رام الله – الضفّة الغربيّة: ساعدت "سندات الأراضي" التي يعود تاريخها للحكم العثماني لفلسطين ما بين عامي 1516-1917 الفلسطينيين في معركتهم لإثبات حقوقهم في الأراضي التي صادرتها إسرائيل.
وأعلن المسؤولون الأتراك في وقت مبكر من عام 2015 أنهم كانوا يسلمون الوثائق العثمانية للفلسطينيين لمساعدتهم في الحصول على ملكية عقارية استولت عليها إسرائيل.
ونقلت صحيفة "ديلي صباح" المؤيدة للحكومة عن قدرت بلبل، رئيس مديرية الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة التابعة لرئيس الوزراء، قوله إن الأرشيفات تضمنت " سجلات الأراضي ، ومراسيم السلاطين أو وثائق تاريخية تثبت ملكية العقار" من الفلسطينيين في القدس والأراضي الفلسطينية، وفي عام 2018 ، فتحت تركيا "أرشيف فلسطين" للإمبراطورية العثمانية على الإنترنت لسهولة الوصول إليها.
سلّطت الصحافة الإسرائيليّة الضوء على استخدام الفلسطينيّين المتزايد للأرشيف العثمانيّ لإثبات أحقّيّتهم بالأراضي المسيطر عليها من قبل إسرائيل، متّهمة تركيا بمساعدة الفلسطينيّين في ذلك، من خلال تسليمهم نسخة عن ذلك الأرشيف.
ونشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيليّة تقريراً في 2 كانون الثاني/يناير 2020 بعنوان "جهاد أردوغان الصامت" قالت فيه إنّ الأتراك سلّموا الفلسطينيّين 140 ألف صفحة ووثيقة على هيئة "ميكروفيلم" من الأرشيف العثمانيّ، وإنّ المحامين الفلسطينيّين باتوا يستخدمون تلك الوثائق لإثبات عدم امتلاك إسرائيل الأراضي، خصوصاً في القدس والضفّة الغربيّة، مشيرة إلى أنّ تسليم تركيا هذا الأرشيف يعتبر توسّعاً في التدخّل التركيّ في إسرائيل.
وتمكّنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة رسميّة تابعة إلى منظّمة التحرير الفلسطينيّة) من استعادة مئات الدونمات في عام 2019 والتي تم الاستيلاء عليها من المستوطنين او الشركات الاسرائيلية او صودرت من السلطات الاسرائيلية، بفضل استخدام محامي الهيئة وثائق من الأرشيف العثمانيّ (نسخ إلكترونيّة مصدّقة) في المحاكم الإسرائيليّة.
وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عسّاف خلال مؤتمر صحافيّ في مدينة رام الله في وسط الضفّة الغربيّة في 5 كانون الثاني/يناير 2020 إنّ محامي الهيئة استعادوا 6 آلاف دونم في عام 2019 تضاف إلى ما تمّ إنجازه وهو حوالى 40 ألف دونم، تمّ كشف التزوير فيها منذ عام 2015.
وجرى نقل نسخة عن الأرشيف العثمانيّ من السلطات التركيّة (مديريّة الأرشيف العثمانيّ) وتسليمها إلى السفارة الفلسطينيّة في تركيا، والتي بدورها قامت بنقلها إلى مؤسّسة إحياء التراث والبحوث الإسلاميّة الفلسطينية ميثاق التابعة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة وتسليمها إليها في آذار/مارس 2018، حيث تشاركت بها مع سلطة الأراضي الفلسطينيّة وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ويضمّ الأرشيف المكوّن وثائق وخرائط ومخطوطات للتسجيل العقاريّ في فلسطين إبّان الحكم العثمانيّ لفلسطين بين عامي 1516و1917، حسب ما اكده عساف لـ"المونيتور".
يعدّ وجود أرشيف عثمانيّ مكسباً كبيراً للفلسطينيّين، إذ يتيح لهم عدداً كبيراً من وثائق الملكيّة للأراضي والعقارات قبل قيام دولة إسرائيل، وتحديداً في المنطقة المصنّفة "ج" بموجب اتّفاق أوسلو، والتي تشكّل قرابة الـ60% من مساحة الضفّة الغربيّة وتخطّط إسرائيل لضمّها وإعلان سيادتها عليها.
وقال رئيس سلطة الأراضي الفلسطينيّة موسى شكارنة لـ"المونيتور" إنّ وجود وثائق تاريخيّة تتعلّق بملكيّات الأراضي لـ400 سنة من فترة الحكم العثمانيّ لفلسطين شيء مهمّ جدّاً لنا، لأنّ إسرائيل صادرت معظم الأراضي بذريعة أنّها أملاك دولة، وبالتالي فإنّ هذه الوثائق مهمّة في إثبات أنّ هذه الأراضي مملوكة من قبل فلسطينيّين مالكين قبل قيام إسرائيل بمئات السنوات.
وتعتمد هيئة تسوية الأراضي والمياه (مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري والأهلية القانونية) على وثائق الأرشيف العثمانيّ في إطار عملها، لتثبيت حقوق ملكيّة الأراضي، وحلّ النزاعات بين المواطنين، وتسجيل الأراضي في سجلّ دائرة الأراضي الفلسطينيّة (تأسست بموجب قرار صادر عن الرئيس السابق ياسر عرفات عام 2002 وتتولى مسؤولية إدارة قطاع الأراضي، وتقديم الخدمات المتنوعة التي تتعلق بمعاملات التسجيل والطابو والإفراز والمساحة) إذ قال شكارنة: "نعود أحياناً إلى وثائق الأرشيف للتأكّد من ملكيّات الأراضي"، ضمن عمل الهيئة الذي انطلق في عام 2016 لتسجيل كلّ الأراضي الفلسطينيّة.
وقال شكارنة: "منذ بدء العمل في مشروع تسجيل الأراضي (طابو) في عام 2016، تمّت تسوية مليون دونم وتسجيلها كاملاً بأسماء أصحابها في السجلّات الرسميّة، كما أنّ هناك نحو مليوني دونم في اللمسات الأخيرة لتسجيلها"، لافتاً إلى أنّ "الهيئة ستتمكّن من الانتهاء من تسجيل كلّ الأراضي في الضفّة الغربيّة في عام 2022".
ومن المتوقّع أن تستلم مؤسّسة إحياء التراث والبحوث الإسلاميّة-ميثاق التابعة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة دفعة جديدة من الوثائق التاريخيّة الفلسطينيّة المهجّرة من بعض الدول العربيّة، إذ قال عميد مؤسّسة ميثاق خليل قراجه الرفاعي إلى وكالة معا المحلّيّة في 2 كانون الثاني/يناير 2020 " إنّ المؤسّسة في صدد الحصول على وثائق جديدة ومهمّة سيتمّ الكشف عنها قريباً، بالتعاون مع جامعة الدول العربيّة.
من جانبه، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عسّاف لـ"المونيتور" إنّ الأرشيف العثمانيّ الذي جرى تسلّمه يوفّر وثائق ومخطوطات أكبر بكثير من الأرشيف الأردنيّ الموجود في حوزة السلطة الفلسطينيّة، والذي تسلّمته من المملكة الأردنيّة الهاشميّة بعد قيامها في عام 1993، بسبب أن الحكم العثماني لفلسطين كان طويلا وامتد لمئات السنين.
ولفت عسّاف إلى أنّ الأرشيف العثمانيّ سيساعد الفلسطينيّين في شكل خاصّ على مواجهة قانون الأراضي الموات العثمانيّ لسنة 1921 المتعلّق بالأراضي المهملة والبعيدة، حيث سمح القانون العثمانيّ للناس بإحياء هذه الأراضي، شرط موافقة الحكومة، على أن يكون إحياؤها في مدّة لا تزيد عن 3 سنوات، وإذا لم يتمّ استصلاحها خلال هذه المدّة، تؤخذ منه وتعطى إلى شخص آخر، أمّا إذا أحيا رجل أرضاً مواتاً بإذن الحكومة، فإنّه يقوم بتسجيلها (تطويب) باسمه مقابل دفع تكاليف التسجيل.
ولفت عسّاف إلى أنّ إسرائيل قامت بتفعيل القانون العثمانيّ في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وبموجبه، أعلنت أنّ كلّ الأراضي التي لم تستخدم خلال 3 سنوات متتالية سوف تصبح أراضي دولة، ممّا مكّنها من السيطرة على مئات آلاف الدونمات من الأراضي، لافتاً إلى أنّ "مساحات واسعة من الأراضي المصنّفة لدى اسرائيل أراضي دولة واستولت عليها، هي مسجّلة ويوجد بها طابو في الأرشيف العثمانيّ، وهناك وثائق تثبت ذلك".
وتابع عسّاف: "لقد بدأنا باستخدام هذه الوثائق، وبفضلها نجحنا في استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي اعلنتها اسرائيل اراضي دولة، ومستقبلاً سننجح في استرداد آلاف الدونمات التي أعلنت عنها إسرائيل أراضي دولة ويوجد بها وثائق تسجيل من الحقبة العثمانية تثبت ملكيتها "، لافتاً إلى أنّ الأرشيف يستخدم في مجالين اثنين، هما علاج الخلافات الداخليّة بين المواطنين على ملكيّة الأراضي، أو استعادة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل في المحاكم الإسرائيليّة باثبات وجود ملكية لها، مضيفاً: "لقد تمّ استخدام وثائق الأرشيف العثمانيّ لاستعادة أراضٍ في مناطق في القدس وبيت لحم وسلفيت".
ربّما تنجح السلطة الفلسطينيّة في إثبات ملكيّة بعض الأراضي بموجب الوثائق في الأرشيف العثمانيّ واستعادتها، لكنّها قد لا تنجح في استعادة الكثير منها، خصوصاً إذا كانت تتعلّق ببعض الأماكن المهمّة في مدينة القدس وحول الحرم القدسيّ، حيث تسعى إسرائيل إلى تجسيد سيادتها الكاملة على المدينة، معتمدة في ذلك على الضوء الأخضر الذي منحته لها الإدارة الأميركيّة باعترافها بالقدس عاصمة لها، وعلى ضمّ مناطق "ج" في الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل.