سوف يكون زوّار معرض الصناعات الدفاعية الدولي الذي يُنظَّم كل سنتَين، على موعد مع عدد كبير من المنتجات الجديدة، منها عدد قياسي من المنتجات التي هي من صنع شركات تركية والتي تستهدف الشارين الأجانب. يُقام المعرض، الذي تنظّمه مؤسسة القوات المسلحة التركية والمخصص للصناعات الدفاعية والأمنية والبحرية والجوية والفضائية، في اسطنبول من 9 إلى 12 أيار/مايو الجاري. يُشار إلى أن تركيا هي العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي ينظّم معرضاً للصناعات الدفاعية في الشرق الأوسط.
قال الخبير في الشؤون الدفاعية هاكان كيليك لموقع "المونيتور" إن المعروضات كانت عبارة في الأعوام السابقة عن منتجات شاركت بعض الشركات التركية في تصنيعها، أو عن منتجات من تصنيع شركات أجنبية تستهدف السوق التركية. لكن هذا العام، يُعرَض عدد قياسي من المنتجات التي تولّت تصنيعها شركات تركية تعمل في القطاع الدفاعي.
أضاف: "بالنسبة إلي، التطور الأهم في المعرض لهذا العام هو أن القوات المسلحة التركية لم تعد الزبون المحتمل الوحيد في معرض تشارك فيه ستمئة شركة من خمسين بلداً".
أبرز المشاريع المنتظرة في الدورة الحالية من المعرض هي المنظومة الصاروخية KAAN من تصنيع شركة "روكتسان أيه إس" التابعة للقوات المسلحة التركية، وصواريخ "تي آر جي-300 (تايغر) كابلان" التي ستُعرَض أمام الجمهور لأول مرة. ومن المنظومات الأخرى التي سيتم الكشف عنها في المعرض صاروخ "بورا" (كلمة تركية تعني العاصفة) الطويل المدى الذي تعمل تركيا على تطويره من خلال نقل التكنولوجيا المستخدمة في النموذج الصيني "بي 61-11-إم". "بورا" هو الصاروخ التركي الأول الذي يتخطى مداه ثلاثمئة كيلومتر (186 ميلاً).
وكذلك ستُعرَض لأول مرة أجهزة محاكاة صُمِّمت لتدريب الطيارين الذين يقودون مروحيات "أتاك" الهجومية. ومن المعروضات الجديدة الأخرى مدفعية عيار 155 ملم (6 إنشات) عالية الحركية توضَع على شاحنات سداسية الدفع، وهي من تصنيع "شركة الصناعة الميكانيكية والكيميائية" المملوكة من الدولة التركية.
ومن المعروضات التي يُتوقَّع أن تلفت الأنظار أيضاً النموذج المبدئي لطائرة "هوركوس-سي" التي تشتغل بواسطة محرك تربيني مروحي، والتي صُمِّمت لتقديم دعم جوي عن قرب في القتال المنخفض الحدّة، والصواريخ الموجّهة جو-أرض المضادة للدبابات UMTAS التي ستُجهَّز هذه الطائرة بها.
ومن المنتجات الأخرى التي تسترعي الانتباه منظومة "صابان" المغناطيسية الكهربائية ("صابان" كلمة تركية تعني حبال). يُتوقَّع أن يدشّن هذا السلاح حقبة جديدة في تكنولوجيا الدفاع الجوي والصاروخي. لقد أنتجت تركيا نموذجاً مبدئياً منه، وتسعى إلى التقدّم في هذا المضمار لتصبح خامس دولة تستحوذ على هذه التكنولوجيا – بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وروسيا.
من المشاريع الأخرى التي تُعرَض لأول مرة الطائرة القتالية الوطنية TFX، وسلاح "غوكتوغ"، وهو النسخة التركية عن صواريخ "سايدويندر-9" الموجّهة الأميركية الصنع.
يُتوقَّع أن تسلّط الدورة الحالية من معرض الصناعات الدفاعية الدولي الضوء على حلول للمشكلات التي واجهتها تركيا خلال عملية "درع الفرات" والعمليات الأمنية الداخلية. ومن المشاريع التي سيتم التركيز عليها عدد كبير من المنصات الجوية مثل طائرة TFX، والمشروع الوطني لتطوير المروحيات، ومجموعة متنوّعة من الطائرات من دون طيار.
تبدي تركيا اهتماماً حقيقياً بتطوير القطاع الدفاعي وصناعة الطيران. في العام 2008، بلغت قيمة صادراتها في هذا المجال 600 مليون دولار أميركي فقط. أما في العام 2016 فوصلت إلى 1.68 مليار دولار. غير أن الصناعة الدفاعية التركية عرفت تباطؤاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية. على سبيل المثال، ازدادت الصادرات في العام 2016 بنسبة 1.5 في المئة فقط بالمقارنة مع العام 2015. كي تتمكن تركيا من تحقيق هدفها وزيادة قيمة الصادرات في الصناعة الدفاعية إلى 25 مليار دولار بحلول العام 2023، يجب أن يبلغ معامل النمو في القطاع 15. لا يبدو ذلك قابلاً للتحقق، إذ يتعين على تركيا أولاً معالجة مسائل بنيوية مهمة متعلقة بالصناعات الدفاعية والفضائية وصناعة الطيران.
قال الخبير في الصناعة الدفاعية أردا مولود أوغلو لموقع "المونيتور" إن تركيا تقف الآن عند مفترق أساسي: "سجّلت الصناعة الدفاعية التركية نمواً فائق السرعة خلال الأعوام العشرة الماضية. كانت هناك مشاريع كثيرة مطروحة على طاولة البحث. لكننا بلغنا الآن مرحلة الانتقال من النماذج البدائية إلى الإنتاج. سوف يكون على تركيا معالجة مسائل مثل خط التجميع وخدمات ما بعد البيع. هل يمكننا إنتاج تلك النماذج البدائية بصورة مستدامة؟ لن يكون ذلك سهلاً. السبيل الوحيد كي نتمكّن على الأرجح من الحفاظ على المكاسب التي حققناها حتى الآن هو اتّباع سياسة صناعية سليمة".
يعاني القطاع، قبل كل شيء، من مشكلة خطيرة في الإنتاجية. فقد لفت مولود أوغلو إلى عدم التقيد بجداول المواعيد والموازنات في مجال الإنتاج. كما أن الموارد لا تُستخدَم بالطريقة المناسبة أو بصورة فاعلة. من الضروري أن تدعم الدولة القطاع بهدف تعزيزه، لكن يجب أن يتم هذا الدعم بطريقة تشجّع على المنافسة. لا وجود لأجواء تنافسية في تركيا حتى الآن، والشركات التي لا تواجه تحدّياً من أطراف منافِسة يمكن أن تصاب بالتراخي، وتفقد الإنتاجية، وتُهمل الابتكار.
من المشكلات البنيوية الأخرى النقص في اليد العاملة المؤهّلة والرأسمال الفكري. بحسب مولود أوغلو، يعمل نحو 35 ألف شخص اليوم في قطاعات الدفاع والطيران والفضاء في تركيا، لكن عدد المهندسين والعمال ذوي الياقات البيضاء الذين يمكن تصنيفهم في خانة الموظفين ذوي الكفاءات، يبلغ نحو ثلاثة آلاف فقط. كي تتمكن تركيا من تحقيق هدفها ورفع قيمة صادراتها في الصناعة الدفاعية إلى 25 مليار دولار، يجب مضاعفة أعداد اليد العاملة المؤهلة أربع مرات لتصل إلى 12 ألفاً. لا يملك صنّاع القرارات في أنقرة خريطة طريق أو رؤية لتحقيق هذا الهدف. إذا لم يتمكّنوا من معالجة هذا النقص الخطير، فإن المشاريع التي يروّجون لها ستقتصر على وضع نماذج بدائية أو على إنتاج محدود جداً، ولن تذهب أبعد من ذلك.
تشبه الصناعة الدفاعية وصناعة الطيران في تركيا بصورة متزايدة قطاع الإنشاءات المزدهر في البلاد. فالتقارير المضخّمة والمنمّقة عن النجاح تشجّع عدداً كبيراً من الشركات على الانخراط في هذا المضمار. لكن لا أحد يخبر تلك الشركات عن الإخفاقات. ثمة تقارير عن طلبات لا تتم تلبيتها، ومهل لا يتم التقيد بها، وإخفاقات هائلة خلال الاختبارات. مع ذلك، يتمسّك القطاع بشعاره: "سوف ننتج طائرة TSK مهما كان الثمن"، وهذه ليست مقاربة مبتكرة البتّة.
نظراً إلى الارتفاع الشديد في تكاليف البحوث والتطوير، يسأل المتعاقدون في القطاع الدفاعي بطبيعة الحال مستخدمي طائرة TSK والشرطة وسواهم من المستخدمين عن الخصائص التي يرغبون فيها أكثر من سواها ويمكنهم تسديد ثمنها، من هنا الشح في الحلول المبتكرة في هذا القطاع. كذلك تشتكي الشركات التركية من أن القيّمين على الصناعة الدفاعية ووزارة الدفاع يعاملون الشركات التركية بالطريقة نفسها التي يعاملون بها الشركات الأجنبية الأكثر تقدماً إلى حد كبير، ولا يقدّمون تسهيلات في الأسعار والمناقصات من شأنها مساعدة الشركات التركية على المنافسة.
نظراً إلى سيطرة الشركات العملاقة المحلية مثل "أسلسان" و"روكتسان" و"هافلسان"، والضغوط الشديدة التي تمارسها الشركات الأجنبية، يتعذّر عملياً على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في مجالات إعداد البرمجيات المعلوماتية، والإلكترونيات، والمنظومات البصرية أن تثبت حضورها وتشارك في المناقصات، وربما تنطلق على الطريق نحو التحول إلى علامات تجارية عالمية.
أخيراً، وكما كل شيء آخر في تركيا، يتحوّل التسييس المتزايد لهذا القطاع إلى عائق بنيوي كبير يعترض نموّه.