ريف حلب الشماليّ، سوريا- تعاني منطقة نبع السلام التي يسيطر عليها الجيش الوطنيّ التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ والجيش التركيّ في شمال شرق سوريا من الفوضى الأمنيّة، وهو ما أثّر سلباً على الحياة المعيشيّة للناس في المنطقة وعرقل الجهود التي تبذلها المجالس المحلّيّة لتحقيق الاستقرار في المنطقة التي من المفترض أن تكون آمنة وجاذبة للسكّان، فهل سيكون لقوّات الشرطة التي باشرت أعمالها في نبع السلام دور في عودة الحياة إلى طبيعتها؟
في 16 كانون الثاني/يناير2020، انفجرت سيّارة مفخّخة في بلدة سلوك في ريف منطقة تلّ أبيض، واستهدف التفجير مقرّاً لمقاتلي الجيش الوطنيّ التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ، ممّا أدّى إلى مقتل 10 مقاتلين على الأقلّ، بينهم 3 من الجيش التركيّ. وسبق أن قتل 4 جنود أتراك، بينهم ضابطان في 8 كانون الثاني/يناير، نتيجة انفجار سيّارة مفخّخة في قرية الأربعين الواقعة في الجهة الغربيّة من بلدة تلّ تمر التابعة إلى منطقة رأس العين، وتشهد المدن والبلدات في منطقة نبع السلام هجمات مماثلة بين الحين والآخر، توقع عشرات الضحايا في صفوف المدنيّين وتعطّل أعمال الناس وتتسبّب في إثارة الخوف في نفوسهم، تضاف إلى ذلك بطبيعة الحال التجاوزات التي يرتكبها مقاتلو الجيش الوطنيّ في حقّ المدنيّين.
أكّد المنسّق الإعلاميّ في الجيش الوطنيّ التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ يحيى مايو لـ"المونيتور" أنّ منطقة نبع السلام تعيش أوضاعاً أمنيّة صعبة بسبب التفجيرات التي تستهدف التجمّعات المدنيّة في المنطقة، وتتحمّل قوّات سوريا الديمقراطيّة مسؤوليّة هذه التفجيرات الإرهابيّة، وبحسب مايو، إنّ تعرّض هذه التجمّعات إلى الاستهداف المباشر يعرقل عودة الحياة إلى طبيعتها، إضافة إلى كونه مصدر قلق.
وأضاف مايو: "نعرف أنّ فصائل الجيش الوطنيّ التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ تتحمّل جزءاً من المسؤوليّة في ما يحدث في منطقة نبع السلام، وهناك جهود حثيثة لضبط الأمن والحدّ من التجاوزات التي يقوم بها مقاتلون تابعون إلى الفصائل. هناك عقوبات تتّخذ في حقّ المقاتلين المسيئين والذين يتسبّبون بالفوضى أو يعتدون على حياة الناس وحريّاتهم، بعض العقوبات التي تتّخذ هي الفصل من الجيش الوطنيّ، السجن ودفع غرامات ماليّة، في حال كان التجاوز له علاقة بالتعدّي على الأملاك الخاصّة والعامّة في المنطقة".
قال أحمد نور، وهو صاحب متجر لبيع المواد الغذائيّة في سوق مدينة رأس العين لـ"المونيتور": "الوضع الأمنيّ في المنطقة غير مستقرّ، ولا تستطيع الأسر داخل المدينة الحصول على المستلزمات من الأسواق، خوفاً من استهداف التجمّعات السكّانيّة بالسيّارات المفخّخة، إضافة إلى عمليّات الخلايا الأمنيّة التي تعبث في أمن المنطقة في شكل مستمرّ". وأردف نور: "عندما يشعر الناس بالأمان، تعود الحياة إلى طبيعتها في المنطقة والجميع يزاولون أعمالهم بسهولة ومن دون قلق، نأمل في أن تتحسّن الأوضاع الأمنيّة وتأخذ الشرطة على عاتقها مهمّة ضبط الأمن".
من جهته، قال الصحافيّ السوريّ فراس علّاوي لـ"المونيتور": "إنّ أهمّ ما يبحث عنه المدنيّون هو الأمان والاستقرار وإنّ استمرار التفجيرات وعمليّات الاغتيال هو دليل على عدم الاستقرار في منطقة نبع السلام، ولذلك أثّر سلبيّاً على المنطقة من حيث عودة اللاجئين إلى مناطقهم، وعودة الخدمات في شكل سلس. لا نستطيع تسمية ما يحدث بأنّه فلتان أمنيّ، لأنّ المنطقة لم تستقرّ حتّى اللحظة".
وأضاف علّاوي: "إنّ ما يحدث في منطقة نبع السلام من فوضى أمنيّة لا يزال يندرج تحت بند ارتدادات العمليّات العسكريّة، لذلك سنرى كثيراً من هذه العمليّات التي تجيد "قسد" تنفيذها". وأردف علّاوي: "المجالس المحلّيّة غير قادرة حتّى الآن على تقديم الخدمات الأساسيّة في الشكل الأمثل وتواجه صعوبة بالغة في خلقها، هناك عراقيل كثيرة تقف عائقاً أمام عملها، مثل صعوبة التنقّل، كذلك تفتقر المجالس المحلّيّة إلى الخبرات والكفاءات الفنّيّة العالية، وعدم القدرة على العمل في ظلّ الظروف الأمنيّة المعقّدة".
من جانبه، قال عضو المجلس المحلّيّفي منطقة رأس العين عبد الكريم محمّد لـ"المونيتور": "الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، فالمنطقة خرجت حديثاً من الحرب ونشاط المجالس المحلّيّة في تقديم الخدمات غير كافٍ حتّى اللحظة، نظراً إلى تردّي الوضع الأمنيّ، والسبب الرئيسيّ فيه، التفجيرات المستمرّة التي تقوم بها "قسد"".
أعلنت وزارة الداخليّةالتابعة إلى الحكومة السوريّة المؤقّتة التابعة إلى المعارضة، عن بدء عمل قوّات الشرطة والأمن العامّ الوطنيّفي منطقة نبع السلام في 12 كانون الثاني/يناير 2020، بعد تلقّي التدريبات اللازمة في تركيا.
أكّد محمّد برهان الذي يعمل ضمن قوّات الشرطة في منطقة تلّ أبيض لـ"المونيتور" أنّهم تلقّوا التدريبات العسكريّة في تركيا، وبحسب برهان، فإنّ المتطوّعينكافّة في قوّات الشرطة هم من أبناء المنطقة، وهم على دراية تامّة بتفاصيل المنطقة وعادات سكّانها، لذلك ستكون مهمّة ضبط الأمن قابلة للتطبيق، لكنّها تحتاج إلى بعض الوقت والجهد.
وقال الصحافيّ علّاوي خلال حديثه إلى "المونيتور": "سيواجه جهاز الشرطة في منطقة نبع السلام تحدّياً كبيراً في ظلّ سيطرة فصائل الجيش الوطنيّ التابعة إلى الجيش السوريّ الحرّ على المنطقة، والتي تتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤوليّة تردّي الوضع الأمنيّ، وخصوصاً أنّها لا تنسّق في ما بينها، وتعاني من انتشار الفساد في صفوفها، والذي يسهل عمليّة اختراقها أمنيّاً من جانب "قسد"".
أكّد الناشط الإعلاميّ علي أحمد النجّار، والمتواجد في منطقة رأس العين لـ"المونيتور" أنّ الجيش الوطنيّ أسّس شرطة عسكريّة، إضافة إلى محكمة عسكريّة، للقبض على المجرمين ومحاكمتهم، وهذا الأمر وفق النجّار، سيساهم إلى حدّ بعيد في تغيير الواقع الأمنيّ نحو الأفضل، وبحسب النجّار، هناك عمليّات مشتركة بين الشرطة العسكريّة والشرطة المدنيّة في إطار الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الأمنيّ في منطقة نبع السلام.
قال الناطق الرسميّ باسم الفرقة 20في الجيش الوطنيّ التابعة إلى الجيش السوريّ الحرّصهيب الجابر لـ"المونيتور": "تلقّت وحدات الشرطة والأمن العامّ التدريب اللازم للحفاظ على الأمن الداخليّ، وبينهم ضبّاط لديهم خبرة في نشاط الشرطة المدنيّة، إضافة إلى أنّهم حصلوا على أجهزة ذات تقنيّة حديثة لكشف المتفجّرات، ممّا سيسهّل عملهم في المنطقة، وستكون فصائل الجيش الوطنيّ عوناً لهم في مهمّاتهم ولن تكون حجر عثرة بالتأكيد".