حظيت الانتخابات الإسرائيليّة، التي جرت في 17 أيلول/سبتمبر، بمتابعة فلسطينيّة حثيثة، سواء أكان من قبل السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة أم "حماس" في غزّة، على اعتبار أنّها ليست شأناً إسرائيليّاً داخليّاً، في ظلّ أنّ نتائجها ستلقي بتأثيراتها على الواقع الفلسطينيّ.
ويمكن تتّبع سلسلة من ردود الأفعال الصادرة عن "حماس" حول مجريات العمليّة الانتخابيّة الإسرائيليّة، قبل إعلان النتائج وبعده، الأمر الذي يشير إلى الاهتمام الذي أولته الحركة لهذه الانتخابات، وتأثيراتها المتوقّعة على الواقع الأمنيّ والسياسيّ والاقتصاديّ في غزّة، لا سيّما مستقبل التفاهمات التي أبرمتها "حماس" مع إسرائيل بطريقة غير مباشرة بوساطة قطريّة - مصريّة أمميّة منذ تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018.
وقال المتحدّث باسم "حماس" حازم قاسم لـ"المونيتور": "إنّ الانتخابات الإسرائيليّة أظهرت أنّ الأحزاب الإسرائيليّة المتنافسة تحرّض على العدوان على قطاع غزّة، وضمّ الضفّة الغربيّة، وتدنيس المسجد الأقصى، فحماس لا تراهن على فوز فريق في إسرائيل على آخر".
أضاف: "إنّ التفاهمات تمّت بين الفصائل ودولة الاحتلال بوساطة مصريّة، وليس مع حزب الليكود. وبغض النظر عمّن سيقود إسرائيل بعد الانتخابات، فإنّ حماس ستواصل العمل بكلّ الطرق لكسر حصار غزّة. لقد سمعنا من كلّ الأحزاب الإسرائيليّة تهديدات بمهاجمة غزّة. وكما أنّ نتنياهو نفسه شنّ حروباً ضدّنا، فإنّ منافسه الجنرال بيني غانتس زعيم حزب أزرق-أبيض قاد حرب غزّة في عام ٢٠١٤، ونعتبرهما متساويين في العدوان على القطاع".
إبداء "حماس" عدم اهتمامها بالنتائج التفصيليّة للانتخابات الإسرائيليّة قد يكون الهدف منه إظهار عدم تفريقها بين مكوّنات الحلبة السياسيّة والحزبيّة الإسرائيليّة، وهو أمر يبتعد عن الواقع السياسيّ الحقيقيّ، لأنّ "حماس" أبرمت تفاهمات التهدئة مع اليمين الإسرائيليّ في عام 2018، وأنجزت معه صفقة تبادل أسرى في عام 2011.
تعلم "حماس" جيّداً أنّ في عالم السياسة قد ينشأ تلاقي مصالح بين الأعداء، فالحركة لا تبدي تساهلاً بالتنازل عن سيطرتها على غزّة، في حين أنّ الليكود الإسرائيليّ ليس مستعجلاً لإعادة السلطة الفلسطينيّة إلى القطاع.
السلطة الفلسطينيّة اتّهمت "حماس" بمساندة حزب الليكود في الانتخابات، وقالت صحيفة "الحياة الجديدة" الناطقة باسم السلطة، في 12 أيلول/سبتمبر: إنّ سياسة "حماس" في غزّة تخدم نتنياهو لضمّ غور الأردن.
واعتبر وزير الأسرى السابق في السلطة الفلسطينيّة أشرف العجرمي، في مقاله بصحيفة "الأيّام"، بـ18 أيلول/سبتمبر، أنّ نجاح نتنياهو مع اليمين المتطرّف في تركيب الحكومة المقبلة سيجعل التعامل مع غزّة أقلّ قسوة بسبب رغبته في الحفاظ على حكم "حماس" فيها، رغم أنّ "حماس" لم تحصل على ما تريد من تفاهمات التهدئة. وفي حال تشكيل حكومة برئاسة غانتس، فالأرجح أن تذهب إلى حرب على غزّة لإسقاط حكم "حماس".
من جهته، أشار رئيس تحرير شبكة "الهدهد" للشؤون الإسرائيليّة سعيد بشارات خلال حديث لـ"المونيتور" إلى "أنّ حماس كانت الحاضر الغائب في الانتخابات الإسرائيليّة، وكان لتعاظم قوّة حماس ومساسها بقوّة الردع الإسرائيليّة أثر على تراجع شعبيّة نتنياهو والليكود"، وقال: "إنّ مستقبل التفاهمات في غزّة بين حماس وإسرائيل مرتبط بجديّة الجهات الراعية لها، وحرصها على التوصّل إلى حلّ مشكلة حصار قطاع غزّة. وفي حال أقيمت حكومة وحدة وطنيّة إسرائيليّة، فإنّ التفاهمات ستبقى تراوح مكانها بين تنفيذ كامل وتلكّؤ أحياناً. أمّا إن شكّل طرف إسرائيليّ انفراديّ الحكومة المقبلة، فسيكون صعباً عليه التنكّر للتفاهمات بسبب الرعاية الإقليميّة والدوليّة لها، لكنّ تطبيقها سيكون بطيئاً".
ليس سرّاً أنّ "حماس" معنيّة بأن تلتزم أيّ حكومة إسرائيليّة مقبلة بالتفاهمات المتّفق عليها سابقاً، فضلاً عن تطويرها وتحسينها. وربّما تعلم الحركة أنّ الأمر قد يكون متاحاً في حال عاد التحالف اليمينيّ الإسرائيليّ الحاكم ذاته، رغم صعوبة تحقّق ذلك، في ضوء النتائج الصعبة التي أتت بها الانتخابات الإسرائيليّة.
أمّا في حال تشكيل حزب أزرق-أبيض الحكومة الإسرائيليّة المقبلة بصورة انفرادية فهو تطور يحتمل خياران: إما أن يطوي صفحة هذه التفاهمات، بحيث تضطرّ "حماس" إلى البدء من جديد مع حكومة جديدة وسياسة مختلفة عن سابقتها، في ظلّ ظروف اقتصاديّة بالغة السوء تشهدها غزّة ، أو يواصل العمل بهذه التفاهمات بسبب الرعاية الإقليمية والأممية لها.
وقال رئيس تحرير صحيفة "الاقتصاديّة" في قطاع غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ حماس فضّلت نجاح نتنياهو في الانتخابات، لأنّه سيشكّل أملاً كبيراً في تنفيذ تفاهمات غزّة، لكنّ النتائج جاءت معاكسة، فجنرالات حزب أزرق-أبيض سيتعاملون مع غزّة وفق توجّهات أمنيّة وعسكريّة، الأمر الذي يزيد خشية حماس من التأثير السلبيّ على مستقبل التفاهمات مع إسرائيل".
أضاف: "إنّ التوقّعات داخل حماس ترجّح انسداد الأفق في خصوص فكّ الحصار وتخفيف الإجراءات الاقتصاديّة تجاه غزّة. كما أنّ رجال الأعمال في غزّة لا يتوقّعون فرصاً أفضل حول الانفتاح الاقتصاديّ مع إسرائيل بسبب نتائج الانتخابات. وقد يغيب التفاؤل بحلحلة الواقع الاقتصاديّ في غزّة ،بما فيها حقائب الأموال القطرية التي تصل غزة شهرياً ضمن رزمة التفاهمات التي توزع على العائلات الفقيرة".
صحيح أنّ الانطباع الأوليّ داخل "حماس" يشير إلى تشاؤم من فرص الاستمرار في تطبيق التفاهمات مع إسرائيل إن جاءت حكومة يقودها حزب أزرق-أبيض، لكن قد يبقى بصيص أمل بأن تؤدّي هذه الحكومة دوراً إيجابيّاً في دفع التفاهمات إلى الأمام.
ما قد يرجّح هذه الفرضيّة لدى "حماس" أنّ قناعة قادة الجيش الإسرائيليّ وأجهزته الأمنيّة، الذين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع جنرالات حزب أزرق-أبيض، تكمن في أنّ حلّ مشكلة غزّة يتعلّق بالبحث عن مسارات اقتصاديّة ومعيشيّة، بجانب المسارات الأمنيّة والعسكريّة التي يمكن تأجيلها بانتظار اكتمال عناصر تنفيذ عمليّة عسكريّة واسعة على قطاع غزّة، سواء أكان للإطاحة بـ"حماس" كليّاً أم للقضاء على مقدّراتها العسكريّة.