرّة الأولى، جناح البوليساريو السياسيّ بأنّه مجموعة "انفصاليّة". لكنّ متحدّثاً باسم الوزارة قلّل من أهميّة هذه العبارة.
وقال المتّحدث للمونيتور، "إنّ موقفنا لم يتغيّر. ما زلنا نؤيّد العمليّة التي تقودها الأمم المتّحدة الهادفة إلى التوصّل إلى حلّ سلميّ، ومستدام ومتوافق عليه للنزاع في الصّحراء الغربيّة".
لقد احتدم النزاع على المنطقة الصحراويّة الغنيّة بالفوسفات والواقعة جنوبي المغرب لعقود في ظلّ مطالبة الرباط بسيادتها على هذه الأرض فيما يريد بعض السكّان المحليّين الاستقلال. وانتهت الحرب بين المغرب والبوليساريو سنة 1991 عندما أطلقت الأمم المتّحدة عمليّة للتحضير لاستفتاء حول الاستقلال، لكنّ هذه العمليّة توقّفت بسبب عجز الطرفين عن الاتّفاق على من يحقّ له التصويت.
ويجدّد القرار، الذي تبنّاه مجلس الأمن يوم الجمعة بغالبيّة 12 صوتاً مقابل 0، ولاية مينورسو لمدّة ستّة أشهر بدلاً من 12 شهراً كالمعتاد. وقد امتنعت روسيا، والصين وإثيوبيا عن التصويت على القرار لأنّها اعتبرته مجحفاً بحقّ البوليساريو، التي تعرّضت للانتقادات بسبب تواجدها على طول منطقة عازلة على الحدود مع موريتانيا، الأمر الذي وصفه القرار كـ"تحرّكات مزعزعة للاستقرار".
تؤكّد البوليساريو أنّها سحبت وجودها العسكري من المنطقة العازلة السنة الماضية. لكنّ تقريراً أصدره الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في شهر آذار/مارس، دعا البوليساريو إلى الانسحاب من المنطقة، مشيراً إلى استعداد المجموعة لاستقبال بعثة من الخبراء في المنطقة العازلة – خلافاً للمغرب الذي يعارض توسّع تدخّل الأمم المتّحدة بهذا الشكل. وشجّع التقرير الرباط على "إعادة النظر في هذه المبادرة لكي يتمكّن الطرفان من إجراء محادثات حسن نيّة حول هذه المسألة"، لكنّ قرار الأمم المتّحدة لم يتضمّن هكذا دعوة.
وقبل التصويت، قالت ممثّلة الولايات المتّحدة في الأمم المتّحدة آيمي نويل تاشكو إنّ بعثة مينورسو "لم يعد لها هدف سياسيّ" وإنّ الأمم المتّحدة "سمحت للصحراء الغربيّة بالتحوّل إلى نموذج لنزاع مجمّد".
وقال مسؤول أميركيّ للمونيتور إنّ "الولايات المتّحدة تريد أن ترى أخيراً تطوّراً في العمليّة السياسيّة الهادفة إلى حلّ هذا النزاع. وفي الأشهر الستّة المقبلة، نتوقّع أن يعود الطرفان إلى طاولة الحوار. ونأمل أيضاً أن تعترف الدول المجاورة بالدور الخاصّ والمهمّ الذي يمكنها الاضطلاع به في دعم عمليّة التفاوض هذه".
أمّا البوليساريو فقد تجاهلت اللهجة القاسية في قرار الأمم المتّحدة وأشادت بدلاً من ذلك بقرار تجديد ولاية بعثة مينورسو لستّة أشهر فقط. ودعا مبعوث الأمم المتّحدة الجديد في الصحراء الغربيّة، هورست كوهلر، إلى جولة جديدة من المفاوضات هذه السنة.
وقال ممثّل البوليساريو في واشنطن، مولود سعيد، للمونيتور، "لقد مدّدناها مطوّلاً مرّات عدّة من دون أيّ نتيجة. ونحن جاهزون لبدء الجولة المقبلة من المفاوضات هذا الأسبوع... نأمل ألا يماطل المغرب كما [فعل] في الماضي".
لكنّ المغرب استبعد استئناف عمليّة سياسيّة إلا إذا انسحبت البوليساريو من المنطقة العازلة.
وقال سفير المغرب لدى الأمم المتّحدة، عمر هلال، للمراسلين بعد التصويت: "إذا لم ينسحبوا، فلن تكون هناك عمليّة سياسيّة. عليهم أن يختاروا – إمّا الاستفزاز والانتهاك وسيكون عليهم مواجهة مجلس الأمن، وإمّا العمليّة السياسيّة. إنّ الكرة في ملعبهم الآن".