بغداد - بالتزامن مع الجهود التي تبذلها الكتل الشيعيّة لإخراج القوّات الأميركيّة من العراق، أعادت أطراف سنيّة طرح مشروع "الإقليم السنيّ" للتعبير عن رفضها لتبعات قرار سابق للبرلمان العراقيّ ألزم بموجبه الحكومة بالعمل على إنهاء الاتفاق الأمنيّ بين بغداد وواشنطن.
وكان البرلمان العراقيّ صوّت في 5 من الشهر الجاري على قرار "إنهاء خدمات قوّات التحالف الدوليّ وإلزام الحكومة بالعمل على إخراج القوّات الأميركيّة"، في جلسة غابت عنها الكتل الكرديّة والسنيّة التي اعتبرت القرار ردّة فعل غير محسوبة على مقتل قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبيّ" أبو مهدي المهندس في بغداد على يدّ القوّات الأميركيّة في 3 كانون الثاني/يناير الحاليّ.
الإقليم السنيّ أو إقليم الأنبار، كما جاء في بعض وسائل الإعلام المحليّة، يفترض أنّ قيادات سنيّة بارزة بحثت في سبل تشكيله بمدينة دبي الإماراتيّة، في 12 كانون الثاني/يناير. ورغم نفي رئيس البرلمان العراقيّ محمد الحلبوسي (سنيّ) تلك الأنباء في صفحته على "تويتر" وتأكيده وحدة العراق، إلاّ أنّ ردّة الفعل المعارضة لاجتماع دبي كانت كبيرة، خصوصاً أنّ الشخصيّات المشاركة فيه لم تخرج بأيّ بيان رسميّ.
ونفى عضو كتلة "اتحاد القوى" السنيّة رعد الدهلكي في حديث لـ"المونيتور" عقد الكتل السنيّة اجتماعاً رسميّاً في دبي، معتبراً أنّ تسريب الأخبار عن الإقليم السنيّ هو محاولة للضغط على ممثّلي المحافظات السنيّة من أجل القبول بقرار طرد القوّات الأميركيّة"، وقال: "إنّ مشروع الإقليم قديم ويعود إلى عام 2010، وهو ضمن الأطر الدستوريّة التي كانت تتمسّك بها الكتل الشيعيّة، ونستغرب معارضته الآن".
أضاف: "إنّ الكتل السنيّة تعتقد أنّ الشراكة في إدارة البلاد لم تعد موجودة، وموقفنا من إخراج القوّات الأجنبيّة لم يؤخذ في الحسبان من قبل الأحزاب الشيعيّة. ولذا، ندرس كلّ الخيارات إذا ما تسبّب إنهاء مهمّات التحالف الدوليّ في العراق بتداعيات كبيرة على الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة في البلاد، بما فيها خيار إعلان الإقليم".
واللاّفت أنّ المعسكرات الأميركيّة تقع في المناطق السنيّة والكرديّة، حيث ترفض القوى السياسيّة هناك أيّ قرار يتعلّق بالأوضاع الأمنيّة من دون مشاركتها، لكن تتحالف القوى السنيّة بالفعل مع الكتل الشيعيّة المشكّلة للحكومة، في "تحالف البناء" الذي يقود الحراك البرلمانيّ لإنهاء الوجود العسكريّ الأميركيّ في العراق، فيما تؤيّد الكتل الكرديّة استمرار رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في منصبه وتطالب بإعادة تكليفه مرّة أخرى، وهو المطالب بجلاء القوّات الأجنبيّة من البلاد، استجابة لرغبة القوى الشيعيّة الكبيرة، في مشهد معقّد يوحي باستمرار أزمة الفراغ الدستوريّ، التي بدأت على أثر إخفاق الكتل البرلمانيّة في تسمية البديل لعادل عبد المهدي خلال المدّة القانونيّة منتصف الشهر الماضي.
وأوضح النائب السابق عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي في اتّصال مع "المونيتور" أنّ مشروع الإقليم السنيّ هو مناورة سياسيّة لتحقيق موقع تفاوضيّ أكبر في مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة أو عرقلة مشاريع وقرارات إنهاء الوجود العسكريّ الأجنبيّ في العراق"، وقال: "إنّ فكرة الإقليم صعبة التنفيذ، خصوصاً في هذا التوقيت بالذات".
ورغم تفصيل الدستور العراقيّ الدائم لسنة 2005 آليّة تشكيل الأقاليم في الباب الخامس، ونصّ المادّة 116 على أن "يتكوّن النظام الاتحاديّ في جمهوريّة العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزيّة وإدارات محليّة"، إلاّ أنّ كلّ مشاريع الأقلمة لم يكتب لها النجاح في السابق، مثل "إقليم الوسط والجنوب" و"إقليم البصرة" و"صلاح الدين" و"الأنبار" و"إقليم الغربيّة" بسبب غياب التوافقات السياسيّة في بغداد والخشية من أن يؤدّي ذلك إلى تقسيم البلاد، خصوصاً أنّ الأقاليم المقترحة بمعظمها كانت على أساس طائفيّ.
ومن الناحية العمليّة، يحتاج مشروع الإقليم إلى تطبيق المادّة الدستوريّة رقم 119، والتي نصّت على الآتي: يحقّ لكلّ محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدّم بإحدى الطريقتين: طلب من ثلث الأعضاء في كلّ مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم". وبما أنّ البرلمان قرّر إنهاء أعمال مجالس المحافظات في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، فإنّ الطريقة الثانية هي المتاحة حاليّاً وتكون من خلال "طلب من عُشر الناخبين في كلّ محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم". واستناداً إلى قانون الإجراءات التنفيذيّة الخاصّة بتكوين الأقاليم رقم (13) لسنة 2008، يتطلّب الاستفتاء موافقة مجلس الوزراء خلال 15 يوماً. وهنا، قد يعرقل رئيس الوزراء المشروع لغياب المخصّصات الماليّة أو انقضاء المهلة القانونيّة أو يعتذر في حجة عدم امتلاكه الصلاحيّات الكاملة كونه مستقيلاً من المنصب ولا يحقّ له اتّخاذ القرارات.
في المحصّلة، لا يمكن اعتبار خيار الإقليم منطقيّاً في الوقت الراهن، والتسريبات قد تكون متعمّدة من قبل الجهات السنيّة لوضع شروط جديدة على مرشّح رئاسة الوزراء المقبل، من بينها ضرورة الإبقاء على الاتفاق الأمنيّ مع واشنطن لحماية مناطقها وضمان عدم تمدّد الفصائل المسلّحة فيها، أو من جهات شيعيّة تحاول اتهام الكتل السنيّة بالعمل على تقسيم العراق وجرّها إلى الانخراط في جهود إخراج القوّات الأميركيّة حتّى لا تتّهم بالخيانة والتبعيّة للولايات المتّحدة.
والحال، تبقى فكرة الإقليم قائمة ما دام النظام السياسيّ في العراق يعتمد المحاصصة الطائفيّة والعرقيّة في توزيع المناصب والإدارات، وفي ظلّ غياب المؤسّسات القادرة على تحديد مصالح البلاد العليا ورسم السياسة الخارجيّة، ولا يتعلّق الأمر بموضوع إخراج القوّات الأجنبيّة فقط، وفقاً للنائب فالح العيساوي، وإنّما بوجود وجهات نظر تؤيّد المشروع وترى أنّه الحلّ الأنسب لإدارة البلاد، استناداً إلى النصوص الدستوريّة السارية.