القاهرة — انقسم مستخدمو وصائل التواصل الاجتماعي في مصر بين من يرى أن برنامج وراء الستارة، وهو النسخة المصرية من برنامج العرائس الساخرة البريطاني "Spitting Images" و"Les Guignol" الفرنسي، ينم عن ذكاء وانتقاد لاذع، ومن يرى أنه يعتمد على أخبار وهمية وحملات دعائية.
"هذا البرنامج غير محايد إطلاقاً ومنحاز تماماً للتنوير ضدّ الظلام، والتقدّم ضدّ الرجعيّة، والتفكير ضدّ التكفير، والعقل ضدّ الغباء، والبهجة ضدّ التعصب"... بهذه العبارة، يعرّف البرنامج نفسه على صفحته الرسميّة على موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك"، وهو عبارة عن سلسلة حلقات مصوّرة لمسرح سياسيّ ساخر ناطق باللغة العربيّة وباللهجة المصريّة تحديداً، وهو قائم على العرائس التي يتمّ تحريكها بآلات التحكّم عن بعد.
انطلق البرنامج في 1 تمّوز/يوليو 2019، وهو يعتمد على مجسّمات أو عرائس لشخصيّات سياسيّة حقيقيّة، وهي رئيس مصر الأسبق محمّد أنور السادات، والرئيس الليبيّ السابق معمّر القذّافي، ورئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير، والمرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة الأسبق في إيران روح الله الخميني، ورئيس وزراء إسرائيل الحاليّ بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركيّ الحاليّ دونالد ترامب، والرئيس التركيّ الحاليّ رجب طيّب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وزعيم تنظيم "داعش" الإرهابيّ أبو بكر البغدادي.
ويقدّم البرنامج تحليلات لسياسات بعض الدول، هي إسرائيل وقطر وتركيا وإيران والولايات المتّحدة الأميركيّة حتّى الآن، وبعض التنظيمات الإرهابيّة وبعض الأحداث المثيرة للجدل، من خلال حوارات تخيّليّة بين الشخصيّات السابقة، وتتخلّل تلك المشاهد المسرحيّة المصغّرة خلفيّات معلوماتيّة عن الدول والتنظيمات والأحداث الجدليّة المعنيّة.
وعلى الرغم من الإشادات التي لا تعدّ ولا تحصى بالبرنامج، إلّا أنّه لم يخل من انتقادات لاذعة من بعض المشاهدين، حيث كتب أحمد حليمة، وهو أحد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك"، في تدوينة له على صفحته الشخصيّة في 30 تمّوز/يوليو: "قدر الكذب والتدليس وقلب الحقائق مهول! هل عبارة برنامج غير محايد في ديباجة برنامج "ورا الستارة" رخصة للكذب والتدليس؟!!".
فيما علّقت نداء عوينة، إحدى مستخدمات "فيسبوك" أيضاً، على البرنامج، في تدوينة على حسابها الشخصيّ في 17 تمّوز/يوليو، كاتبة: "كلّ شيء فيه (برنامج "ورا الستارة") مريب، المغالاة في السخرية من قطر... غياب تامّ للسعوديّة والإمارات والسيسي عن طابق السخرية، السماجة والسفاهة في السخرية من الإسلاميّين وعدم التفريق بين الإسلاميّين والإرهابيّين المتطرّفين ووصفهم بالدمى في يد دول الاستعمار".
وما زاد الانتقادات حول البرنامج هو عنصر السرّيّة الذي يحيط بالجهة المنتجة وطاقم العمل اللذين لا تظهر أسماؤهما إطلاقاً في العناوين أو على الموقع والصفحات الرسميّة للبرنامج، وحاول "المونيتور" التواصل مع فريق البرنامج من خلال البريد الإلكترونيّ المدوّن على الصفحة الرسميّة والموقع الإلكترونيّ، للردّ على الانتقادات الموجّهة إليه، إلّا أنّه لم يتلقّ أيّ ردّ حتّى الآن.
إلّا أنّ الكاتب المتخصّص في مسرحيّات العرائس وسام الموجي قال لـ"المونيتور": "برامج العرائس ذات طبيعة خاصّة، وتحتاج إلى موافقة كلّ شخص يتمّ تجسيده في صورة دمية، أو ذويه في حال وفاته، وهو أمر شبه مستحيل مع الشخصيّات المجسّدة في البرنامج، ولهذا أرجّح أنّ سرّيّة طاقم العمل ترجع إلى كونه يخشى ملاحقة الأشخاص المجسّدين في البرنامج له قضائيّاً، لأنّه مكوّن من أفراد غير مدعومين من أيّ جهة في أيّ دولة، فلو كانوا مدعومين لأفصحوا عن أسمائهم من دون قلق أو خوف من الملاحقات، لأنّ الجهات الداعمة كانت ستحميهم".
وعن موضوعيّة البرنامج، يرى الموجي أنّ الجمهور يخلط بين الموضوعيّة والحياديّة، وأوضح، قائلاً: "البرنامج موضوعيّ لأنّه يستقي تفاصيل الحوار والمعلومات، حتّى وإن انطوت على بعض المبالغات الكوميديّة، من تقارير ومصادر موثّقة، إلّا أنّ ذلك لا ينفي أنّه يتجاهل مصادر أخرى لأنّه غير حياديّ، وهذا طبيعيّ في المسرح السياسيّ الذي ينحاز إلى وجهة نظر صنّاعه فقط، وكونه برنامجاً سياسيّاً، فإنّ ذلك يعني أنّ جمهوره من البالغين القادرين على البحث، من وجهات النظر كافّة، عن التفاصيل والشخصيّات التي يتناولها البرنامج، وقراءتها".
وعن المستوى الفنّيّ، قال أحد مخرجي مسرح العرائس في المسرح القوميّ المصريّ هاني البنّا، لـ"المونيتور" إنّ سبب نجاح "ورا الستارة" يرجع إلى عنصر الاحترافيّة في تصميم العرائس وتحريكها، كما يرجع إلى أنّ الجمهور المصريّ أو العربيّ في وجه عامّ كان متشوّقاً إلى مثل تلك العروض بسبب تراجع عددها وإمكانيّتها في مصر، وربّما في العالم العربيّ.
وكانت برامج العرائس في مصر تحظى بمتابعة كثيفة من الصغار وأحياناً الكبار، وكان من أشهر تلك البرامج "اللي فات سات" في عام 2000، والذي كان يعتمد على مجموعة من العرائس التي تجسّد شخصيّات فنّيّة ومثقفة.
أمّا الكاتب المتخصّص في مسرح العرائس محمّد بهجت فقال لـ"المونيتور" إنّ نجاح "ورا الستارة" يرجع إلى انتمائه إلى فئة المسرح السياسيّ الساخر، وأوضح، قائلاً: "الساحة السياسيّة الإقليميّة والدوليّة تشهد يوميّاً العديد من الأحداث العبثيّة والمؤسفة التي أصبح الجمهور يكره تناولها جدّيّاً من خلال البرامج السياسيّة، وفي الوقت نفسه، لا يستطيع تجاهلها لأنّها تؤثّر على حياته، لذلك تعتبر البرامج الساخرة الخيار المفضّل لتناول تلك القضايا ذات الطابع المؤسف أو الرتيب بطريقة مستساغة".
وأضاف بهجت: "كان يمكن أن يقدّم البرنامج من خلال أشخاص حقيقيّين يرتدون أقنعة للشخصيّات التي يؤدّونها، ولكنّ اختيار تقديمهم من خلال العرائس لم يكن عشوائيّاً، حيث إنّ العرائس تعطي انطباعاً للجمهور أنّ السياسيّين الذين يقدّمهم البرنامج هم مجرّد دمى في أيدي قوى أكبر منهم، وهو ما يجذب الجمهور الرافض للواقع السياسيّ الحاليّ في المنطقة، إلى البرنامج بشدّة".