تونس- انطلق رئيس الحكومة التونسيّة المكلّف الحبيب الجملي رسميّاً يوم الجمعة في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، في إجراء مشاوراته مع الأطراف السياسيّة لتشكيل حكومته الجديدة، بتكليف من رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد، بعد ترشيحه من قبل حركة النهضة إلى هذا المنصب، باعتبارها الحزب الحائز على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (52 مقعداً من إجمالي 217 مقعداً).
وأثار إجراء الجملي لمشاورات مع حزب قلب تونس صاحب المرتبة الثانية مع 38 نائباً في البرلمان في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 جدلاً واسعاً، خصوصاً بعد تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي، 18 نوفمبر 2019، بأنّ هذا الحزب غير مشمول بالمشاركة في الحكومة، بسبب شبوهات فساد تتعلق بقيادات حزب قلب تونس.
وأشار نائب رئيس حركة النهضة ذات الأغلبيّة البرلمانيّة علي العريض، في تصريح إلى "المونيتور"، إلى أنّ حزبه الذي سيطر على الحكم لـ8 سنوات، ما زال متمسّكاً به، وهو على استعداد للتشاور مع كلّ الأحزاب الفائزة، باستثناء الأحزاب المتّهمة بالفساد. وتجدر الإشارة إلى أن مؤسّس قلب تونس نبيل القروي كان قد سجن في 23 أغسطس/آب بتهم تبييض أموال.
وكان رئيس البرلمان راشد الغنّوشي، قد أكّد في تصريحات في 18 نوفمبر في أنّ حركة النهضة ستستبعد حزب قلب تونس (علمانيّ)، عن مشاورات تشكيل الحكومة، في خطوة قال إنّها وفاء بوعد قطعته الحركة على نفسها بمحاربة الفساد.
من جهته، قال القياديّ في حزب قلب تونس حاتم المليكي إلى "المونيتور"، إنّ حزبه العلمانيّ استجاب للدعوة التي وجّهها رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي للانخرط في عمليّة تشكيل الحكومة، مؤكّداً أنّ ذلك لا يعني بالضرورة انخراط حزبه فعليّاً في مشاورات تشكيل الحكومة بقدر ما هو لقاء تشاوريّ، لتبادل وجهات النظر في مسائل تقنيّة وسياسيّة تهمّ المسار الحكوميّ، مستبعداً مشاركة حزبه في الحكومة.
وترفض معظم القوى السياسيّة الأخرى مشاركة حركة النهضة في الائتلاف الحكوميّ المقبل، حيث يقترح حزب التيّار الديمقراطيّ الحاصل على 22 مقعداً في البرلمان، المشاركة في الحكومة شرط الحصول على وزارات العدل والداخليّة والإصلاح الإداريّ، مع تفضيل اختيار رئيس حكومة مستقلّ ووجود برنامج واضح للحكم.
من جهتها، تقترح حركة الشعب (16 مقعداً)، تشكيل ما أسمته "حكومة الرئيس"، أي أن يتولّى رئيس الجمهورية سعيّد، تعيين شخصيّة مستقلّة يثق بها على رأس الحكومة وتدعمها الأحزاب في البرلمان، ولا ترى حركة الشعب مانعاً من التموضع داخل صفوف المعارضة.
فيما اختارت حركة تحيا تونس العلمانيّة (14 مقعداً)، التي يتزعّمها رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، الالتزام بالمعارضة، إلى جانب الحزب الحرّ الدستوريّ الذي يعلن الارتباط بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وبرامجه، رفضت عبير موسي، مؤسسة الحزب الحرّ الدستوري، في 10 اكتوبر/ تشرين الاول، التحالف مع حركة النهضة.وتتهم موسي النهضة بوقوفها وراء العمليات الإرهابية في البلاد بعد الثورة.
وتستوجب المصادقة على الحكومة في البرلمان تحصيل أغلبيّة 109 أصوات من بين 217 صوتاً في المجلس النيابيّ، لا تملك حركة النهضة منها سوى 52 صوتاً بناء على عدد نوّابها، يضاف إليها 21 صوتاً من ائتلاف الكرامة ذي التوجّهات الإسلاميّة. ترتبط المشكلة إذاً بتحصيل بقيّة الأصوات اللازمة للحصول على الأغلبيّة، خصوصاً وأنّ الأحزاب التي تعوّل النهضة على التحالف معها تضع شروطاً مشدّدة، أو تفضّل التموضع في المعارضة.
وقال الأمين العامّ لحركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح إلى "المونيتور" إنّ حزبه يختلف أيدولوجيّاً مع حركة النهضة الإسلاميّة، مؤكّداً أنّه من الخطر أن تقود حركة النهضة الحكم في الفترة المقبلة، نظراً إلى فشلها في إدارة الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة التي تمرّ بها تونس.
وتابع: "حركة الشعب تستحضر مصير الأحزاب التي تلاشت بعد تحالفها مع حركة النهضة كحزب التكتّل في حكومة الترويكا، ونداء تونس بعد انتخابات عام 2014، لذلك نستبعد المشاركة مع حركة النهضة في تشكيل الحكومة المقبلة".
ويخشى المحلّل السياسيّ محمّد بوعود في تصريحه إلى "المونيتور" من سيناريو تعثّر مشاورات تشكيل الحكومة في آجالها الدستوريّة، في ظلّ حالة من التعنّت بالمواقف السياسيّة التي أبداها بعض الأحزاب في ما يتعلّق بشروط دخولها إلى الحكومة.
ويرى المحلّل السياسيّ عبد الجبّار المدوري ورئيس التحرير السابق لصحيفة صوت الشعب، في تصريح خصّ به موقع "المونيتور" أنّ حركة النهضة غير قادرة سياسيّاً على الالتزام بتعهّداتها الانتخابيّة، وأنّها ستجبر على التحالف مع حزب قلب تونس العلمانيّ حفاظاً على مصالحها السياسيّة، وعلى موقعها في الحكم، في تجربة قد تكون مماثلة لما حصل في عام 2014، إثر تحالف هذه الحركة الإسلاميّة مع حزب نداء تونس العلمانيّ، لتضمن بقاءها في سدّة الحكم.
فقًا لدراسة نشرت في 30 أبريل 2014 من قبل مركز كارنيجي للشرق الأوسط ، "بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي، فقد فشلت الأحزاب العلمانيّة في تشكيل تحالفات قويّة، أو تطوير شبكات إقليميّة، أو إنشاء برامج حزبيّة قابلة للبقاء، وغالباً ما استخدمت الخطاب المعادي للإسلاميّين لجذب الناخبين، بدلاً من تقديم حلول للتحدّيات التي تواجهها تونس.
وكانت حركة النهضة الإسلاميّة محظورة، وتمّ قمعها بقسوة في عهد بن علي، غير أنّها هيمنت على الساحة السياسيّة التونسيّة منذ الإطاحة به في ثورة عام 2011. واليوم تسعى الأحزاب العلمانيّة إلى الحصول على قدر أكبر من الأهمّيّة في المشهد السياسيّ الناشئ في تونس.
ومنذ عام 2012، استفادت الأحزاب العلمانيّة من تدهور الوضع الاقتصاديّ وظهور العنف الدينيّ، ممّا أدّى إلى شعور قطاعات واسعة من السكّان بالخوف من الإسلام السياسيّ المنفلت الذي لا يخضع إلى أيّ رقابة.
وقد اتّهم أعضاء جبهة الإنقاذ الوطنيّ، وهو تحالف يضمّ قوى علمانيّة معارضة، حركة النهضة باغتيال شخصيّتين معارضتين في عام 2013، ممّا أدّى إلى تأجيج نيران معاداة الإسلام السياسيّ.
وفي انتخابات 2014، فازت حركة النهضة بثاني أكبر كتلة برلمانيّة، حيث شكّلت حكومة مع نداء تونس الذي كان صاحب الأغلبيّة البرلمانيّة آنذاك، قبل أن تنتهي سياسة التوافق في أواخر عام 2018.
وبعد الانفصال في 8 اكتوبر 2018، أصبحت حركة النهضة القوّة البرلمانيّة الأولى عقب استقالة العديد من النوّاب من نداء تونس الذين شكّلوا أحزاباً عدّة، أهمّها مشروع تونس، وأمل تونس وتحيا تونس.