صنعاء، اليمن — أخيراً... وصلت نيران الحرب اليمنيّة إلى البحر، بعدما ظلّت محصورة في البرّ اليمنيّ على مدى 19 شهراً، في أكبر تطوّر قد تشهده الحرب التي حشدت أساطيل اللاعبين الدوليّين والإقليميّين إلى أهمّ ممرّ ملاحيّ في العالم.
فمساء 12 تشرين الأوّل/أكتوبر، أطلقت مدمّرة أميركيّة ثلاثة صواريخ من طراز "توما هوك"، ناحية الساحل اليمنيّ، مستهدفة ثلاثة رادارات، ردّاً على الهجمات الصاروخية المتكررة الفاشلة.
وتعتقد واشنطن أن تكون محطّة الرادار وهي تحت سيطرة الحوثيّين في اليمن، قد رصدت موقع المدمّرة "يو إس إس ماسون" ثمّ استهدفتها.
وبدأت تداعيات الحرب البحريّة منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر، حين أعلنت جماعة أنصار الله الحوثيّة استهداف سفينة إماراتيّة في باب المندب بصاروخ مضادّ للسفن. وقد أحدث أضراراً جسيمة بالسفينة "سويفت-2" الأميركيّة الصنع. وقالت الإمارات العربيّة المتّحدة إنّ "الاستهداف ستكون له انعكاسات خطيرة على حريّة الملاحة".
لم يقتصر الهجوم على السفينة الإمارتيّة، فقد استهدفت مدمّرة أميركيّة، أثناء إبحارها في المياه الدوليّة في البحر الأحمر، ثلاث مرّات في غضون أسبوع.
وقع الهجوم الأحدث على المدمّرة "يو إس إس ماسون " في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر من الأراضي اليمنيّة، فيما يبدو أنّه تصاعد للعمليّات العسكريّة في باب المندب.
وقال مسؤول دفاعيّ أميركيّ فضل عدم ذكر اسمه لـ"رويترز" إنّ صواريخ عدّة أطلقت على المدمّرة "يو إس إس ماسون" أثناء إبحارها في المياه الدوليّة في البحر الأحمر، ولكنّ المدمّرة استخدمت إجراءات مضادّة للدفاع عن نفسها ولم تصب.
وقال مصدر في مدينة الحديدة، فضّل عدم ذكر اسمه لـ"المونيتور" إنّ ثلاث ضربات صاروخيّة استهدفت ثلاثة رادارات تابعة إلى خفر السواحل اليمنيّة، الأوّل في منطقة راس عيسى، والثاني في منطقة الخوخة في محافظة الحديدة، والثالث في باب المندب على الشريط الساحليّ في محافظة تعز.
ويرصد الباحث في الشؤون اليمنيّة محمّد سيف حيدر أنّ هذا هو التصعيد الأوّل من نوعه في باب المندب منذ حرب تشرين الأوّل/أكتوبر 1973، والتي شنّها الجيشان المصريّ والسوريّ ضدّ القوّات الإسرائيليّة، وأغلق حينها باب المندب في وجه الملاحة.
وقال حيدر لـ"المونيتور": "من الناحية العسكريّة، سيكون هذا التوتّر محدوداً، غير أنّه سيثير مشاعر القلق على نحو طويل".
بعد الحادثة، سارع الحوثيّون وحلفاؤهم إلى نفي مسؤوليّتهم بصورة قاطعة عن إطلاق الصواريخ ناحية المدمّرة الأميركيّة. وقال الناطق العسكريّ باسم الحوثيّين شرف لقمان إنّهم يسيطرون على مقاتليهم وأسلحتهم في السواحل اليمنيّة، لكنّ مسؤولين أميركيّين قالوا لوكالة "رويترز": "توجد مؤشّرات متزايدة بأنّ الحوثيّين وعلى الرغم من نفيهم، مسؤولون عن الحادثة".
ويرفع الحوثيّون شعار "الموت لأميركا"، ويتّهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي الولايات المتّحدة الأميركيّة بإدارة الحرب التي تقودها السعوديّة في اليمن، وتوجيهها.
وقدّمت أميركا إلى السعوديّة معلومات لوجستيّة ساعدت التحالف في قصف أهداف في اليمن، إضافة إلى تزويد طائرات التحالف بالوقود في السماء، كما باعتها أسلحة بمليارات الدولارات.
ويسيطر الحوثيّون على مناطق في الساحل اليمنيّ الغربيّ الممتدّ من باب المندب في محافظة تعز حتّى ميدي في محافظة حجة، بمسافة تصل إلى 400 كيلو متر.
يعلّق الصحافيّ خالد عبد الهادي على التصعيد الأخير في البحر، قائلاً إنّه حتّى لو لم تكن السفن الحربيّة الأميركيّة هي التي تعرّضت إلى التهديد القادم من الساحل اليمنيّ الغربيّ، فمجرّد تهديد الملاحة في أحد أهمّ الممرّات المائيّة في العالم، كان سيستدعي ردّاً أميركيّاً أو ردّاً دوليّاً بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة، لأنّه يوجّه ضربة إلى التجارة العالميّة التي يعدّ تدفّقها أحد مرتكزات النظام العالميّ الذي قادته أميركا ونصّبت نفسها حامية لقواعده.
وفي توتّر واضح للأوضاع في باب المندب الذي نقل عبره أكثر من 3.4 ملايين برميل من النفط يوميّاً في عام 2013، ذكر معهد واشنطن ان المدمرة ماسون كانت قد انضمت الى المدمرتين "يو إس إس نيتز"، وسفينة النقل البرمائيّة "يو إس إس بونس"،للقيام بدوريات في باب المندب في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر عقب استهداف السفينة الامارتية "سويفت" فيما أرسلت إيران الى باب المندب أيضا في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر سفينتين حربيّتين "ألوند" و"بوشهر"، قالت إنّهما لحماية السفن التجاريّة من القرصنة لتنتزع لنفسها موطئ قدم في المنطقة.
وأضاف عبد الهادي لـ"المونيتور": "بناء على الحقائق المتّصلة بقدرات الحركة الحوثيّة، ومتطلّبات المواجهة البحريّة، أستطيع القول إنّ الحوثيّين إذا كانوا يملكون قسماً كبيراً من القرار في الحرب البريّة الدائرة منذ 19 شهراً، فإنّ قرار الحرب في البحر ليس في أيديهم، بل هو قرار داعميهم الإقليميّين في طهران".
تشكّل عمليّة إطلاق الصواريخ من مدمّرة أميركيّة، التحرّك العسكريّ الأميركيّ المباشر الأوّل ضدّ الحوثيّين، بالتزامن مع حربها المستمرّة ضدّ تنظيم القاعدة بواسطة طائرات من دون طيار.
ويعتقد حيدر أنّ التوتّر في باب المندب سيكون له تأثير كبير على الإغاثة، ويطيل عمليّة تفتيش السفن القادمة نحو اليمن، وسينتج عنه شحّ في الإمدادات الغذائيّة، مضيفاً: "ربّما سندخل في نوع جديد من الصراع الطويل".
وأدّت الحرب الأهليّة في اليمن إلى انحدار البلاد باتّجاه مجاعة وظهور أمراض مثل الكوليرا، وسقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل في اليمن منذ آذار/مارس 2015.