ريف حلب الشماليّ – سوريا: توجّه المئات من مقاتلي الجيش الوطنيّ التّابع للجيش السوريّ الحرّ للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الليبيّة ضدّ قوّات شرق ليبيا بقيادة الجنرال خليفة حفتر، خلال كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، وذلك بتوجيهات من الحكومة التركيّة.
ليس هناك اتفاق معلن، والعرض التركي المفترض هو ما تداولته مواقع إعلامية موالية للمعارضة السورية، قالت أن قيادة الفصائل في الجيش الوطني التابعة للجيش الحر قد أخبرت مقاتليها بالعرض التركي في إعلان داخلي تضمن شروط الانضمام والأجور ومدة المهمة القتالية في ليبيا. وكان العرض التركي قد تم بحثه في لقاء جمع مسؤولين أمنيين أتراك مع قادة من الجيش الوطني في شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، ولم يحدد تاريخ الاجتماع في أي يوم من الشهر بدقة.
ومن المفترض أن يحصل المقاتلين السوريين على أجر شهري مقابل مهامهم القتالية في ليبيا يصل إلى 2000 دولار أميركي للمجندين، وحوالي 3000 دولار للضباط، وهي معلومات مسربة تناقلتها مواقع المعارضة ولم يجري تأكيدها من جهات رسمية تركية أو سورية.
وبالفعل، وصلت دفعات متتالية من مقاتلي الجيش الوطنيّ إلى ليبيا، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة بإدلب وريف حلب شمال غربيّ سوريا، والتي تشهد هجوماً بريّاً وجويّاً مستمرّاً من قبل قوّات النظام.
وأشار "المرصد السوريّ لحقوق الإنسان" في تقرير صدر في 20 كانون الثاني/يناير 2020 إلى أنّ عدد المقاتلين السوريّين الذين وصلوا إلى العاصمة طرابلس 2400 مقاتل.
من جهته، نفى وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو في 15 كانون الثاني/يناير 2020 منح الجنسيّة التركيّة أو المال لجنود الجيش الوطنيّ المعارض مقابل قتالهم في ليبيا، وقال: "إنّها عارية من الصحّة تماماً".
كما نفت حكومة الوفاق الليبيّة أيّ وجود لمقاتلين سوريّين في طرابلس.
ودفع الجدل بوزارة الدفاع في الحكومة المؤقّتة التابعة للمعارضة إلى إصدار بيان في 25 كانون الأول/ديسمبر 2019 نفت فيه الأخبار المتداولة، وأكّدت أنّها لم تتلقَ أيّ دعوة من قبل الحكومة التركية لإرسال مقاتلين إلى خارج سوريا، وقالت الوزارة: "ننفي نفياً قاطعاً إرسال أيّ من قوّاتنا وتشكيلاتنا العسكريّة إلى ليبيا، وأولويّتنا في الجيش الوطني هي حماية أهلنا السوريّين من مليشيات النظام وداعميه الروس والإيرانيّين".
ونفى الجيش الوطنيّ التابع للجيش الحرّ ذلك أيضاً.
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ مجموعة من مقاطع الفيديو لمقاتلين قيل إنّهم تابعون للجيش الوطنيّ التّابع للجيش السوريّ الحرّ، وقالوا إنّ المقاطع التقطت عند معسكر التكبالي بمنطقة صلاح الدين في مدينة طرابلس الليبيّة، وتداولوا معلومات عن انتقال المئات من المقاتلين السوريّين للقتال في ليبيا.
وأكّد القائد العسكريّ في الجيش الوطنيّ التّابع للجيش الحرّ النقيب عبد السلام عبد الرزّاق لـ"المونيتور" أنّ مشاركة مقاتلين سوريّين في المعارك الليبيّة هي حقيقة ، لكنّ المقاتلين ذهبوا للقتال هناك بصفتهم الشخصيّة ولا يمثّلون الجيش الوطنيّ، وهم غير تابعين لفصائله.
ووفق عبد السلام عبد الرزّاق، الجيش الوطنيّ نفى مشاركته في الحرب الليبيّة. وبالفعل، لم يكن هناك قرار رسميّ بإرسال مقاتلين تابعين للجيش الوطنيّ إلى ليبيا، فمن ذهب من هؤلاء المقاتلين ذهب من تلقاء نفسه بعد أن تلقّى عرضاَ من قبل الحكومة التركيّة. يبدو العرض مغرياً، فهؤلاء خسروا ديارهم وأرضهم في سوريا خلال الثورة، ولم يبق لديهم شيء، الأمر الذي اضطرّهم لقبول هذا العرض من أجل الحصول على المال.
وقال عبد الرزّاق: "بالطبع، هناك مسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق قادة الجيش الوطنيّ التّابع للجيش الحرّ، إذ كان من الواجب أن يمنعوا مشاركة السوريّين في الحرب الليبيّة. كان من الواجب استيعاب هؤلاء المقاتلين وتأمين حاجاتهم الماديّة والاستفادة منهم في قتال قوّات النظام ولأجل الثورة السوريّة، بدلاً من القتال في أراضي الغير خارج سوريا. البندقيّة حملها السوريّون للدفاع عن أنفسهم وثورتهم، ولم تكن يوماً بندقيّة يمكن تأجيرها".
وتحدّث "المونيتور" مع أحمد كوسا، وهو مقاتل سابق في الجيش السوريّ الحرّ ومن ريف حلب، يتواجد الآن في ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الليبيّة، فقال: "ليس لديّ عمل في ريف حلب، المرتّبات قليلة إن وجد عمل، ولا تكفي لتغطية مصاريف المعيشة، المال هو الدافع الرئيسيّ لذهابي، إذ أستطيع من خلال المبلغ الذي سأتقاضاه تحسين وضع عائلتي المعيشيّ".
أضاف: "أعاني من كثرة الديون، ولا أستطيع تسديدها. لذلك، إذا عدت إلى سوريا، بعد انتهاء المعارك في ليبيا، أستطيع سدادها والعيش بشكل جيّد. وإذا خسرت حياتي، أكون قد تخلّصت من هذه الحياة القاسية".
من جهتها، قالت الطبيبة الليبيّة والناشطة إنسانية روان الريّس لـ"المونيتور": "إنّ المقاتلين السوريّين تعرّضوا للاستغلال، نظراً لحاجتهم الماسة إلى المال، وقبلوا القتال في الحرب الليبيّة، إلاّ أنّ الثمن سيكلّفهم حياتهم، وهذا الأمر لا يحقّق مصالح أيّ طرف من الصراع. ولذلك، نتمنّى أن يعودوا إلى أرضهم سالمين".
أضافت: "فعليّاً، لا يشكّل المقاتلون السوريّون أزمة بالنّسبة إلينا، في ظلّ تدخّل العديد من الدول في الشأن الليبيّ".
بدوره، قال حامد الصالح، وهو مقاتل سوريّ من ريف حلب يتواجد في ليبيا، لـ"المونيتور": "إنّ القتال، إلى جانب حكومة الوفاق الشرعيّة في ليبيا، واجب أخلاقيّ لا يمكن المساومة عليه. نحن ندافع عن الليبيّين ضدّ الميليشيات التي تسعى إلى تدمير ليبيا".
أضاف: "هناك دوافع أخرى دفعتني للقتال في ليبيا، أهمّها، الراتب الذي سأتقاضاه، 2000 دولار أميركيّ في الشهر الواحد/يعادل 2 مليون ليرة سوريّة كراتب شهريّ، وهو مبلغ كبير في ظلّ الفقر الذي نعاني منه في سوريا. وفي حال قتلت في ليبيا، فسيتمكّن أطفالي من العيش بشكل جيّد من خلال المبلغ الذي سيحصلون عليه".
أمّا رئيس "الحركة الوطنيّة الديمقراطيّة السوريّة" (وهي حركة معارضة للنظام السوري، ويبدو أنها حركة ناشئة حديثاً، أواخر العام 2019) محمّد شكيب الخالد فقال خلال حديث لـ"المونيتور": "أمر مؤسف أن يتحوّل الشباب السوريّ إلى مرتزقة مأجورين، مؤسف أن نتحوّل إلى أداة اصطفاف إقليميّ ودوليّ غير مرغوب فيه، فسندفع ثمن ذلك غالياً".
أضاف: "إنّ صعوبة تأمين قوت العائلة والفقر، ليست مبرّراً مقنعاً، إذ لا يمكن مقايضة الروح بالمال، وتشويه صورة الجيش الحرّ الذي دفع ثمنها آلاف الشهداء".
وأردف: "إنّ الفصائل أدوات مسلوبة القرار والإرادة، فهي تعمل لأجل المصالح التركيّة".
من جهته، قال الصحافيّ السوريّ باسل غزّاوي وكان سابقاً يعمل مع تلفزيون أورينت، وهو من محافظة درعا جنوبي سوريا ويقيم الآن في محافظة ادلب شمال غربي سوريا لـ"المونيتور": "إنّ سوريا أحقّ بهؤلاء المقاتلين لقتال النظام السوريّ الذي يقتل شعبه، ولا يوجد أيّ مبرّر لقتال السوريّين خارجها. وإذا كانت مشاركة السوريّين في الحرب الليبيّة بهدف عقائديّ وفكريّ، فالمعارك في سوريا لها الأولويّة. أمّا إذا كانت المشاركة بهدف الفائدة الماديّة فالأمر لا يتعدّى القتال كمرتزقة مقابل الحصول على المال".
أضاف: كان أولى بالمقاتلين السوريّين الدفاع عن قضيّتهم وثورتهم، إنّ نفي الجيش الوطنيّ السوريّ مشاركته في المعارك الليبيّة هو محاولة يائسة لعدم تأجيج الحاضنة الشعبيّة عليه وإبعاد صفة الارتزاق عن مقاتليه، فهو لا يستطيع منع مقاتليه من المشاركة لأنّه فعليّاً يعمل بأوامر تركيّة.