مدينة غزّة - قطاع غزّة: تصاعدت حدة التوتر العسكري بين إسرائيل وقطاع غزة منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 28 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن خطته للسلام في الشرق الأوسط والمعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن"، وأطلق الفلسطينيون منذ 29 كانون الثاني/ يناير الجاري، عدد من الصواريخ وقذائف الهاون تجاه المواقع العسكرية للجيش الإسرائيلي وكذلك مدينة سديروت جنوب إسرائيل احتجاجاً على نشر الخطة، في المقابل رد الجيش الإسرائيلي في 31 كانون الثاني/يناير الجاري، بقصف مواقع تابعة لحركة حماس في جنوب قطاع غزة.
الجيش الإسرائيلي وإزاء تصاعد إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة هدد في 31 كانون الثاني/ يناير الجاري، برد قاسٍ فيما توقعت مصادر إسرائيلية أن يتدهور الوضع الأمني على جبهة قطاع غزة.
وفي ذات السياق، تواصلت الاحتجاجات الشعبية الرافضة للخطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحمل المتظاهرون في 31 كانون الثاني/ يناير الجاري، الأعلام الفلسطينية ورفعوا شعارات منددة بالخطة، وحرقوا الأعلام الأمريكية، ورشقوا الجيش الإسرائيلي بالحجارة، وسبق ذلك عقد القيادة الفلسطينيّة، بمشاركة الفصائل الفلسطينيّة كافة، اجتماعاً طارئاً في مدينة رام الله بـ28 كانون الثاني/يناير الجاري، للتباحث في خطوات الردّ على الخطّة، وكان أهمّ قراراته البدء الفوريّ بالإجراءات الهادفة إلى تغيّر الدور الوظيفيّ للسلطة الفلسطينيّة.
وتتضمّن الخطّة، وفقاً لدونالد ترامب، إقامة دولتين فلسطينيّة وإسرائيليّة والتأكيد أنّ القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل، ووقف الأنشطة التي وصفها بـ"الخبيثة" لحركتيّ "حماس" و"الجهاد الإسلاميّ"، فيما ذكر رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو خلال كلمته بالبيت الأبيض في 28 كانون الثاني/يناير الجاري، أنّ نزع سلاح "حماس" في قطاع غزّة يأتي كبند من بنود الخطّة، وهو الأمر الذي أثار التساؤلات حول انعكاس تلك الخطّة على جهود التسوية بين إسرائيل وحركة "حماس".
وقال رئيس اللجنة الاقتصاديّة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ القياديّ في حركة "حماس" عاطف عدوان لـ"المونيتور": "لا حديث في هذا الوقت عن تفاهمات أو تسويات مع إسرائيل، في ظلّ الخطر الكبير الذي تتعرّض له القضيّة الفلسطينيّة بعد نشر الإدارة الأميركيّة خطّتها".
ولفت إلى أنّه "لن يؤخذ على حماس أنّها عقدت اتفاقاً مع إسرائيل، في وقت كانت القضيّة الفلسطينيّة في حاجة إلى الحركة وفصائل المقاومة لإحباط الخطّة الأميركيّة"، موضحاً أنّ الخطّة منحازة بشكل سافر لإسرائيل وهدفها تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
وأشار عاطف عدوان إلى أنّ التفاهمات بين "حماس" وإسرائيل في الأشهر الماضية كانت لأهداف إنسانيّة واقتصاديّة للتخفيف عن سكّان قطاع غزّة، الذين يقبعون تحت حصار إسرائيليّ خانق منذ 13 عاماً، لافتاً إلى أنّ إغراءات إسرائيل الاقتصاديّة التي تقدّم إلى الحركة عبر وسطاء مصريّين وقطريّين لم تتوقّف، بل ازدادت في الأيّام التي سبقت إعلان "صفقة القرن".
إسرائيل، وفي محاولة منها لامتصاص أيّ غضب فلسطينيّ من قطاع غزّة قبيل إعلان الخطّة، قدّمت في 28 كانون الثاني/يناير الجاري، العديد من التسهيلات الاقتصاديّة، وسمحت بإدخال سلع لم تدخل قطاع غزّة منذ فرض الحصار على القطاع. وكذلك، سمحت بتصدير بعض السلع والمنتوجات الفلسطينيّة كمحصول الفراولة.
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة مقالاً للخبير العسكريّ الإسرائيلي رون بن يشاي، في 24 كانون الثاني/يناير الجاري، رأى فيه أنّ "حماس" تعتبر خطّة السلام الأميركيّة خطوة من التيّار الإنجيليّ المسيحيّ في الولايات المتّحدة، بالتعاون مع اليمين الإسرائيليّ، مناوئة للإسلام، مشيراً إلى أنّ نشر الخطّة سيؤدّي إلى الابتعاد عن إبرام تسوية بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزّة.
وأبدى عضو في اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، طلب عدم الكشف عن هويّته، في حديث مع "المونيتور"، عن توجّس القيادة الفلسطينيّة من أن تمهّد التفاهمات التي تجري بين "حماس" وإسرائيل الطريق لتطبيق جزء مهمّ من خطّة السلام الأميركيّة عبر فصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة سياسياً تحت ذريعة تسهيلات اقتصاديّة لسكّان القطاع.
وبيّن أنّ الرئيس محمود عبّاس أصرّ على دعوة قيادة "حماس" إلى حضور الاجتماع الطارئ الذي عقد في مدينة رام الله بـ28 كانون الثاني/يناير الجاري، للبحث في تداعيات نشر خطّة السلام الأميركيّة، بهدف توحيد الصفّ الداخليّ الفلسطينيّ والسماع من قادة "حماس"، الذين حضروا الاجتماع، موقفهم الواضح من الخطّة الأميركيّة، وكذلك التعرّف على المباحثات التي تجريها الحركة مع إسرائيل عبر وسطاء.
وشدّد المسؤول الفلسطينيّ على أنّ قادة "حماس" أعطوا جواباً واضحاً إلى القيادة الفلسطينيّة أنّه لا يوجد أيّ اتفاق تسوية مع إسرائيل، وأكّدوا وقوف حركتهم خلف القيادة الفلسطينيّة في مواجهة خطّة السلام الأميركيّة.
ودأبت السلطة الفلسطينيّة وفصائل منظّمة التحرير على مهاجمة حركة "حماس" خلال الأشهر الأخيرة، في ظلّ الحديث الإسرائيليّ عن تفاهمات تجري مع "حماس" بهدف التوصّل إلى اتفاق هدنة طويل الأمد بين الجانبين، واتّهمتا "حماس" بمحاولة فصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة وإلغاء دور منظّمة التحرير الكيان الوحيد المخوّل بتوقيع الاتفاقيّات السياسيّة بين الفلسطينيّين والدول الأخرى.
واستبعد مدير "مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيليّ والفلسطينيّ" في الضفّة الغربيّة علاء الريماوي خلال حديث لـ"المونيتور" التوصّل إلى اتفاق تسوية بين "حماس" وإسرائيل تحديداً في الوقت الحاليّ، وذلك بسبب البنود التي تضمّنتها خطّة السلام الأميركيّة، مشيراً إلى أنّ استراتيجيّة حركة "حماس" منذ انطلاقتها لم تصمت عن أيّ اتفاق يهدف إلى القضاء على القضيّة الفلسطينيّة، بل عملت على عرقلته، وهو ما حدث مع اتفاق أوسلو في عام 1993، إذ شنّت الحركة بعد الاتفاق سلسلة عمليّات تفجيريّة في إسرائيل.
وأوضح علاء الريماوي أنّ الأوضاع في الأراضي الفلسطينيّة مرشّحة لتصعيد مضبوط شعبيّاً وعسكريّاً، رفضاً للخطّة الأميركيّة، لافتاً إلى أنّ الأمور قد تذهب إلى مواجهة عسكريّة واسعة بين "حماس" وإسرائيل، في حال أقدمت إسرائيل على تطبيق فعليّ لبعض بنود الخطّة وأعلنت بشكل رسميّ ضمّ مناطق في الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل.
وتوافق المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل خلال حديث مع "المونيتور" مع سابقه في أنّ فرص التوصّل إلى اتفاق بين "حماس" وإسرائيل تراجعت بصورة كبيرة مع نشر خطّة السلام الأميركيّة، وذلك لأنّ البنود التي احتوتها الخطّة تنهي أيّ حلم فلسطينيّ بإقامة دولة مستقلّة على حدود حزيران 1967.
وتوقّع طلال عوكل أن تنشط حركة الوسطاء خلال الأيّام المقبلة إلى قطاع غزّة وتحديداً مصر وقطر -الأولى دعت لدراسة الخطة والثانية رحبت بالجهود الأمريكية لتحقيق السلام- بهدف الضغط على "حماس" من جانب، وإغرائها بالمحفّزات الاقتصاديّة من جانب آخر، لضمان صمتها ومنعها من القيام بأيّ خطوة قد تفجّر الأوضاع، ردّاً على نشر خطّة السلام الأميركيّة.
يبدو أنّ الجانبين يبتعدان عن التوصّل إلى اتفاق تسوية في المستقبل القريب، وذلك في ظلّ تهديد "حماس" بإفشال الخطّة الأميركيّة التي تتضمّن نزع سلاحها، وسط توقّعات بأن تواصل إسرائيل تقديم تسهيلات اقتصاديّة إلى سكّان قطاع غزّة، منعاً لتفجّر الأوضاع الميدانيّة.