تشهد العلاقات التركية الفلسطينية سلسلة تطورات متلاحقة في الآونة الأخيرة، ذات أبعاد اقتصادية واستثمارية وجوانب تعليمية، مما يشير إلى تنامي مطرد في هذه العلاقات، رغم العلاقات الوثيقة التي تربط أنقرة مع حماس، التي تعيش حالة من القطيعة مع السلطة الفلسطينية، مما يطرح علامات استفهام على مدى قدرة أنقرة على التوفيق في هذه العلاقات التي تبدو متناقضة.
فقد صادقت الحكومة الفلسطينية يوم 12 سبتمبر على اتفاقية تشجيع الاستثمار المتبادل بين الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تركيا، لتشجيع المستثمرين الأتراك للاستثمار في فلسطين، والمحافظة على الاستثمارات الفلسطينية في تركيا، وحماية الاستثمارات المتبادلة بمختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتوفير المناخ الإيجابي للمستثمرين من البلدين.
وفي أنقرة، وقعت وزيرة الاقتصاد الفلسطينية عبير عودة، ووزيرة التجارة التركية روحصار بيكجان، يوم 5 سبتمبر، اتفاقية مشتركة لتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وتعزيز علاقات التعاون المشتركة في مختلف المجالات وتشمل: التجارة، الصناعة، الزراعة، الاستثمار، المدن الصناعية والحرة، الجمارك، الخدمات، الاتصالات، النقل والمواصلات، الطاقة، السياحة، والتعليم، وحماية التراث الفلسطيني وخدمات البريد، وتنظيم المعارض التجارية.
عزمي عبد الرحمن مدير الدراسات بوزارة الاقتصاد برام الله، قال "للمونيتور" أن "الاتفاقية الاقتصادية بين فلسطين وتركيا تأتي تطبيقا للسياسات المتبعة لدى الوزارة، بالانتقال للأسواق الخارجية بديلا عن التبعية المفرطة للسوق الإسرائيلي، عبر إبرام اتفاقات التبادل التجاري مع شركائنا في المنطقة العربية والإسلامية والدولية، لأن 75-80% من تبادلنا التجاري الفلسطيني مع إسرائيل".
حديث عزمي عبد الرحمن حول العديد من الاتفاقيات السابقة بين تركيا والسلطة الفلسطينية، يعود إلى توقيع الجانبين عددا من الاتفاقيات. فقي فبراير الماضي، شملت قطاعات الشباب والرياضة، ومنحة مالية تركية لميزانية السلطة الفلسطينية بقيمة 10 مليون دولار، وتعاون النيابة العامة في الدولتين، ووكالتي التنسيق والتعاون الدولي فيهما، وفي 2017 وقعت وزارتا ثقافة وتعليم البلدين، ومجال البريد وقطاع الخدمات.
وفي 2016 وقع البلدان على مذكرة تفاهم في قطاع المحاسبات والرقابة المالية، كما وقع المجلس الأعلى للإبداع الفلسطيني ومجلس البحوث العلمية التركي على اتفاقية تعاون مشترك، وفي 2013 وقع الجانبان اتفاقية تعاون لمجلس التعاون الاقتصادي بينهما، واتفاقية حول الغابات، والمساعدات المتبادلة في الشؤون الجمركية، واتفاقيات التوأمة بين بلديات الجانبين، علما بأن تركيا شريك تجاري واقتصادي مهم لفلسطين، ويزيد حجم التبادل التجاري بينهما على 400 مليون دولار عام 2016.
نصر عبد الكريم، أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأمريكية في جنين، قال "للمونيتور" أن "العلاقات الاقتصادية التركية الفلسطينية بعدها سياسي أكثر من اقتصادي، ومنافعها الفلسطينية محدودة، بسبب سيطرة إسرائيل على معابرنا، وتحكمها بحركة بضائعنا، كما أن إسرائيل شريك اقتصادي للفلسطينيين لأن 800-900 مليون دولار من صادراتنا إليها".
استمرارا لذات التطور في العلاقات، افتتح وزير التعليم الفلسطيني صبري صيدم، يوم 21 سبتمبر في أنقرة مدرسة الفنار الدولية، كأول مدرسة فلسطينية في تركيا، باعتباره دليلا على متانة العلاقة التاريخية والأخوية بين فلسطين وتركيا.
أسامة نوفل، مدير عام التخطيط والسياسات بوزارة الاقتصاد بغزة، قال "للمونيتور" أن "الاتفاقيات مع الأتراك ستعود بالفائدة على غزة، بغض النظر عن واقع غزة السياسي، وسيطرة حماس عليها، لأن إعفاء منتجاتنا المصدرة لتركيا من الضرائب سيخفض أسعارها، وما يسري اقتصادياً على الضفة ينطبق على غزة، كون السياسة المالية المتعلقة بالإيرادات موحدة".
تركيا تفضل إبقاء تعاملها الرسمي مع السلطة الفلسطينية، في حين يقتصر تعاملها مع قطاع غزة على دعم المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإغاثية.
لا يبدو أن حماس تستفيد من المنح المالية التي تقدمها تركيا إلى قطاع غزة، لأن هذه المساعدات تقدم مباشرة إلى الفئات المستهدفة من الفقراء والمحتاجين والمعاقين الفلسطينيين، دون الحاجة إلى وجود وسيط بينها وبين هؤلاء، كما أن الأتراك حريصون، كما يبدو، على عدم تقديم مساعدات مالية لحماس خشية اتهامهم من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم الإرهاب.
أخيراً التقارب المتزايد الذي تبديه تركيا باتجاه السلطة الفلسطينية، من خلال الاتفاقيات الأخيرة معها، وفي الوقت ذاته بقاء علاقاتها مع حماس، وإن بوتيرة أخف، على الأقل من الناحية الرسمية، يؤكد أن أنقرة حريصة على عدم التفريط بأي طرف على الساحة الفلسطينية، حماس وفتح، وإن كان ذلك لا يرضي أياً منهما، لأنهما حريصتان على كسب أنقرة لصالحهما بصورة حصرية.