القاهرة — أعلنت تركيا في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر عن بدء العمليّة الأولى للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسّطـ. وقد أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعيّة التركيّ فاتح دونماز، خلال مراسم إطلاق سفينة التنقيب، عن أنّ القوّات البحريّة التركيّة ستقوم بما يلزم، في حال تعرّض تلك السفينة إلى أيّ مضايقات، ويأتي ذلك في خضمّ توتّرات قائمة بالفعل في منطقة شرق البحر المتوسّط بين تركيا من جانب ومصر وقبرص واليونان من جانب آخر.
وقد توافقت الدول الثلاث في 10 تشرين الأوّل/أكتوبر على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسّط، يكون مقرّه القاهرة، بهدف تنسيق السياسات الخاصّة باستغلال الغاز الطبيعيّ، بما يحقّق المصالح المشتركة لدول المنطقة من الاحتياطات الحاليّة والمستقبليّة من الغاز.
وقد نجحت مصر كذلك في توقيع اتّفاق مع قبرص في 19 أيلول/سبتمبر الماضي في شأن إقامة خطّ أنابيب بحريّ مباشر ينقل الغاز الطبيعيّ من حقل أفروديت القبرصيّ إلى مصانع الإسالة في مصر وإعادة تصديره، على أن يبدأ ضخّ الغاز القبرصي إلى مصر بحلول عام 2022 بطاقة استيعابية تبلغ 700 مليون قدم مكعب سنوياً، وذلك في إطار سعي مصر إلى التحوّل إلى مركز إقليميّ لتجارة الغاز والبترول وتداولهما.
أمّا تركيا فقد أعلن وزير خارجيّتها مولود جاويش أوغلو في تصريحات صحافيّة في 4 شباط/فبراير الماضي عن عدم قانونيّة الاتّفاقيّة المبرمة بين مصر وقبرص في كانون الأوّل/ديسمبر 2013 والخاصّة باستغلال المصادر الطبيعيّة للبلدين في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لهما في شرق المتوسّط.
وتبع ذلك قيام تركيا في 11 شباط/فبراير الماضي بعرقلة سفينة تنقيب تعاقدت عليها قبرص مع شركة "إيني" الإيطاليّة للتنقيب عن الغاز الطبيعيّ في منطقتها الاقتصاديّة الخالصة، حيث زعمت تركيا أنّ السفينة تتّجه إلى التنقيب ضمن المنطقة السياديّة لها أو للقبارصة الأتراك.
وفي حديث خاصّ إلى "المونيتور"، يقول المتحدّث الرسميّ باسم وزارة البترول الأستاذ حمدي عبد العزيز إنّ "مصر لا تعنيها التحرّكات التركيّة في منطقة شرق المتوسّط لأنّها تعمل ضمن اتّفاقيّات ترسيم الحدود مع قبرص واليونان، ووفق قواعد القانون الدوليّ المعترف بها".
ويضيف عبد العزيز أنّ "مصر تسعى إلى أن تصبح مصدراً إقليميّاً للطاقة من خلال نقل الغاز القبرصي الموجود في شرق المتوسّط لتسييله وتصديره إلى الخارج، وبالتالي فهي قد حقّقت تقدّماً كبيراً من الصعب أن يؤثّر عليه أيّ طرف، ومصر قادرة على حماية مكتسباتها في شرق المتوسّط".
ويكمل عبد العزيز أنّ "مصر تتعاون مع شركات عالميّة مثل شركة إيني الإيطالية من أجل التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة الاقتصاديّة الخاصّة بها في شرق المتوسّط، وسوف تستمرّ في ذلك".
وتنبع أهمّيّة منطقة شرق المتوسّط من وجود تقديرات بوجود احتياطات استراتيجيّة ضخمة من الطاقة في تلك المنطقة، حيث تقدّر احتياطات الغاز الطبيعيّ بحوالى 122 تريليون قدم مكعّب.
وقد شكّل اكتشاف مصر لحقل ظهر في شرق المتوسط في عام 2015 تغييراً لخريطة الغاز الطبيعيّ في منطقة شرق المتوسّط، في ظلّ تقديرات باحتياطات من الغاز تصل إلى 30 تريليون قدم مكعّب، ويسهم إنتاج حقل ظهر في توفير ما يعادل 3 مليارات دولار سنويّاً لمصر، وفق تصريحات صحافيّة لوزير البترول طارق الملّا في 31 كانون الثاني/يناير 2018.
وكان الملّا قد أعلن في مؤتمر صحافيّ في 5 تموز/يوليو 2018 أن مصر سوف تعود لتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية في عام 2019.
وفي حديث خاصّ إلى "المونيتور"، أشار الباحث المتخصّص في دراسات الطاقة ابراهيم الغيطاني إلى أنّ "هناك نزاعاً بين قبرص وتركيا حول بعض المناطق التي تتبع إلى المنطقة الاقتصاديّة القبرصيّة في البحر المتوسّط، وبالفعل قامت تركيا خلال الفترة الماضية بتعطيل التنقيب عن النفط والغاز في بعض المناطق التابعة إلى قبرص".
ويضيف الغيطاني أنّه "في ظلّ إمكان تأثّر قبرص بالتحرّكات التركيّة وسعيها إلى التنقيب في شرق المتوسّط، فإنّ ذلك ينعكس على مصر من خلال التأثير سلباً على خطّة مدّ خطّ أنابيب لنقل الغاز بين مصر وقبرص، وذلك في حال قامت تركيا بتعطيل الإنتاج أو التنقيب القبرصيّ، لكن من المستبعد أن تؤثّر تركيا على تنقيب مصر في منطقتها الاقتصاديّة الخاصّة في شكل مباشر".
واستبعد الغيطاني إمكان أن تؤثّر تركيا على نجاحات مصر في شرق المتوسّط، خصوصاً في ظلّ اكتشاف مصر احتياطات كبيرة من الغاز في عام 2015 وتحقيقها الاكتفاء الذاتيّ منها، في حين أنّ تركيا ما زالت في حاجة إلى زيادة الإنتاج من الغاز لتوجيهه إلى السوق المحلّيّ ذات الاحتياجات الكبيرة، وبالتالي من الصعب أن تنافس تركيا مصر كمركز للطاقة في شرق المتوسّط، خصوصاً أنّ موقف مصر أقوى، بعد تعاونها البارز مع قبرص واليونان وحتّى إسرائيل.
وتقوم تركيا باستهلاك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي وصلت إلى 53 مليار متر مكعب عام 2017 في حين أن حجم إنتاجها لم يتجاوز (0.35) مليار متر مكعب خلال نفس العام.
تناور تركيا من خلال عدم اعترافها بالاتّفاقيّة بين مصر وقبرص الموقعة في عام 2013، لأنّ الموقف التركي القانونيّ ضعيف، وليس لها الحقّ في التنقيب في المنطقة القبرصيّة الخاصّة أو تعطيل أعمال التنقيب فيها، لأنّ ذلك مخالف للقانون الدوليّ واتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار، وذلك وفق أستاذ القانون الدوليّ العامّ ورئيس جامعة بني سويف السابق الدكتور أحمد رفعت.
ويضيف رفعت في حديث خاصّ إلى "المونيتور" أنّ "مصر لم تكن لتحقّق أيّ نجاحات في ملفّ الطاقة في شرق المتوسّط لولا اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص واليونان، وأيّ تعطيل تركيّ لعمليّات التنقيب لأيّ دولة منهم في شرق المتوسّط هو عمل عدوانيّ في الأساس، ويمكن أن تتّجه الدول المتنازعة إلى محكمة العدل الدوليّة من أجل الاحتكام إليها، ولو وصل الأمر إلى ذلك، فإنّ تركيا سوف تخسر القضيّة".
ويكمل رفعت أنّه "بعد توقيع العديد من الاتّفاقيّات الناجحة بين مصر وقبرص، وهي اتّفاقيّات تندرج ضمن القانون الدوليّ، فإنّ مصر مطالبة بتقديم الدعم إلى قبرص، في حال قامت تركيا بأيّ انتهاكات ضدّ قبرص، وهذا لا يعني الوصول إلى نزاع مسلّح، ولكن أن يكون هناك ردع قانونيّ وسياسيّ لتركيا من خلال اللجوء إلى الجهات الدوليّة المختصّة للفصل بين الدول المعنيّة".