طلب أحد محرّري مجلّة "غراتسيا" أن تعلّق المؤرّخة "فريان صباحي" المختصّة في شؤون إيران والشرق الأوسط على الاعتصامات في بلدها. وجاء ذلك بينما كانت الاحتجاجات في إيران تحتلّ عناوين الصحف الدوليّة في أوائل كانون الثاني \ يناير.
شدّدت صباحي في المقال الذي كتبته حول دور المرأة في المظاهرات على أن المتظاهرات أردن ما كان يريده المتظاهرون — أي المزيد من فرص العمل والحقوق السياسية. وأشارت إلى أنه على الرغم من أهميّة مسألة المرأة في إيران، إلاّ أن الزاميّة ارتداء الحجاب لم تتسبّب بالانتفاضة بشكل مباشر. كما علّقت على صورة "الحجاب الأبيض" التي ظهرت في الإعلام والتي صُوّرت فيها امرأة غير محجّبة، لم يُكشف عن اسمها، وهي تقف وحدها ملوّحة بصمت وشاحًا أبيض. وشرحت صباحي أن الصورة لا صلة لها بالمظاهرات الأخيرة، و إنّما التُقتت قبل يوم واحد من اندلاعها، كجزء مما يُعرف باسم حركة "الأربعاء الأبيض" التي بدأت منذ عدّة أشهر. وأبرزت في المقال أن الحجاب لم يلعب أي دور في الاحتجاجات الحالية التي ولّدها الظلم الاقتصادي والسياسي.
وتفاجأت صباحي بعد صدور المقال من التغييرات التي طرأت على محتواه — بما في ذلك الشرح الذي قدّمته حول الصورة التي تعود إلى حركة "الأربعاء الأبيض". فكّرت الكاتبة أن التغييرات جميعها قد بدّلت وجهة نظرها وصوّرت رغبة المرأة في خلع الحجاب على أنها المحرّك وراء الانتفاضة الحالية. وقالت صباحي لـ "المونيتور"، "لقد توجّهت إلى رئيسة التحرير برسالة إلكترونية، فقدّمت اعتذارها سريعًا". كما كتبتُ صوابًا للخطأ على "فيسبوك". إلاّ أن المقال المغلوط ظلّ في الأكشاكمن على الرغم من سحبه من التداول على الانترنت.
يعبّر هذا الحدث، بالنسبة إلى صباحي إلى أكاديميين آخرين، عن مبالغة في ما يخص الحجاب والحركة النسائية في المظاهرات الإيرانية. وبما أن وسائل الإعلام الغربية تنظر إلى المرأة المحليّة التي تعبّر عن آرائها السياسية على أنها العامل الجاذب للأخبار، غالبًا ما تستخدم صور النساء وحديثهنّ في تقاريها المتعلّقة بالاحتجاجات، حتى لو كان عدد النساء المشاركات صغيرًا. فعلى ما يبدو، تحوّل الحجاب، حتى ولو كان عنصرًا ليس ذات أهميّة كبيرة في الحراك الأوسع، إلى رمز يختزل مشاركة المرأة فيه.
وبحسب الباحثة في معهد الدراسات السياسية في باريس ومؤلفة كتاب " The Mystery of Contemporary Iran" (لغز إيران المعاصرة) مهناز شيرالي، لقد كانت تغطية وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية للاحتجاجات الإيرانية في الغالب "جزئيّة وسطحية في بعض الأحيان".
وقالت لـ "المونيتور"، "إنه صحيح أن مسألة الحجاب مهمة وذات رمزيّة تشير إلى قمع النظام، إلاّ أنه لا ينبغي اختزال مطالب المجتمع الإيراني — والمرأة — بمسألة الحجاب واعتبارها السبب الأساسي وراء المظاهرات".
وقالت صباحي، "تشكوا المرأة في الوقت الحاضر من ارتفاع الأسعار والفساد وانعدام الشفافية. وتتلاقى شكاواها مع القضايا التي تُقلق الرجل". وتابعت قائلة إنه حتى وإن كان عدد النساء في الحراك في الشارع كبيرًا، لا يشكّل الحجاب "نقطة التركيز الرئيسية".
شرح الزميل الزائر في مركز بروكنجز الدوحة علي فتح الله نجاد لـ "المونيتور" إنه على الرغم من أن غالبية المتظاهرين هم من الذكور من الشباب ومن الطبقة العاملة، إلاّ أن المظالم والشعارات التي تم التعبير عنها خلال الاحتجاجات "تتخطّى الجندرة وحتى الطبقة [الاجتماعية]".
وعلى الرغم من أن معظم الخبراء في شؤون إيران الذين تمت استشارتهم لصياغة المقال هذا لا يعتبرون الزاميّة الحجاب سببًا من أسباب الاحتجاجات، إلا أنهم ينظرون إليه على أنه المحرك الجوهري لمقاومة المرأة الإيرانية.
أطلقت الناشطة الإيرانية في مجال حقوق المرأة مسيح علي نجاد الحملة الشهيرة "حريّتي المستترة" My Stealthy Freedom ضد الحجاب الالزامي في العام 2014، وهي اليوم الحملة الأوسع والأشهر على الإنترنت في إيران احتجاجًا على الزاميّة ارتداء الحجاب. ولا يقتصر حديث النساء الإيرانيات من خلالها على ارتداء الحجاب بالاكراه وإنما أيضًا على "القوانين الإيرانية الجائرة عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة، ابتدًا من العمل إلى الزواج والطلاق، ومن السفر إلى حضور المباريات الرياضية، الخ"، بحسب ما قالت علي نجاد لـ "المونيتور".
وشرحت علي نجاد كيف باتت الحركة التي أسستها بارزة بشكل أكبر في الشوارع منذ أيار \ مايو من خلال حملات "الأربعاء الأبيض". وقالت إن استمرارية حملة "حريّتي المستترة" وحملة "الأربعاء الأبيض" قد ساهمت في نشر الوعي بين النساء الإيرانيات حول دورهنّ الاجتماعي. وقالت،"لقد وصلني من نساء كنّ قد شاركن في حملة "الأربعاء الأبيض" ويشاركن في الاحتجاجات [الحالية] العديد من مقاطع الفيديو".
وقد سارت نساء أخريات في مدن مختلفة في إيران على خطى المرأة الشابة التي التُقطت لها صورة وهي تلوّح وشاحها الأبيض. "لم أتمكّن من المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة لأسباب صحية، إلاّ أنني شاهدت الفيديو الخاص بتلك الشابة الشجاعة غير المحجّبة وهي تلوّح حجابها وكأنه علم أبيض، فقررت دعمها، ونشرتُ بعض الصور على تطبيق "إنستاغرام" أظهر فيها من دون الحجاب"، بحسب شابارك شجري، 42. وهي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وكانت قد شاركت في احتجاجات العام 2009. وأضافت لـ "المونيتور" قائلة "ليست الزامية ارتداء الحجاب السبب الوحيد الذي نرغب كنساء في تغييره، بل نريد أيضًا استعادة كرامتنا".
لقد انتشرت كل من الصورة ومقطع الفيديو الذين التُقطا في 27 كانون الأول \ ديسمبر للشابة وهي تلوّح بهدوء وشاحها الأبيض في وسط شارع انقلاب المزدحم في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية من حيث عدد السكان. لفتت علي نجاد إلى أنه "مع انتشار الاحتجاجات، ألهم الاحتجاج اللاعنفي للفتاة الواقفة وحدها الكثير من الناشطين الإيرانيين على الإنترنت". "فبدّل آلاف الإيرانيين صور ملفّهم الشخصي معتمدين صورة تعكس فعلها. واعتُبرت بادرتها رمزًا للمقاومة، كما استحوذ احتجاجها على مخيّلة النساء والرجال الإيرانيين والنسويّين منهم وغير النسويين".