بيروت - بعد ما يقارب 5 سنوات من الحرب الملتهبة في اليمن، يبدو أنّ هناك بوادر تلوح في الأفق لوضع حدّ لهذه الحرب. ومن بين هذه المؤشّرات، تأتي الإرادة الدوليّة عموماً، والأميركيّة تحديداً، بعد أن ارتفع الصوت في أكثر من بلد أوروبيّ، من بينها ألمانيا، بوقف تصدير الأسلحة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، كذلك امتلاك "أنصار الله" الحوثيّين أسلحة مكّنتهم من عمليّة الردع، سواء أكان بتبنّيهم قصف شركة "أرامكو" النفطيّة السعودية في سبتمبر أو إعلانهم عن إسقاط طائرات مسيّرة، من بينها طائرات أميركيّة، فضلاً عن عجز الرياض خلال مدّة الحرب الطويلة عن تحقيق أيّ من أهدافها المعلنة مثل إسقاط الحوثيين وإعادة الحكومة الشرعية أو حتّى فرض شروطها على صنعاء كنزع سلاح الحوثيين على سبيل المثال، الأمر الذي شكّل عبئاً على حلفائها في واشنطن بسبب طول فترة الحرب وانعكاساتها على تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركيّة. كلّ ذلك ساهم في الاقتناع بأنّ طاولة الحوار أقرب إلى الحلّ من ساحات المعارك.
وسبق أن أعلنت واشنطن، في أيلول/سبتمبر الماضي، عن إجراء محادثات مع الحوثيّين. وقال مساعد وزير الخارجيّة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال زيارة للسعوديّة: "نجري محادثات مع الحوثيّين قدر الإمكان لمحاولة إيجاد حلّ تفاوضيّ مقبول لطرفيّ الصراع (السعوديّة والحوثيّون)".
أضاف: "تركيزنا منصبّ على إنهاء الحرب في اليمن".
هذا التحرّك الأميركيّ قابله إعلان سعوديّ بالمنوال نفسه، حيث كشف مسؤول سعوديّ لم يُعلن عن هويّته، في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، عن "وجود قناة اتصالات مفتوحة منذ عام 2016 مع الحوثيّين لدعم إحلال السلام في اليمن".
أضاف: "لا نغلق أبوابنا مع الحوثيّين".
وكان الحوثيوّن أعلنوا، في 20 أيلول/سبتمبر، عن "مبادرة" سلام مع الرياض، ويبدو أنّهم حاليّاً أقرب إلى خيار الحلّ من أيّ وقت مضى، خصوصاً بعد تفاهم خصومهم عبر اتفاق الرياض، الذي وحّد كلّ القوى اليمنيّة الموالية للتحالف السعوديّ – الإماراتيّ، فضلاً عن تزايد وتيرة الاحتجاجات في مواطن حلفاء الحوثيّين كالعراق ولبنان وإيران، وهو ما يعني أنّ الحوثيّين والسعوديّة على السواء باتا أقرب إلى حلّ سلميّ يرضي الطرفين، وبرغبة أميركيّة هذه المرّة.
وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر، زار نائب وزير الدفاع السعوديّ الأمير خالد بن سلمان سلطنة عُمان، الأمر الذي ألقى بظلاله على المشاورات الجارية بين واشنطن والرياض مع الحوثيّين في مسقط، خصوصاً بعد أن كُلّف خالد بن سلمان بإدارة الملف اليمنيّ.
وقال نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية بصنعاء الأسبق نبيل خوري في حديث لـ"المونيتور": "إنّ المفاوضات الأميركيّة – السعوديّة المباشرة مع الحوثيّين ممكنة جدّاً، وفي مسقط بالذات، لأنّ بعض قياديّي الحوثيّين متواجدون هناك".
ولفت إلى أنّ "الأميركيّين يفضّلون المفاوضات المباشرة، خصوصاً أنّها سبق أن تمّت مع الحوثيّين في أيّام جون كيري"، وقال: "إنّ السعوديّة لديها أسبابها الخاصّة لبدء هده المفاوضات مع الحوثيّين، وبتشجيع أميركيّ مفيد".
وأشار إلى أنّ "الحرب استنفدت السعوديّة ماليّاً. كما أنّ الوضع العسكريّ المتردّي في جنوبها، ليس في صالحها"، وقال: "إنّ توكيل الأمير خالد جيّد لأنّ الملف اليمنيّ معقّد، ويحتاج إلى صانع قرار متفرّغ ويحظى بثقة محمّد بن سلمان".
ورجّح أن يكون "قصف أرامكو من الأسباب التي دفعت إلى المفاوضات لأنّه زاد كلفة الحرب ورفع المخاوف من الأذى، الذي قد يلحق بالاقتصاد السعوديّ، إذا ما استمرّت الحرب".
وقال المسؤول الأميركيّ: "إنّ العائق أمام المشاورات هو انعدام الثقة بين الطرفين بتنفيذ أيّ اتفاق قد يصلا إليه".
حتى الآن، لا تبدو ملامح النتائج لأيّ تسوية واضحة، لكن على الأرجح هناك نوايا جادّة لإيقاف ديناميكيّة الحرب، تبرهن ذلك التهدئة الشاملة في تسخين جبهات القتال، وكذلك ضغط الحوثيّين على مكابح صواريخهم وطائراتهم المسيّرة التي كانت تتجه نحو السعودية والإمارات.
بدوره، قال عضو وفد الحوثيّين في المشاورات التي وقّعت اتفاق السويد جمال عامر لـ"المونيتور": "هناك تواصل مع الأميركيّين، وأهميّة القضيّة المطروحة هي من يحدّد نوعيّة التواصل إن كان مباشراً أم غير مباشر".
وتأتي أهميّة واشنطن، بحسب جمال عامر، باعتبارها "صاحبة التأثير الأكبر على النظام السعوديّ، وهي من سعت إلى التوسّط للمفاوضات مع صنعاء".
واتّفق جمال عامر مع خوري على أنّ "الدافع الأكبر لدخول الرياض في حوار مباشر مع أنصار الله (الحوثيين) جاء عقب الهجوم على منشأة أرامكو". وكذلك، نتيجة "خيبة أمل الرياض من ردّ فعل ترامب اللاّمبالي بعد الهجوم"، وقال: "إنّ هناك لجنتين سعوديّتين عسكريّة وسياسيّة، الأولى تواصلت مع لجنة صنعاء العسكرية عبر دائرة تلفزيونيّة مُغلقة للبحث في التهدئة العسكريّة، واللجنة الأخرى تتواصل أكثر عبر وسطاء، من بينهم سلطنة عمان".
ولفت إلى أنّ زيارة خالد بن سلمان للسلطنة حملت معها أكثر من ملف، منها تدخّل السلطنة لإيجاد مقاربة بين أنصار الله وبلاده حول وقف الحرب كمقدّمة للوصول إلى مفاوضات سياسيّة".
يبدو جليّاً أنّ الرياض ترغب في الخروج من مأزق الحرب في اليمن بماء الوجه. ولذلك، تسعى، وبدعم أميركيّ، إلى الاتفاق مع الحوثيّين، عقب اتفاق الرياض الذي أنجزته بين المكوّنات الموالية لها، لحشد الزخم بعد ذلك لرعاية اتفاق شامل بين كلّ المكوّنات اليمنيّة، للتوصّل في نهاية المطاف إلى حلّ سياسيّ يحوّلها من دولة مشاركة في الحرب إلى دولة وسيطة وراعية للسلام.
لكن في المقابل، تتخوّف الرياض من تمدّد نفوذ الحوثيّين في اليمن، إذا ما تمّ توقيع اتفاق سلام معهم، خصوصاً في الحدود بالقرب من خاصرتها الجنوبيّة، كونها تعتبرهم امتداداً للنفوذ الإيرانيّ في المنطقة، فيما تتمثّل أقلّ مخاوفها من علاقة نديّة ومتكافئة معهم إذا ما تمكّنوا من حكم اليمن أو على أقلّ تقدير شمال شماله. وما بين رغبتها ومخاوفها، يبقى الخيار الأفضل هو تحقيق السلام.