قطاع غزّة - مدينة غزّة: أعلنت وزارة الداخليّة التركيّة، الجمعة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنّها ستدرج القياديّ المفصول من حركة "فتح" محمّد دحلان على قائمة الإرهابيّين المطلوبين لديها، وعرضت 700 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدّي إلى إلقاء القبض عليه.
يُعتبر محمّد دحلان، الذي يقيم في الإمارات العربيّة المتّحدة حاليّاً، الخصم السياسيّ لرئيس السلطة محمود عبّاس، وتحاول السلطة إصدار طلب اعتقاله عبر منظّمة الشرطة الجنائيّة الدوليّة (الإنتربول)، التي رفضت مرّتين هذا الطلب، الأوّل في 27 سبتمبر/أيلول 2017، والثاني في آيار/مايو 2019. وردّ الإنتربول أنّ "طلب السلطة يتنافى مع قوانينه التي تحظّر التدخّل في مسائل ذات طابع سياسيّ".
وكان دحلان فُصل من حركة "فتح" بقرار من محمود عبّاس منتصف عام 2011، بتهمة "التجنُّح"، الذي يعني اتّخاذ العضو موقفاً ضدّ حركته من دون أن ينشقّ عنها.
كما يتّهم عبّاس دحلان بالتخابر مع إسرائيل والمشاركة في اغتيال الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات، وهو الأمر الذي نفاه دحلان.
وتتّهم تركيا دحلان بأنّه "مرتزق يعمل لحساب دولة الإمارات" وبالمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ضدّ الرئيس رجب طيّب أردوغان، فيما وصفته صحيفة "حرييت" التركيّة، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بأنّه "أمير الظلام".
لكنّ دحلان ردّ، عبر صفحته على "فيسبوك"، قائلاً: "أقترح على أردوغان أن يدفع الـ700 ألف دولار لطبيب نفسيّ، بعد انهيار أحلامه وطموحاته في المنطقة العربيّة".
وأشار الكاتب والمحلّل السياسيّ المختصّ بالشأن التركيّ والمقيم في تركيا معين نعيم خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ تركيا برّرت إدراج دحلان في قائمة الإرهاب لدوره (المزعوم) في الانقلاب العسكريّ الذي حدث في تمّوز/يوليو من عام 2016، معتبراً أنّ هناك أسباباً أعمق من ذلك، وقال: "فالانقلاب أمر قديم".
أضاف: "أنّ أنقرة تعتقد أنّ دحلان ذراع دولة الإمارات ومرتبط بالثورة المضادّة في المنطقة التي تعتبرها تركيا ضدّ مصالحها السياسيّة". وتابع: "لذلك، تحاول تركيا أن تضيّق على دحلان وتوقفه عند حدّه، وتريد أن تضعف ذراع الإمارات".
واعتبر أنّ السلطة الفلسطينيّة معنيّة جدّاً بهذا الأمر، خصوصاً أنّها تخشى منافسة دحلان في الانتخابات الفلسطينيّة المرتقبة.
لم تصدر السلطة الفلسطينيّة أيّ موقف رسميّ، تعقيباً على الإعلان التركيّ الخاص بدحلان. كما رفض محمود صلاح الدين، مدير الشرطة الجنائيّة الدوليّة في فلسطين "إنتربول فلسطين" التعليق على ذلك، وقال لـ"المونيتور": لا توجد معلومات يمكن الإدلاء بها حول هذا الملف.
ولفت قياديّ في حركة "فتح"، رفض الإفصاح عن هويّته، خلال حديث لـ"المونيتور"، إلى أنّ ملف دحلان يثير عبّاس، الذي يسعى إلى محو كلّ ما يتعلّق بدحلان في التنظيم. ووصف الإجراء التركيّ بأنّه "هديّة إلى السلطة الفلسطينيّة"، إذا ما قرّرت متابعة الإجراءات القضائيّة لاعتقال دحلان.
واعتبر إلى أنّ الإجراء التركيّ قد يشجّع السلطة على إعادة الطلب من الانتربول باعتقال دحلان مرّة ثالثة، إضافة إلى إمكانيّة فتح قناة تعاون بين الأمنين الفلسطينيّ والتركيّ بشأن دحلان.
وذكر أنّ الأمن الفلسطينيّ قد يقوم بتقديم المساعدة اللاّزمة إلى تركيا بإيعاز من الرئيس أبو مازن "في محاولة منه لإبعاده تماماً عن المشهد السياسيّ الفلسطينيّ ومنع أيّ تأثير له، قبل الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المرتقبة، خصوصاً أنّ أحد أسباب تأجيل هذه الانتخابات، هو دحلان وطموحه السياسيّ".
من جهته، أشار عماد محسن، وهو المتحدّث باسم "التيّار الإصلاحيّ" الذي يقوده دحلان، لـ"المونيتور"، إلى أنّه لا يستبعد أن تستغلّ السلطة الإعلان التركيّ، "لأنّها تبحث عن كلّ قضيّة من شأنها أن تقصي خصومها السياسيّين"، وقال: "إنّ القيادة التركيّة الحاليّة بقيادة أردوغان دخلت على الخطّ الفلسطينيّ السياسي الداخلي، بمنطق أنّها طرف في الصراع من خلال ملاحقتها خصم عباس ودعم السلطة الفلسطينية، وليست داعمة للقضيّة الفلسطينيّة". ووصف الاتّهامات التركيّة لدحلان بأنّها "اتّهامات سياسيّة تسبق الانتخابات الفلسطينيّة المرتقبة".
ويترقّب الفلسطينيّون إصدار عبّاس المرسوم الرئاسيّ لتحديد موعد الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة المقبلة، بعد موافقة كلّ الفصائل الفلسطينيّة على إجرائها، بمن فيها حركة "حماس" في قطاع غزّة. وأعلن الرئيس عباس خلال مؤتمر نظمته هيئة مكافحة الفساد، في 9 كانون أول/ديسمبر الماضي: "إننا ذاهبون إلى الانتخابات بعد أن وافقت عليها جميع التنظيمات"، دون أن يعلن موعداً رسمياً لإصدار المرسوم الرئاسي.
واستبعد محسن أن يكون لذلك أيّ تأثير على ملف الانتخابات "لأنّ شعبنا يعرف الشخصيّات التي تعمل من أجل الشراكة السياسيّة".
وفي السياق، استبعد الكاتب والمحلّل السياسيّ مصطفى الصوّاف أن يؤثّر إدراج دحلان في قائمة الإرهاب بتركيا على عمل "التيّار الإصلاحيّ" في قطاع غزّة، وقال لـ"المونيتور": لدى تركيا إشارات ودلائل على أنّ دحلان كان جزءاً من الانقلاب الذي حدث فيها.
واعتبر مصطفى الصوّاف أنّ الإعلان التركيّ يمثّل "فرصة ثمينة" للسلطة لتجديد الطلب من الإنتربول الدوليّ من أجل القبض على دحلان، "خصوصاً أنّ هناك عداوة كبيرة بينه وبين عباس".
كما استبعد الصواف أن يؤثر الإعلان التركي على العلاقة بين دحلان وحركة حماس في قطاع غزة، حيث يدير تيار دحلان أنشطة سياسية واجتماعية. مشيراً إلى أن زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى تركيا في 8 كانون أول/ديسمبر الجاري تؤكد هذا الأمر.
ويزور هنية تركيا على رأس وفد من الحركة، ضمن جولة خارجية يعتزم خلالها زيارة عدد من الدول، من بينها ماليزيا وروسيا وقطر ولبنان وموريتانيا والكويت. وتعتبر هذه الجولة الدولية الأولى لهنية إلى الخارج منذ توليه منصب رئاسة المكتب السياسي للحركة.
وقال الصواف: "إن أنقرة ستذهب إلى تطوير علاقتها بالحركة وليس العكس، ولن تسمح بأن تتأثر هذه العلاقة بملف دحلان."