مدينة غزّة، قطاع غزّة: شهد قطاع غزّة خلال الشهر الحاليّ أزمة غير مسبوقة في عدم توافر غاز الطهي في محطّات التعبئة، إذ توقّف الغاز عن الدخول إلى القطاع من الجانب المصريّ لمدّة تزيد عن 10 أيّام، لأسباب أرجعتها وزارة الماليّة في غزّة إلى أمور فنّيّة، وسوء الأحوال الجوّيّة، قبل أن تعاود مصر وتسمح بإدخال 10 شاحنات في 20 كانون الثاني/يناير، كما سمحت بإدخال 23 شاحنة في 23 كانون الثاني/يناير، واعدة بمضاعفة الكمّيّة خلال الأيّام المقبلة، في الوقت الذي اعتبره البعض محاولة من مصر لفرض مزيد من الضغوط على غزّة. وتعتمد غزّة منذ سنوات عدّة على الغاز المنقول إليها من مصر، إلى جانب كمّيّات محدودة تدخل من الجانب الإسرائيليّ.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيليّة قد ذكرت في 17 كانون الثاني/يناير أنّ مصر بدأت في شكل أحاديّ رفع أسعار البضائع المنقولة إلى قطاع غزّة عن طريق معبر رفح البرّيّ، موضحة أنّ السلطات المصريّة بدأت برفع أسعار غاز الطهي، قبل أن تعيد إدخاله، كما فرضت أسعاراً جديدة على إطارات السيّارات.
وصرّح مدير شركة عبد العال، الشركة المورّدة لإطارات السيّارات من الجانب المصريّ، عبد الكريم عبد العال لـ"المونيتور" بأنّ هناك زيادة طفيفة على الإطارات ناجمة عن تكاليف النقل والتوريد والجمارك والفحص وتأمين الطرق، لوصلها إلى قطاع غزّة، وليست لها علاقة بأيّ جوانب سياسيّة.
وصرّحت جمعيّة أصحاب محطّات الغاز والبترول في غزّة، في 20 كانون الثاني/يناير بأنّ قطاع غزّة دخل في أزمة غاز خطيرة، لم تحدث منذ 3 سنوات، بسبب توقّف دخوله لأيّام عدّة، إذ يفتقر القطاع إلى وجود مخزون استراتيجيّ من الغاز.
وذكرت وزارة الماليّة في غزّة لصحيفة فلسطين المحلّيّة في 20 كانون الثاني/يناير أنّ السبب المعلن لعدم إدخال كمّيّات الغاز من إسرائيل والجانب المصريّ، هو التقلّبات الجوّيّة، إضافة إلى أسباب فنّيّة أخرى، نافية وجود أيّ إشكاليّات مع الجانب المصريّ في ما يتعلّق بإدخال الغاز بسبب التسعيرة، مشيرة إلى وجود توافق بين الطرفين على زيادة طفيفة في سعر طنّ الغاز، لن يشعر بها المواطن.
وحاول "المونيتور" التواصل مع وزارة الاقتصاد الوطنيّ وجمعيّة أصحاب محطّات الغاز، إلّا أنّه لم يتلقّ ردّاً .
من جانبه، أكّد المحلّل الاقتصاديّ نهاد نشوان لـ"المونيتور" أنّ غزّة بدأت في أغسطس/آب 2018 بالاعتماد بنسبة 70% على جمهوريّة مصر العربيّة في واردات السلع الأساسيّة، وأهمّها الإسمنت والمحروقات وغاز الطهي، إضافة إلى سلع أخرى، موضحاً أنّ أزمة الغاز الحاليّة هي الأولى منذ اعتماد القطاع على مصر في توريدها له.
وقال: "تصل واردات هيئة البترول في غزّة من غاز الطهي من مصر بواقع 5 آلاف طنّ شهريّاً، من احتياج كلّيّ يبلغ 7 آلاف طنّ، ويتمّ استيراد ألفي طنّ من الجانب الإسرائيليّ عبر معبر كرم أبو سالم".
وأوضح أنّ الجانب المصريّ طلب زيادة سعر الطنّ الواحد بقيمة تصل إلى 160 دولاراً، الأمر الذي رفضته الهيئة في غزّة، مما نتج عنه توقّف التوريد لأيّام عدّة.
وعن دوافع الجانب المصريّ لرفع الأسعار، شرح نشوان أنّه إشارة سياسيّة إلى حركة حماس، بعدما أبدت مصر عدم رضاها عن زيارة رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس اسماعيل هنيّة إلى إيران، في 6 كانون الثاني/يناير، للقيام بواجب العزاء في اغتيال قائد فليق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ قاسم سليماني الذي اغتالته القوّات الأميركيّة في 3 كانون الثاني/يناير، فضلاً عن أنّه طرأ ارتفاع طفيف على سعر الغاز دوليّاً.
وكان عضو المكتب السياسيّ لحركة حماس خليل الحيّة قد صرّح في لقاء مع عدد من الإعلاميّين في قطاع غزّة، في 21 كانون الثاني/يناير، بأنّ حركته لا تقبل بديلاً عن مصر، لإدارة القضايا الوطنيّة الفلسطينيّة، مؤكّداً أنّ مصر اتّخذت موقفاً من زيارتنا إلى إيران، لكنّ الحركة استطاعت تجاوز الأمر معها، نافياً وجود علاقة بين أزمة الغاز الآتي من مصر إلى قطاع غزّة وزيارة هنيّة، بل هي لأسباب تجاريّة بحتة.
من جانبه، أوضح المحلّل السياسيّ المقرّب من حركة حماس، ورئيس تحرير صحيفة "فلسطين "المحلية سابقاً، مصطفى الصوّاف لـ"المونيتور" أنّ سبب توقّف إدخال الغاز كان تجاريّاً، إذ إنّ الجانب المصريّ كان يريد ارتفاع السعر 160 دولاراً للطنّ، الأمر الذي رفضه تجّار غزّة.
وقال الصوّاف: "تمّ حلّ الموضوع بالتوصّل إلى اتّفاق وسطيّ بين الطرفين".
وأكّد نشوان أنّه تمّ التوصّل إلى اتّفاق على زيادة ما يقارب المئة دولار على الطنّ، وتابع: "أعتقد أنّ الأزمة سوف تنتهي على حساب المواطن، وذلك بإضافة فرق السعر عليه في شكل تدريجيّ من قبل هيئة البترول في غزّة، وذلك لتعويض الزيادة التي تم دفعها للجانب المصري، إلى أن يستقرّ ثمن أسطوانة الغاز حجم 12 كيلوغراماً على 60 شيكلاً (17,14 دولاراً) كما هو الحال في الضفّة الغربيّة التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي". يذكر أنّ سعر أسطوانة الغاز حاليّاً في غزّة يبلغ 55 شيكلاً (15,42 دولاراً).
وعن محاولة مصر الضغط على الجانب الفلسطينيّ تعبيراً عن رفضها زيارة هنيّة إلى إيران عبر زيادة الأسعار، لم يستبعد الصوّاف أنّه قد تكون هناك أسباب أخرى غير تجاريّة، لزيادة الأسعار من قبل الجانب المصريّ، غير معلن عنها، مشدّداً في الوقت ذاته على أنّ القطاع منهك ولا يتحمّل مزيداً من الضغوط.
وأكّد أستاذ الاقتصاد في جامعة الإسراء بغزّة أمين أبو عيشة لـ"المونيتور" أنّ أزمة الغاز قد تكون مفتعلة من قبل الجانب الفلسطينيّ، تمهيداً لزيادة الضرائب على البضائع المستوردة من مصر، إذ إنّ لدى حكومة حماس توجّه إلى تعظيم الإيرادات الضريبيّة من خلال السلع التي تقوم باستيرادها من الجانب المصريّ.