منبج، سوريا — التوصّل إلى اتّفاق بين قوّات سوريا الديمقراطيّة (قسد) ونظام بشّار الأسد، في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر، خلط الأوراق وغيّر من موازين القوى، في وقت يواصل فيه الجيش التركيّ والجيش الوطنيّ السوريّ المعارض المدعوم من أنقرة، منذ 10 تشرين الأوّل/أكتوبر، هجوماً على "قسد" في شمال سوريا.
وأعلنت الإدارة الذاتيّة التابعة لـ"قسد"، في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر، أنّ اتّفاقاً أبرم مع النظام السوريّ يقضي بانتشار جيش النظام على طول الحدود السوريّة - التركيّة، لمؤازرة "قسد" في صدّ الهجوم التركيّ واسترجاع المناطق التي خسرتها.
لم يعلن بشكل واضح عن بنود الاتّفاق وما هو المقابل الذي ستحصل عليه حكومة نظام الأسد مقابل الدعم العسكريّ الذي ستمنحه لـ"قسد"، إلاّ أنّ قائد قوّات سوريا الديمقراطيّة مظلوم عبدي قال في هذا السياق بـ13 تشرين الأوّل/أكتوبر: "نعلم أنّ علينا تقديم تنازلات مؤلمة عبر اتّفاقنا مع روسيا وبشّار الأسد، ولكن إن كان علينا الاختيار بين تقديم تنازلات لهما وبين تعرّض شعبنا للإبادة، فبالتأكيد سنختار الحفاظ على حياة شعبنا".
ومنيت "قسد" بخسائر سريعة، إثر هجوم الجيشين التركيّ والوطنيّ السوريّ، تمثّلت بخسارتها مدينة تلّ أبيض في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر ومساحة من الأراضي تقدّر بألف كيلو متر مربّع، وهو الأمر الذي يؤكّد أنها غير قادرة على المواجهة بمفردها، بعد أن تخلّت واشنطن عنها. ولذلك، كان لا بدّ من الاتّفاق مع النظام في دمشق لوقف هذا التوغّل.
ودخلت قوّات جيش النظام، بالفعل في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، مناطق عدّة تحت سيطرة "قسد" مثل مدينتيّ الحسكة والطبقة، ومطار الطبقة العسكريّ.
وانتشر جيش النظام داخل "المنطقة الآمنة" التي تعتزم تركيا إقامتها ضمن عمليّة "نبع السلام"، التي قال الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان إنّها ستكون بعمق 30 حتى 35 كلم.
وقالت وكالة الأنباء السوريّة "سانا" في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر: إنّ وحدات من جيش النظام تحرّكت باتّجاه الشمال لمواجهة "العدوان التركيّ".
ودخل جيش النظام بلدة تلّ تمر، الواقعة شمال مدينة الحسكة، وتبعد 30 كلم عن الحدود التركيّة. كما دخل بلدة عين عيسى، الواقعة شمال مدينة الرقّة، وتبعد 33 كلم عن الحدود التركيّة. ورغم هذه التعزيزات، واصل الجيشان التركيّ والوطني السوريّ تقدّمهما إذ سيطرا في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر على 5 قرى قرب مدينة "تلّ أبيض"، وعلى 3 قرى أخرى قرب مدينة "رأس العين"، فيما لا تزال قوّات "قسد" تبدي مقاومة عنيفة في مدينة "رأس العين"، حالت دون سيطرة الجيش الوطنيّ السوريّ عليها حتّى الآن.
ويبدو أنّ جيش النظام قد انخرط في القتال إلى جانب قوّات "قسد" بالفعل، إذ أعلن الجيش الوطنيّ السوريّ في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر تدمير دبّابة تتبع لقوّات النظام قرب بلدة عين عيسى في شمال الرقّة ومقتل عنصرين في داخلها، إلاّ أنّ التطوّر الأبرز كان مسارعة الجيش الوطنيّ السوريّ، في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، لبدء الهجوم باتّجاه مدينة منبج، الواقعة شمال شرق مدينة حلب 80 كلم، إذ تسيطر قوّات "قسد" عليها، وأرسلت قوّات النظام تعزيزات عسكريّة إليها.
وأشار الجيش الوطنيّ السوريّ إلى أنّه سيطر على قريتين غربيّ منبج، غير أنّه فشل في إحراز تقدّم ملموس، إذ تمكّنت "قسد" من احتواء الهجمة.
ومن شأن سيطرة الجيش الوطنيّ السوريّ على مدينة منبج، فتح طريق إمداد سريع يربط مناطق سيطرته في شمال حلب، المعروفة باسم "درع الفرات"، بالمناطق التي سيطر عليها أخيراً في إطار عمليّة "نبع السلام" قرب مدينتيّ "تلّ أبيض" و"رأس العين".
وتوجّه "المونيتور" في اليوم التالي بـ15 تشرين الأوّل/أكتوبر، إلى خطّ المواجهة غربيّ مدينة منبج 18 كلم، حيث ساد المنطقة هدوء حذر، فيما احتشد مئات من مقاتلي الجيش الوطنيّ السوريّ خلف ساتر ترابيّ، إلى جانب عربات مصفّحة وسيّارات مزوّدة برشّاشات ثقيلة.
وقال مقاتل يرتدي بزّة عسكريّة تحمل علم الثورة السوريّة، إلى جانب العلم التركيّ، لـ"المونيتور": "تمكّنا البارحة من التقدّم والسيطرة على قريتين. أمّا اليوم فأتت الأوامر من القادة العسكريّين بإيقاف الهجوم موقّتاً (..) ونحن هنا ننتظر إشارة البدء".
وعلى ما يبدو، فإنّ تطوّرات جديدة أوقفت الهجوم، فقد أنهت قوّات التحالف الدوليّ الذي تقوده واشنطن ضدّ "داعش" انسحابها من منطقة منبج، في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر، وأعلنت وزارة الدفاع الروسيّة لاحقاً في اليوم ذاته عن تسيير دوريّات على طول خطّ المواجهة حول منبج.
ويسمع بوضوح صوت طائرات استطلاع تركيّة تحوم في الأجواء هنا قرب منبج، وقال قائد ميدانيّ يتبع للجيش الوطنيّ السوريّ، شريطة عدم الكشف عن اسمه، لـ"المونيتور": "إنّ مسألة دخولنا إلى منبج تتعلّق الآن بالتفاهمات بين أنقرة وموسكو. تجري مفاوضات في هذه الأثناء، لكنّنا على أهبّة الاستعداد للمعركة عندما يتطلّب الأمر".
وفي السياق ذاته، أشار رجب طيّب أردوغان، في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر، إلى أنّ المحادثات مع واشنطن وموسكو بشأن مدينتيّ كوباني (شمال سوريا) ومنبج مستمرّة، لافتاً في حديث للصحافيّين أثناء رحلة عودته من أذربيجان على متن طائرة، إلى أنّ دخول قوّات نظام الأسد إلى مدينة منبج ليس أمراً سلبيّاً جدّاً بالنّسبة إليه، موضحاً أنّ الأهمّ بالنّسبة إليه خروج المنظّمات الإرهابيّة YPG / PYD.
ويمثّل هذا التصريح لأردوغان موقفاً واضحاً لتركيا من الاتّفاق الأخير المبرم بين "قسد" ونظام الأسد في دمشق، فطالما أنّ الاتفاق سيقوّض من سلطة "قسد" وتمتّعها بدولة مستقلّة فهو يصبّ في مصلحة تركيا.